صفحة جديدة 10
ودليل مشروعية الطلاق الكتاب
والسنة والإجماع.
– قال تعالى:
﴿الطَّلَاقُ
مَرَّتَانِ﴾..
وقال تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«إنما
الطلاق لمن أخذ بالساق» رواه ابن ماجه والدارقطني، ولغيره من الأحاديث.
- وقد حكى الإجماع على مشروعية
الطلاق غير واحد من أهل العلم.
والحكمة فيه ظاهرة، وهو من
محاسن هذا الدين الإسلامي العظيم؛ فإن فيه حلا للمشكلة الزوجية عند الحاجة إليه؛
قال تعالى:
﴿فَإِمْسَاكٌ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾..
وقال تعالى:
﴿وَإِنْ
يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا
حَكِيمًا﴾..
فإذا لم يكن هناك مصلحة في
البقاء على الزوجية، أو حصل الضرر على الزوجة في البقاء مع الرجل، أو كان أحدهما
فاسد الأخلاق غير مستقيم في دينه؛ ففي الطلاق فرج ومخرج.
وكم تعاني المجتمعات التي تمنع الطلاق من الويلات والمفاسد والانتحارات وفساد
الأسر؛ فالإسلام العظيم أباح الطلاق ووضع له ضوابط تحقق بها المصلحة وتندفع بها
المفسدة شأنه في كل تشريعاته العظيمة المشتملة على المصالح العاجلة والآجلة، فالحمد
لله على فضله وإحسانه.
وأما من يصح منه إيقاع الطلاق
فهو الزوج المميز المختار الذي يعقله، أو وكيله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما
الطلاق لمن أخذ بالساق»
- وأما من زال عقله وهو معذور في ذلك؛ كالمجنون، والمغمى عليه، والنائم، ومن أصابه
مرض أزال شعوره؛ كالبرسام، ومن أكره على شرب مسكر، أو أخذ بنجا ونحوه لتداو؛ فكل
هؤلاء لا يقع طلاقهم إذا تلفظوا به في حال زوال العقل بسبب من هذه الأسباب؛ لقول
علي رضي الله عنه: «كل الطلاق جائز؛ إلا طلاق
المعتوه» ذكره البخاري في صحيحه، ولأن العقل هو
مناط الأحكام.
- وأما إن زال عقله بتعاطيه
مسكرا، وكان ذلك باختياره، ثم طلق في هذه الحال؛ ففي وقوع طلاقه خلاف بين أهل العلم
على قولين: أحدهما: أنه يقع، وهو قول الأئمة الأربعة وجمع من أهل العلم.
- وإن أكره على الطلاق ظلما، فطلق لرفع الإكراه والظلم؛ لم يقع طلاقه؛ لحديث: «لا
طلاق ولا عتاق في إغلاق» رواه أحمد وأبو داود وابن
ماجه، والإغلاق: الإكراه، ولقوله تعالى:
﴿مَنْ
كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ
مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ والكفر أعظم من الطلاق، وقد عفي عن المكره عليه؛ فالطلاق من باب
أولى، فإن كان الإكراه على الطلاق بحق كالمؤلي إذا أبى الفيئة؛ وقع طلاقه.
- ويقع الطلاق من الغضبان الذي
يتصور ما يقول، أما الغضبان الذي أخذه الغضب، فلم يدر ما يقول؛ فإنه لا يقع طلاقه.
- ويقع الطلاق من الهازل؛ لأنه
قصد التكلم به، وإن لم يقصد إيقاعه. والله أعلم.
باب في الطلاق السني والطلاق البدعي
الطلاق السني هو الطلاق الذي
وقع على الوجه المشروع الذي شرعه الله ورسوله، وذلك بأن يطلقا طلقة واحدة في طهر لم
يجامعها فيه ويتركها حتى تنقضي عدتها؛ فهذا طلاق سني من جهة العدد؛ بحيث إنه طلقها
واحدة ثم تركها حتى انقضت عدتها، وسني من جهة الوقت؛ حيث إنه طلقها في طهر لم يصبها
فيه؛ لقوله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾
قال ابن مسعود رضي الله عنه في معنى الآية الكريمة: يعني: طاهرات من غير جماع،
وقال علي رضي الله عنه: «لو أن الناس أخذوا بما أمر الله به من الطلاق؛ ما أتبع رجل نفسه
امرأة أبدا؛ يطلقها تطليقة، ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثا، فإن شاء؛
راجعها» يعني: ما دامت في العدة، وذلك أن الله أعطى
المطلق فرصة يتمكن فيها من مراجعة زوجته إذا ندم على طلاقها، وهو لم يستغرق ما له
من عدد الطلاق، وهي لا تزال في العدة، فإذا استنفد ما له من عدد الطلاق؛ فقد أغلق
عن نفسه باب الرجعة.
والطلاق البدعي هو الذي يوقعه
صاحبه على الوجه المحرم، وذلك بأن يطلقها ثلاثا بلفظ واحد، أو يطلقها وهي حائض أو
نفساء، أو يطلقها في طهر وطئها فيه ولم يتبين حملها، والنوع الأول يسمى بدعيا في
العدد، والنوع الثاني بدعي في الوقت.
- والبدعي في العدد يحرمها عليه
حتى تنكح زوجا غيره، لقوله تعالى:
﴿فَإِنْ
طَلَّقَهَا﴾ يعني: الثالثة؛
﴿فَلَا
تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾
- والبدعي في الوقت يستحب له أن
يراجعها منه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما:
«أنه
طلق امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها»
رواه الجماعة، وإذا راجعها؛ وجب عليه إمساكها حتى تطهر، ثم إن شاء طلقها.
ويحرم على الزوج أن يطلق طلاقا
بدعيا، سواء في العدد أو الوقت؛ لقوله تعالى:
﴿الطَّلَاقُ
مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾..
ولقوله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ أي: طاهرات من غير جماع، ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن
رجلا طلق امرأته ثلاثا؛ قال:«أيلعب
بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟!» وكان عمر إذا أتي برجل طلق ثلاثا،
أوجعه ضربا، ولما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض؛
تغيظ، وأمره بمراجعتها.
كل ذلك مما يدل على وجوب التقيد
بأحكام الطلاق عددا ووقتا، وتجنب الطلاق المحرم في العدد أو الوقت، ولكن كثيرا من
الرجال لا يفقهون ذلك، أو لا يهتمون به، فيقعون في الحرج والندامة، ويلتمسون بعد
ذلك المخارج مما وقعوا فيه، ويحرجون المفتين، وكل ذلك من جراء التلاعب بكتاب الله.
وبعض الرجال يجعل الطلاق سلاحا
يهدد به زوجته إذا أراد إلزامها بشيء أو منعها من شيء، وبعضهم يجعله محل اليمين في
تعامله ومحادثته مع الناس؛ فليتق الله هؤلاء، ويبعدوا عن ألسنتهم التفوه بالطلاق؛
إلا عند الحاجة إليه، وفي وقته وعدده المحددين.
وألفاظ الطلاق تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ألفاظ صريحة: وهي الألفاظ الموضوعة له، التي لا تحتمل غيره، وهي
لفظ الطلاق وما تصرف منه؛ من فعل ماض؛ ك (طلقتك)، واسم فاعل؛ ك (أنت طالق)، واسم
المفعول، كأن يقول: (أنت مطلقة)؛ دون المضارع والأمر؛ مثل: (تطلقين) و (اطلقي)،
واسم الفاعل من الرباعي؛ ك (أنت مطلقة)؛ فلا يقع بهذه الألفاظ الثلاثة طلاق؛ لأنها
لا تدل على الإيقاع.
القسم الثاني: ألفاظ كنائية: وهي الألفاظ التي تحتمل الطلاق وغيره، كأن يقول لها:
أنت خلية وبرية وبائن، وأنت حرة، أو: اخرجي والحقي بأهلك... وما أشبه ذلك
والفرق بين الألفاظ الصريحة
وألفاظ الكناية في الطلاق أن الصريحة يقع بها الطلاق، ولو لم ينوه، سواء كان جادا
أو هازلا أو مازحا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
«ثلاث
جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة» رواه الخمسة إلا النسائي.
وأما الكناية؛ فلا يقع بها طلاق؛ إلا إذا نواه نية مقارنة للفظه؛ لأن هذه الألفاظ
تحتمل الطلاق وغيره من المعاني؛ فلا تتعين للطلاق إلا بنيته، فإذا لم ينو بها
الطلاق؛ لم يقع؛
إلا
في ثلاث حالات:
الأولى: إذا تلفظ بالكناية في حال خصومة بينه وبين زوجته.
الثانية: إذا تلفظ بها في حال غضب.
الثالثة: إذا تلفظ بها في جواب سؤالها له الطلاق.
ففي هذه الأحوال يقع بالكناية
طلاق، ولو قال: لم أنوه؛ لأن القرينة تدل على أنه نواه؛ فلا يصدق بقوله: لم أنوه.
والله أعلم.
ويجوز للزوج أن يوكل من يطلق
عنه سواء كان الوكيل أجنبيا أو كانت الزوجة؛ فيجوز أن يوكلها فيه، ويجعل أمرها
بيدها، فيقوم الوكيل مقامه في الصريح والكناية والعدد، ما لم يحدد له حدا فيه.