صفحة جديدة 12
باب في أحكام الإيلاء
الإيلاء هو الحلف، مصدر إلى
يؤلي إيلاء، والألية اليمين، يقال: آلى من امرأته إيلاء: إذا حلف أن لا يجامعها،
ومن ثم عرفه الفقهاء بأنه: حلف زوج يمكنه الوطء بالله أو صفة من صفاته على ترك وطء
زوجته في قبلها أبدا أو أكثر من أربعة أشهر.
ومن هذا التعريف يمكننا أن
نستخلص أن الإيلاء لا يتم إلا بتوفر شروط خمسة:
الأول: أن يكون من زوج يمكنه الوطء.
الثاني: أن يحلف بالله أو بصفة من صفاته لا بطلاق أو عتق أو نذر.
الثالث: أن يحلف على ترك الوطء في القبل.
الرابع: أن يحلف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر.
الخامس: أن تكون الزوجة ممن يمكن وطؤها.
فإذا توافرت هذه الشروط؛ صار
مؤليا، يلزمه حكم الإيلاء، وإن اختل واحد منها؛ لم يكن مؤليا.
ودليل الإيلاء قوله تعالى:
﴿لِلَّذِينَ
يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ﴾ أي: للأزواج الذين يحلفون على
ترك وطء زوجاتهم مهلة أربعة أشهر، فإن وطئوا زوجاتهم وكفروا عن أيمانهم؛ فإن الله
يغفر لهم ما حصل منهم، وإن مضت هذه المدة وهم مصرون على ترك وطء زوجاتهم؛ فإنهم
يوقفون ويؤمرون بوطء زوجاتهم والتكفير عن أيمانهم، فإن أبوا؛ أمروا بالطلاق بعد
مطالبة المرأة.
وهذا إبطال لما كانوا عليه في الجاهلية من إطالة مدة الإيلاء، وفي هذا التشريع
الحكيم العادل إزالة للضرر عن المرأة وإزاحة للظلم عنها.
والإيلاء محرم في الإسلام لأنه
يمين على ترك واجب وينعقد الإيلاء من كل زوج يصح طلاقه سواء كان مسلما أو كافرا أو
حرا أو عبدا، وسواء كان بالغا أو مميزا ويطالب بعد البلوغ، ومن الغضبان والمريض
الذي يرجى برؤه؛ لعموم الآية الكريمة، وحتى من الزوجة التي لم يدخل بها؛ لعموم
الآية.
ولا ينعقد الإيلاء من زوج مجنون
ومغمى عليه لعدم تصورهما لما يقولان؛ فالقصد معدوم منهما.
ولا ينعقد الإيلاء من زوج عاجز
عن الوطء عجزا حسيا كالمجبوب والمشلول؛ لأن الامتناع عن الوطء في حقهما ليس بسبب
اليمين.
فإذا قال لزوجته: والله لا أطؤك
أبدا، أو عين مدة تزيد على أربعة أشهر، أو غياه بشيء لا يتوقع حصوله قبل أربعة أشهر
كنزول عيسى وخروج الدجال؛ فهو مول في كل هذه الصور، وكذا لو غياه بفعل محرما أو
تركها واجبا؛ كقوله: والله لا أطؤك حتى تتركي الصلاة، أو تشربي الخمر؛ فهو مول؛
لأنه علقه بممنوع شرعا أشبه الممنوع حسا.
وفي كل هذه الأحوال تضرب مدة
الإيلاء؛ لقوله تعالى:
﴿لِلَّذِينَ
يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ وفي الصحيح عن ابن عمر؛ قال: «إذا مضى أربعة أشهر ممن حلف على مدة تزيد عليها؛ فهو مول، يوقف حتى
يطلق، ولا يقع به الطلاق حتى يطلق»
وذكره البخاري عن بضعة عشر صحابيا، وقال سليمان بن يسار: «أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلهم يوقفون
المولي» وهو مذهب جماهير العلماء؛ كما
أنه ظاهر الآية الكريمة.
فإذا مضى أربعة أشهر من يمينه -
ولا تحتسب منها أيام عذرها، فإذا مضت:
- فإن حصل منه وطء لزوجته؛ فقد
فاء؛ لأن الفيئة هي الجماع، وقد أتى به، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن
الفيء الجماع، وأصل الفيء الرجوع إلى فعل ما تركه، وبذلك تحصل المرأة على حقها منه.
- وأما إن أبى أن يطأ من آلى
منها بعد مضي المدة المذكورة فإن الحاكم يأمره بالطلاق إن طلبت المرأة ذلك منه؛
لقوله تعالى:
﴿وَإِنْ
عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي: إن لم يفئ، بل عزم وحقق إيقاع الطلاق؛ وقع، فإن أبى أن يفيء
وأبى أن يطلق؛ فإن الحاكم يطلق عليه أو يفسخ؛ لأنه يقوم مقام المؤلي عند امتناعه،
والطلاق تدخله النيابة.
وقد ألحق الفقهاء بالمؤلي في
هذه الأحكام من ترك وطء زوجته إضرارا بها بلا يمين أكثر من أربعة أشهر وهو غير
معذور وكذا ألحقوا بالمؤلي من ظاهر من زوجته ولم يكفر واستمر على ذلك أكثر من أربعة
أشهر؛ لأن كلا من هذين تارك لوطء زوجته إضرارا بها، فأشبها المؤلي، والله تعالى
أعلم.
قالوا: وإن انقضت مدة الإيلاء،
وبأحد الزوجين عذر يمنع الجماع أمر الزوج أن يفيء بلسانه، فيقول: متى قدرت؛ جامعتك؛
لأن القصد بالفيئة ترك ما قصده من الإضرار بها، واعتذاره يدل على ترك الإضرار، ثم
متى قدر؛ وطئ أو طلق؛ لزوال عجزه الذي أخر من أجله.
باب في أحكام الظهار
الظهار يراد به هنا أن يقول
الرجل لزوجته إذا أراد الامتناع من الاستمتاع بها: أنت علي كظهر أمي، أو أختي، أو
من تحرم عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة؛ فمتى شبه زوجته بمن تحرم عليه أو ببعضها؛
ظاهر منها.
وحكمه أنه محرم؛ لقوله تعالى:
﴿الَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ
أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا
مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا﴾
أي: يقولون كلاما فاحشا باطلا، لا يعرف في الشرع، بل هو كذب بحت، وحرام محض، وقول
منكر، وذلك لأن المظاهر يحرم على نفسه ما لم يحرمه الله عليه، ويجعل زوجته في ذلك
مثل أمه، وهي ليست كذلك.
وكان الظهار طلاقا في الجاهلية،
فلما جاء الإسلام؛ أنكره، واعتبره يمينا مكفرة؛ فيحرم على المظاهر والمظاهر منها
استمتاع كل منهما بالآخر قبل أن يكفر الزوج في ظهاره بجماع ودواعيه؛ لقوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ الآيات، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمظاهر: «لا
تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به»
صححه الترمذي.
فيلزم المظاهر إذا عزم على وطء
المظاهر منها أن يخرج الكفارة قبله؛ لقوله تعالى:
﴿فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ فدلت الآيتان الكريمتان على وجوب كفارة الظهار بوطء المظاهر منها
وأنه يلزم إخراجها قبل الوطء عند العزم عليه، وأن تحريم زوجته عليه باق حتى يكفر،
وهذا قول أكثر أهل العلم.
وكفارة الظهار تجب على الترتيب
عتق رقبة، فإن لم يجد الوقبة أو لم يجد ثمنها؛ صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع
الصيام لمرض ونحوه؛ أطعم ستين مسكينا؛ لقوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾..
ومعنى:
﴿يُظَاهِرُونَ
مِنْ نِسَائِهِمْ﴾..
بأن يقول أحدهم لامرأته: أنت
علي كظهر أمي ونحوه.
﴿ثُمَّ
يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ أي: يريدون أن يجامعوا زوجاتهم اللاتي ظاهروا منهن.
﴿فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ أي: يجب عليهم أن يكفروا قبل الجماع بتحرير رقبة من الرق إذا كان
يملكها أو يقدر على شرائها بثمن فاضل عن كفايته وكفاية من يمونه.
ويشترط في الرقبة أن تكون
مؤمنة؛ لقوله تعالى في كفارة القتل:
﴿وَمَنْ
قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾
فيقاس عليها كفارة الظهار، وحملا للمطلق على المقيد، ويشترط في الرقبة أيضا أن تكون
سليمة من العيوب التي تضر بالعمل ضررا بينا؛ لأن المقصود بالعتق تمليك الرقيق
منافعه، وتمكينه من التصرف لنفسه، ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا بينا؛ كالعمى
وشلل اليد أو الرجل ونحو ذلك.
ويشترط لصحة التكفير بالصوم.
أولا: أن لا يقدر على العتق.
ثانيا: أن يصوم شهرين متتابعين، بأن لا يفصل بين أيام الصيام وبين الشهرين
إلا بصوم واجب؛ كصوم رمضان، أو إفطار واجب؛ كالإفطار للعيد وأيام التشريق، أو
الإفطار لعذر يبيحه؛ كالسفر والمرض؛ فالإفطار في هذه الأحوال لا يقطع التتابع.
ثالثا: أن ينوي الصيام من الليل عن الكفارة.
وإن كفر بالإطعام؛ اشترط لصحة
ذلك:
أولا: أن لا يقدر على الصيام.
ثانيا: أن يكون المسكين المطعم مسلما حرا يجوز دفع الزكاة إليه.
ثالثا: أن يكون مقدار ما يدفع لكل مسكين لا ينقص عن مد من البر ونصف صاع
من غيره.
ويشترط لصحة التكفير عموما
النية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
«إنما
الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»..
والدليل من السنة المطهرة مع
دليل القرآن على كفارة الظهار وترتيبها على هذا النمط ما روت خولة بنت مالك بن
ثعلبة رضي الله عنها؛ قالت: «ظاهر مني أوس بن الصامت، فجئت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني
فيه ويقول: اتقي الله؛ فإنه ابن عمك. فما برح حتى نزل القرآن: ﴿قَدْ
سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾.. فقال:
يعتق رقبة. فقالت: لا يجد. فقال: فيصوم شهرين متتابعين. قالت: يا رسول الله! إنه
شيخ كبير؛ ما به من صيام. قال: فليطعم ستين مسكينا. قالت: ما عنده من شيء يتصدق به.
قال: فإني سأعينه بعرق من تمر. قالت: يا رسول الله! فإني سأعينه بعرق آخر. قال: قد
أحسنت، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك» والعرق ستون صاعا، رواه
أبو داود.
هذا ديننا العظيم، فيه حل لكل
مشكلة، ومن ذلك المشاكل الزوجية؛ فها هو يحل مشكلة الظهار، وهي مشكلة كانت مستعصية
في أيام الجاهلية، بحيث لم يجدوا لها حلا إلا الفراق بين الزوجين وتشتيت الأسرة؛
فما أعظمه من دين!
ثم نجده في إيجاب الكفارة راعى ظروف الزوج، وشرع لكل حالة ما يناسبها مما يستطيع
الزوج فعله؛ من عتق، إلى صيام، إلى إطعام؛ فلله الحمد.
باب في أحكام اللعان
إن الله سبحانه حرم القذف (وهو
رمي البريء بفعل الفاحشة)، وتوعد عليه بأشد الوعيد، فقال تعالى:
﴿
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ
دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾
وأوجب جلد القاذف إذا لم يستطع
إقامة البينة بأربعة شهود يشهدون بصحة ما قال ثمانين جلدة، وأن يعتبر فاسقا لا تقبل
شهادته؛ إلا إن تاب وأصلح؛
قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا
وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾..
هذا إذا قذف غير زوجته؛ فإنه
تتخذ معه هذه الإجراءات الصارمة، أما إذا قذف زوجته بالزنى؛ فله حل آخر، وذلك بأن
يعتاض عن هذه الإجراءات بما يسمى باللعان، وهو شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين،
مقرونة بلعنة وغضب؛ كما يأتي بيانه.
فإذا قذف رجل امرأته بالزنى،
ولم يستطع إقامة البينة فله إسقاط حد القذف عنه بالملاعنة؛
لقوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ
فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ
الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ
الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ
بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ
عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾..
فيقول الزوج أربع مرات: أشهد
بالله لقد زنت زوجتي هذه، ويشير إليها إن كانت حاضرة، ويسميها إن كانت غائبة بما
تتميز به، ويزيد في الشهادة الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم تقول
هي أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا، ثم تقول في الخامسة: وأن
غضب الله عليها إن كان من الصادقين. وخصت بالغضب لأن المغضوب عليه هو الذي يعرف
الحق ويجحده.
ويشترط لصحة اللعان أن يكون بين
زوجين مكلفين، وأن يقذفها بزنى، وأن تكذبه في ذلك ويستمر تكذيبها له إلى انقضاء
اللعان، وأن يتم بحكم حاكم.
فإذا تم اللعان على الصفة التي
ذكرنا مستوفيا لشروط صحته؛
فإنه يترتب عليه:
أولا: سقوط حد القذف عن الزوج.
ثانيا: ثبوت الفرقة بينهما وتحريمها عليه تحريما مؤبدا.
ثالثا: ينتفي عنه نسب ولدها إن نفاه في اللعان؛ بأن قال: ليس هذا الولد
مني.
ويحتاج الزوج إلى اللعان إذا
رأى امرأته تزني ولم يمكنه إقامة البينة، أو قامت عنده قرائن قوية على ممارستها
الزنا، كما لو رأى رجلا يعرف بالفجور يدخل عليها.
والحكمة في مشروعية اللعان
للزوج لأن العار يلحقه بزناها، ويفسد فراشه، ولئلا يلحقه ولد غيره، وهو لا يمكنه
إقامة البينة عليها في الغالب، وهي لا تقر بجريمتها، وقوله غير مقبول عليها، فلم
يبق سوى تحالفهما بأغلظ الأيمان؛ فكان في تشريع اللعان حلا لمشكلته، وإزالة للحرج
عنه.
ولما لم يكن له شاهد إلا نفسه؛
مكنت المرأة أن تعارض أيمانه بأيمان مكررة مثله تدرأ بها الحد عنها، وإن نكل عن
الأيمان؛ وجب عليه حد القذف، وإن نكلت هي بعد حلفه؛ صارت أيمانه مع نكولها بينة
قوية لا معارض لها.
قال العلامة ابن القيم: وهو الذي يقوم عليه الدليل، ومذهب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم
الحكم بحدها إذا نكلت، وهو الصحيح، ويدل عليه القرآن، وجزم به الشيخ وغيره انتهى.
والدليل من السنة على مشروعية
اللعان عند الحاجة إليه ما اتفق عليه الشيخان عن ابن عمر؛ أنه لما سئل عن
المتلاعنين: أيفرق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم، إن أول من سئل عن ذلك فلان بن
فلان؛ قال: يا رسول الله! أرأيت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة؛ كيف يصنع؟ إن تكلم؛
تكلم بأمر عظيم، وإن سكت؛ سكت على مثل ذلك. قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم
يجبه، ولما كان بعد ذلك، أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه ابتليت به.
فأنزل الله عز وجل هذه الآيات
في سورة النور:
﴿وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾
فتلاهن عليه، ووعظه، وذكره، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال: لا
والذي بعثك بالحق نبيا؛ ما كذبت عليها. ثم دعاها، ووعظها، وأخبرها أن عذاب الدنيا
أهون من عذاب الآخرة، قالت: لا والذي بعثك بالحق نبيا؛ إنه لكاذب. فبدأ بالرجل،
فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله إن كان من
الكاذبين، ثم ثنى بالمرأة، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن
غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم فرق بينهما.