صفحة جديدة 13
باب في أحكام لحوق النسب
وعدم لحوقه
إذا ولدت زوجة إنسان أو أمته
مولودا يمكن كونه منه؛ فإنه يلحقه نسبه، ويكون ولدا له، وذلك كأن تلده على فراشه؛
لقوله صلى الله عليه وسلم: «الولد
للفراش»..
وإمكان كونه منه في حالات:
الحالة الأولى: أن تكون في عصمة زوجها، وتلده بعد نصف سنة منذ أمكن وطؤه إياها
واجتماعه بها، سواء كان حاضرا أو غائبا، وذلك لتحقق إمكان كونه منه، ولم يوجد ما
ينافي ذلك.
الحالة الثانية: أن لا تكون في عصمة زوجها، وتلده لدون أربع سنين منذ أبانها،
فيلحقه نسب المولود؛ لأن أكثر مدة الحمل أربع سنين، فإذا ولدته لدون هذا الحد؛ أمكن
كونه ممن طلقها، فيلحق به.
ويشترط لإلحاق الولد بالزوج أو
المطلق في هاتين الحالتين: أن يكون كل منهما ممن يولد لمثله؛ بأن يكون قد بلغ عشر
سنين فأكثر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
«مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينم في المضاجع» فأمره صلى الله عليه وسلم بالتفريق بين الأولاد في هذا السن دليل
على إمكان الوطء، وهو سبب الولادة، فدل على أن ابن عشر سنين يمكن إلحاق النسب به،
وإن لم يحكم ببلوغه في هذا السن؛ لأن الحكم بالبلوغ لا يتم إلا بتحقق علاماته، وإنا
اكتفينا بإمكان الوطء منه لإلحاق النسب به؛ حفظا لنسب المولود واحتياطا له.
الحالة الثالثة: إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا، فتلد بعد مضي أربع سنين منذ طلقها،
وقبل انقضاء عدتها؛ فإنه يلحقه نسب الولد، وكذا لو ولدت مطلقته الرجعية قبل مضي
أربع سنين من انقضاء عدتها؛ فإنه يلحق نسب مولودا، لأن الرجعية في حكم الزوجات؛
فأشبه ما بعد الطلاق ما قبله.
ومن الأمور التي يلحق السيد بها
مولود أمته: أن يعترف شخص بأنه قد وطئ أمته، أو تقوم البينة عليه بذلك، ثم تلد هذه
الأمة لستة أشهر فأكثر من هذا الوطء الذي ثبت باعترافه أو بالبينة؛ فإنه يلحقه نسب
هذا المولود؛ لأنها بذلك صارت فراشا له، فتدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «الولد
للفراش»..
ومن ذلك: أن يعترف السيد بوطء
أمته، ثم يبيعها أو يعتقها بعد اعترافه بذلك، وتلد لدون ستة أشهر من البيع أو العتق
لها، ويعيش المولود؛ فإنه يلحقه نسبه؛ لأنه أقل مدة الحمل ستة أشهر، فإذا ولدت
دونها، وعاش مولودها؛ فإنه بذلك يعلم أنها حملت به قبل أن يبيعها، وهي حينذاك فراش
له، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
«الولد
للفراش»
وينتفي كون الولد من الزوج في
حالتين
الحالة الأولى: إذا ولدته لدون ستة أشهر منذ زواجها وعاش؛ لأن هذه المدة لا يمكن
أن تحمل وتلد فيها، فتكون حينئذ حاملا به قبل أن يتزوجا.
الحالة الثانية: إذا طلقا طلاقا بائنا، ثم تلد بعد مضي أكثر من أربع سنين من طلاقه
لها؛ فإنه لا يلحقه نسب ذلك المولود؛ لأننا نعلم أنا حملت بعد ذلك النكاح.
ولا يلحق السيد نسب ولد أمته
إذا ادعى أنه قد استبرأها بعد وطئه لها؛ لأنه باستبرائه لها تيقن براءة رحمها منه،
فيكون هذا المولود من غيره، والقول قوله في حصول الاستبراء، لأنه أمر خفي لا يمكن
الاطلاع عليه إلا بعسر ومشقة، لكن لا يقبل قوله في ذلك؛ إلا إذا حلف عليه؛ لأنه
بذلك ينكر حق الولد في النسب؛ فلا بد من يمينه في ادعاء الاستبراء.
وإذا حصل إشكال في مولود؛ فإنه
يقدم الفراش على الشبه؛ كأن يدعي سيد ولد أمته، ويدعيه واطئ بشبهة؛ فهو للسيد، عملا
بقوله صلى الله عليه وسلم: «الولد
للفراش»..
ويتبع الولد في النسب أباه؛
لقوله تعالى:
﴿ادْعُوهُمْ
لِآبَائِهِمْ﴾
ويتبع في الدين خير أبويه دينا، فلو تزوج نصراني وثنية، أو بالعكس؛ فيكون الولد
تابعا للنصراني منهما.
ويتبع الولد في الحرية والرق
أمه؛ إلا مع شرط أو غرر.
من هذا العرض السريع لأحكام
لحوق النسب في ندرك حرص الإسلام على حفظ الأنساب؛ لما يترتب على ذلك من الصالح؛
لصلة الأرحام والتوارث والولاية وغير ذلك؛
قال تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ فليس المقصود من معرفة الأنساب هو التفاخر والحمية الجاهلية، وإنما
المقصود به التعاون والتواصل والتراحم.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
باب في أحكام العدة
أحكام العدة
من آثار الطلاق العدة، ويراد بها التربص المحدود شرعا.
ودليلها الكتاب والسنة
والإجماع:
- فأما الكتاب؛
فقوله تعالى:
﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾..
وقوله تعالى:
﴿وَاللَّائِي
يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ
ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ
أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ هذا بالنسبة للمفارقة في الحياة، وأما بالنسبة للوفاة؛
فقد قال الله تعالى فيها:
﴿وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾..
- والدليل من السنة حديث عائشة
رضي الله عنها؛ قالت: «أمرت
بريرة أن تعتد بثلاث حيض» رواه ابن ماجه، ولغيره من الأحاديث.
وأما الحكمة في مشروعية العدة فهي استبراء رحم المرأة من الحمل؛ لئلا يحصل اختلاط الأنساب، وكذلك
إتاحة الفرصة للزوج المطلق ليراجع إذا ندم وكان الطلاق رجعيا، ومن الحكمة أيضا
تعظيم عقد النكاح، وأن له حرمة، وتعظيم حق الزوج المطلق، وفيها أيضا صيانة حق الحمل
فيما لو كانت المفارقة حاملا.
وبالجملة؛ فالعدة حريم للنكاح
السابق.
وأما من تلزمها العدة فالعدة
تلزم كل امرأة فارقت زوجها بطلاق أو خلع أو فسخ أو مات عنها؛ بشرط أن يكون الزوج
المفارق لها قد خلا بها وهي مطاوعة مع علمه بها وقدرته على وطئها، سواء كانت الزوجة
حرة أو أمة، وسواء كانت بالغة أو صغيرة يوطأ مثلها.
وأما من فارقها زوجها حيا بطلاق
أو غيره قبل الدخول بها؛ فلا عدة عليها؛ لقوله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ
عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ ومعنى: تعتدونها أي: تحصونها بالأقراء أو الأشهر، ومعنى: تمسوهن
أي: تجامعوهن؛ فدلت الآية الكريمة على أنه لا عدة على من طلقت قبل الدخول بها، ولا
خلاف في ذلك بين أهل العلم، وذكر المؤمنات هنا من باب التغليب؛ لأنه لا فرق بين
الزوجات المؤمنات والكتابيات في هذا الحكم باتفاق أهل العلم.
أما المفارقة بالوفاة؛ فتعتد مطلقا، سواء كانت الوفاة قبل الدخول أو بعده؛
لعموم قوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾
ولم يرد ما يخصصها.