صفحة جديدة 31
باب في ميراث الأمهات
* للأم ثلاث حالات:
الحالة الأولى: ترث فيها السدس، وذلك مع وجود الفرع الوارث من أولاد الميت أو
أولاد بنيه، أو مع وجود اثنين فأكثر من الإخوة؛ لقوله تعالى:
﴿وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾
إلى قوله تعالى: ﴿فَإِنْ
كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾
الحالة الثانية: ترث فيها الثلث، وذلك مع عدم الفرع الوارث من الأولاد وأولاد
البنين، وعدم الجمع من الإخوة والأخوات؛ لقوله تعالى:
﴿فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ
لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾
الحالة الثالثة: ترث فيها ثلث الباقي إذا اجتمع زوج وأب وأم أو زوجة وأب وأم، وتسمى
هاتان المسألتان بالعمريتين؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى فيهما أن للأم ثلث
الباقي بعد الموجود من الزوجين
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله: وقوله أصوب، لأن الله إنما أعطى الأم الثلث إذا ورثه أبواه؛ يعني: في قوله
تعالى:
﴿فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾
والباقي بعد فرض الزوجين هو ميراث الأبوين يقتسمانه كما اقتسما الأصل وكما لو كان
على الميت دين أو وصية فإنهما يقتسمان ما بقي أثلاثا انتهى.
باب في ميراث الجدة
·
المراد بالجدة هنا الجدة الصحيحة، وهي كل جدة أدلت بمحض الإناث؛ كأم الأم وأمهاتها
المدليات بإناث خلص؛ وكأم الأب وكل جدة أدلت بمحض الذكور؛ كأم أبي الأب وأم أبي أبي
الأب، أو أدلت بإناث إلى ذكور، كأم أم الأب وأم أم أم أبي الأب، أما الجدة المدلية
بذكور إلى إناث كأم أبي الأم وأم أبي أم الأب؛ فهذه لا ترث؛ لأنها من ذوي الأرحام.
·
فضابط الجدة الوارثة هي من أدلت بإناث خلص أو بذكور خلص أو بإناث إلى ذكور، وضابط
الجدة غير الوارثة هي: من أدلت بذكور إلى إناث، وبعبارة أخرى: من أدلت بذكر بين
أنثيين هي إحداهما.
·
ودليل توريث الجدة السنة والإجماع:
- فأما السنة؛ فمنها حديث قبيصة بن ذؤيب؛ قال: جاءت الجدة
إلى أبي بكر، فسألته ميراثها، فقال: «ما لك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم شيئا، فارجعي حتى أسأل الناس. فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس. فقال: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة
فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة، فأنفذه لها أبو بكر» قال: ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر، فسألته ميراثها، فقال:
«ما لك في كتاب الله شيء، ولكن هو ذاك السدس، فإن اجتمعتما؛ فهو بينكما، وأيكما خلت
فهو لها» رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي.
وعن بريدة: أن النبي صلى الله
عليه وسلم «جعل
للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم» رواه أبو داود وصححه ابن السكن وابن خزيمة وابن الجارود فهذان
الحديثان يفيدان استحقاق الجدة السدس، وهي - كما قال الصديق وعمر رضي الله عنهما -
ليس لها في كتاب الله شيء؛ لأن الأم المذكورة في كتاب الله مقيدة بقيود توجب اختصاص
الحكم بالأم الدنيا، فالجدة وإن سميت أما؛ لم تدخل في لفظ الأم المذكورة في
الفرائض، وإن دخلت في لفظ الأمهات في قوله تعالى:
﴿حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ ولكن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس؛ فثبت ميراثها إذا بالسنة.
وكذا ثبت ميراثها بإجماع
العلماء؛ فلا خلاف بين أهل العلم في توريث أم الأم وأم الأب، واختلفوا فيما عداهما؛
فورث ابن عباس وجماعة من العلماء الجدات وإن كثرن إذا كن في درجة واحدة؛ إلا من
أدلت بأب غير وارث؛ كأم أبي الأم، وورث بعضهم ثلاث جدات فقط هن أم الأم وأم الأب
وأم الجد أبي الأب
* ويشترط لتوريث الجدة عدم وجود
الأم؛ لأن الجدة تدلي بها، ومن أدلى بواسطة؛ حجبته تلك الواسطة، إلا ما استثني،
وهذا بإجماع أهل العلم أن الأم تحجب الجدة من جميع الجهات.
كيفية توريث الجدات:
* إذا انفردت واحدة من الجدات،
ولم يكن دونها أم؛ أخذت السدس كما سبق، ليس لها أكثر منه، والقول بأن لها الثلث عند
عدم الولد وعدم الجمع من الإخوة كالأم في ذلك قول شاذ لا يعول عليه.
*
وإذا وجد جمع من الجدات: فإن تساوين في الدرجة؛ فإنهن يشتركن في السدس؛ لأن الصحابة شركوا
بينهن؛ ولأنهن ذوات عدد، لا يشاركهن ذكر، فاستوى كثيرهن وواحدتهن كالزوجات، ولعدم
المرجح لإحداهن.
ومن قربت منهن إلى الميت؛
فالسدس لها وحدها، سواء كانت من جهة الأم أو من جهة الأب، وتسقط البعدى؛ لأنهن
أمهات يرثن ميراثا واحدا، فإذا اجتمعن مع اختلاف الدرجة، فالميراث لأقربهن.
* وترث الجدة أم الأب مع وجود
الأب، وترث الجدة أم الجد مع وجود الجد، ولا تسقط بمن أدلت في هذه الحالة؛ على خلاف
القاعدة: أن من أدلى بواسطة؛ حجبته تلك الواسطة؛ لما روى ابن مسعود رضي الله عنه
أنه قال في الجدة مع ابنها: «إنها أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسا مع ابنها
وابنها حي» رواه الترمذي، والعلة في ذلك أنها لا ترث
ميراث من أدلت به حتى تسقط به إذا وجد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله: وقول من قال: من أدلى بشخص؛ سقط به: باطل طردا وعكسا، باطل طردا بولد الأم
مع الأم، وعكسا بولد الابن مع عمهم وولد الأخ مع عمهم وأمثال ذلك مما فيه سقوط شخص
بشخص لم يدل به، وإنما العلة أنها ترث ميراثه، فكل من ورث ميراث شخص؛ سقط به إذا
كان أقرب منه، والجدات يقمن مقام الأم فيسقطن بها، وإن لم يدلين بها، والله أعلم .