صفحة جديدة 33
باب في ميراث الأخوات الشقائق
* قد ذكر الله سبحانه وتعالى ميراث الأخوات الشقائق والأخوات لأب مع الأخوة لغير أم
واحدتهن وجماعتهن، بقوله في آخر سورة النساء:
﴿يَسْتَفْتُونَكَ
قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ
وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا
وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ
كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾..
وذكر ميراث الأخوات لأم واحدة
كانت أو أكثر مع الأخوة لأم بقوله تعالى:
﴿وَإِنْ
كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ
فِي الثُّلُثِ﴾..
في أول السورة.
* فالأخت الشقيقة تأخذ النصف
بأربعة شروط
الشرط الأول: عدم المعصب لها، وهو الأخ الشقيق؛ لقوله تعالى:
﴿وَإِنْ
كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾.
الشرط الثاني: عدم المشارك لها، وهو الأخت الشقيقة؛ لقوله تعالى:﴿إِنِ
امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ
يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا
الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ﴾.
الشرط الثالث: عدم الأصل من الذكور الوارثين، والمراد به الأب والجد من قبل الأب
على الصحيح.
الشرط الرابع:
عدم الفرع الوارث، وهو الابن وابن الابن وإن نزل، والبنت وبنت الابن وإن نزل
أبوها.
ودليل هذين الشرطين أن الإخوة
والأخوات إنما يرثون في مسألة الكلالة، والكلالة هو من لا والد له ولا ولد.
والأخت لأب تأخذ النصف بخمسة
شروط وهي الشروط الأربعة السابقة في حق الأخت الشقيقة، والخامس عدم الأخ الشقيق
والأخت الشقيقة؛ لأن الموجود منهما أقوى منها.
- والأختان الشقيقتان فأكثر
يأخذن الثلثين، لقوله تعالى:
﴿فَإِنْ
كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ﴾
وإنما يأخذن الثلثين بأربعة شروط:
الشرط الأول: أن يكن اثنتين فأكثر، للآية الكريمة:
﴿فَإِنْ
كَانَتَا اثْنَتَيْنِ﴾.
الشرط الثاني: عدم المعصب لهما، وهو الأخ الشقيق فأكثر لقوله تعالى:
﴿وَإِنْ
كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾.
الشرط الثالث: عدم الفرع الوارث، وهم الأولاد وأولاد البنين، لقوله تعالى:﴿إِنِ
امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾
الآية.
الشرط الرابع: عدم الأصل من الذكور الوارث، وهو الأب بالإجماع، والجد على الصحيح.
والأخوات لأب ثنتان فأكثر يأخذن
الثلثين للإجماع على دخولهن - في عموم آية الكلالة:
﴿إِنِ
امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾
لكن لا يأخذن الثلثين إلا إذا تحقق خمسة شروط: الشروط الأربعة السابقة في الشقائق،
والشرط الخامس: عدم الأشقاء والشقائق، فلو كان هناك من الأشقاء، واحدا كان أو أكثر،
ذكرا كان أو أنثى لم ترث الأخوات لأب الثلثين، بل يحجبن بالذكر وبالشقيقتين إلا إذا
كان معهن من يعصبهن، وأما إذا كان الوجود شقيقة واحدة، فإن للأخت أو الأخوات لأب
السدس تكملة الثلثين.
وإذا وجد بنت واحدة وبنت ابن
فأكثر؛ فللبنت النصف، ولبنت الابن فأكثر معها السدس؛ تكملة الثلثين، لقضاء ابن
مسعود رضي الله عنه بذلك، وقوله: إنه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها،
رواه البخاري، ولأنه قد اجتمع من بنات الميت أكثر من واحدة، فكان لهن الثلثان،
لقوله تعالى:
﴿فَإِنْ
كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾
واختصت بنت الصلب بالنصف لأنها أقرب، فبقي لبنت الابن فأكثر السدس؛ تكملة الثلثين،
وذلك بعد توفر هذين الشرطين:
الشرط الأول: عدم المعصب لها، وهو ابن الابن المساوي لا في الدرجة، سواء كان أخا
لها أو ابن عم.
الشرط الثاني: عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منها سوى صاحبة النصف؛ فإنها لا
تأخذ السدس إلا معها.
والأخت لأب مع الأخت الشقيقة
تأخذ السدس تكملة الثلثين، والدليل على ذلك إجماع العلماء كما حكاه غير واحد،
وقياسها على بنت الابن مع بنت الصلب،
لكن لا تأخذ الأخت لأب السدس إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن تكون مع أخت شقيقة وارثة النصف فرضا، فلو تعددت الشقيقات،
أسقطن الأخت لأب؛ لاستكمالهن الثلثين.
الشرط الثاني: عدم المعصب لها، وهو أخوها، فإن كان معها أخوها، فالباقي بعد
الشقيقة لهما تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين، والله أعلم.
باب في ميراث الأخوات مع البنات وميراث الأخوة لأم.
إذا وجد بنت فأكثر مع أخت شقيقة
أو لأب فأكثر، فإن الموجود من البنات واحدة فأكثر يأخذ نصيبه، ثم إن جمهور العلماء
من الصحابة والتابعين يرون أن الأخوات من الأبوين أو من الأب يكن عصبة مع البنات
(وهو ما يسمى لدى الفرضيين بالتعصيب مع الغير)، فيأخذن ما فضل عن نصيب الموجود من
البنات أو بنات الابن، بدليل الحديث الذي رواه البخاري وغيره «أن
أبا موسى سئل عن ابنة وبنت ابن وأخت؛ فقال: للابنة النصف، وللأخت النصف، وقال
للسائل: ائت ابن مسعود. فسئل ابن مسعود، وأخبر بقول أبي موسى، فقال: لقد ضللت إذا
وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم: للبنت النصف،
ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت» ففي هذا الحديث دلالة
ظاهرة على أن الأخت مع البنت عصبة تأخذ الباقي بعد فرضها وفرض ابنة الابن.
ويرث الواحد من الأخوة لأم
السدس سواء كان ذكرا أم أنثى، ويرث الاثنتين فأكثر منهم الثلث بينهم بالسوية الذكر
والأنثى سواء، لقوله تعالى:
﴿وَإِنْ
كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ
فِي الثُّلُثِ﴾.
وقد أجمع العلماء على أن المراد
بالأخوة في هذه الآية الكريمة الأخوة لأم، وقرأها ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص: (وله
أخ أو أخت من أم).
وقد ذكرهم الله تعالى من غير
تفضيل، فاقتضى ذلك تسوية الأنثى بالذكر قال الإمام ابن القيم: وهو القياس الصحيح
والميزان الموافق لدلالة القرآن وفهم أكابر الصحاب.
يشترط لاستحقاق ولد الأم السدس ثلاث شروط
الشرط الأول: عدم الفرع الوارث
الشرط الثاني: عدم الأصل من الذكور الوارثين.
الشرط الثالث:
انفراده.
ويشترط لاستحقاق الأخوة لأم
الثلث ثلاثة شروط
الشرط الأول: أن يكونوا اثنين فأكثر؛ ذكرين كانوا أو أنثيين أو ذكر وأنثى أو
أكثر من ذلك.
الشرط الثاني: عدم الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا.
الشرط الثالث: عدم الأصل من الذكور الوارثين وهو الأب والجد من قبله.
ويختص الأخوة لأم بأحكام خمسة
الحكم الأول والثاني:
أنه لا يفضل ذكرهم على أنثاهم في الميراث اجتماعا وانفرادا، لقوله تعالى في حالة
الانفراد:
﴿وَإِنْ
كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾. وقوله
تعالى في حالة الاجتماع: ﴿فَإِنْ
كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾.
والكلالة في قول الجمهور: من ليس له ولد ولا والد، فشرط في توريثهم
عدم الولد والوالد، والولد يشمل الذكر والأنثى، والوالد يشمل الأب والجد، وفي قوله
تعالى:
﴿فَإِنْ
كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ﴾
دليل على عدم تفضيل ذكرهم على أنثاهم لأن الله سبحانه شرك بينهم في الاستحقاق،
والتشريك إذا أطلق اقتضى المساواة،
والحكمة في ذلك - والله أعلم -
أنهم يرثون بالرحم المجردة؛ فالقرابة التي يرثون بها قرابة أنثى فقط، وهم فيها
سواء؛ فلا معنى لتفضيل ذكرهم على أنثاهم؛ بخلاف قرابة الأب.
الحكم الثالث: أن ذكرهم يدلي بأنثى ويرث؛ بخلاف غيرهم؛ في أنه إذا أدلى بأنثى لا
يرث؛ كابن البنت
الحكم الرابع: أنهم يحجبون من أدلوا به نقصانا؛ أي: أن الأم التي أدلوا بها تحجب
بهم من الثلث إلى السدس؛ بخلاف غيرهم؛ فإن المدلى به يحجب المدلي.
الحكم الخامس: أنهم يرثون مع من أدلوا به، فإنهم يرثون مع الأم التي أدلوا بها،
وغيرهم لا يرث مع من أدلى به، كابن الابن، فإنه لا يرث مع الابن وهذا تشاركهم فيه
الجدة أم الأب وأم الجد؛ فإنها تدلي بابنها وترث معه والتحقيق أن الواسطة لا تحجب
من أدلى بها، إلا إذا كان يخلفها بأخذ نصيبها، أما إذا كان لا يأخذ نصيبها؛ فإنها
لا تحجبه؛ كما هو الشأن في الأخوة لأم؛ فإنهم لا يأخذون نصيب الأم عند عدمها،
والجدة أم الأب وأم الجد لا تأخذان نصيبها وإنما يرثان بالأمومة خلفا عن الأم،
والله أعلم.