صفحة جديدة 9
باب في أحكام الوكالة
* الوكالة - بفتح الواو وكسرها -: التفويض، تقول: وكلت أمري إلى الله؛ أي:
فوضته إليه، واصطلاحا: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.
* وهي جائزة بالكتاب والسنة
والإجماع.
- قال تعالى:
﴿فَابْعَثُوا
أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾..
وقال تعالى:﴿قَالَ
اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ﴾
وقال تعالى:﴿وَالْعَامِلِينَ
عَلَيْهَا﴾.
- «ووكل صلى الله عليه وسلم عروة بن الجعد في شراء الشاة», وأبا رافع في تزوجه صلى الله عليه وسلم ميمونة، وكان يبعث عماله
لقبض الزكاة.
- وذكر الموفق وغيره إجماع
الأمة على جواز الوكالة في الجملة، والحاجة داعية إليها، إذ لا يمكن كل أحد فعل ما
يحتاج إليه بنفسه.
* ما تنعقد به الوكالة تنعقد
الوكالة بكل قول يدل على الإذن؛ ك: افعل كذا، أو: أذنت لك في فعل كذا... ويصح
القبول على الفور وعلى التراخي بكل قول أو فعل يدل على القبول؛ لأن قبول وكلائه
عليه الصلاة والسلام كان متراخيا عن توكيله إياهم.
وتصح الوكالة مؤقتة ومعلقة بشرط؛ كأن يقول: أنت وكيلي شهرا، وكقوله: إذا تمت إجارة
داري؛ فبعها. ويعتبر تعيين الوكيل؛ فلا تنعقد بقوله: وكلت أحد هذين، أو بتوكيل من
لا يعرفه.
* ما يصح التوكيل فيه يصح
التوكيل في كل ما تدخله النيابة من حقوق الآدميين من العقود والفسوخ؛ فالعقود مثل
البيع والشراء والإجارة والقرض والمضاربة، والفسوخ كالطلاق والخلع والعتق والإقالة،
وتصح الوكالة في كل ما تدخله النيابة من حقوق الله من العبادات؛ كتفريق الصدقة،
وإخراج الزكاة، والنذر، والكفارة، والحج، والعمرة؛ لورود الأدلة بذلك. وأما ما لا
تدخله النيابة من حقوق الله تعالى، فلا يصح التوكيل فيه، وهو العبادات البدنية؛
كالصلاة والصوم والطهارة من الحدث؛ لأن ذلك يتعلق ببدن من هو عليه.
* وتصح الوكالة في إثبات الحدود
واستيفائها، لقوله صلى الله عليه وسلم:
«واغد
يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت، فارجمها» متفق عليه.
* وليس للوكيل أن يوكل فيما
وُكِّل فيه، إلا في مسائل، وهي:
الأولى: إذا أجاز له الموكل ذلك؛ بأن يقول: وكِّل إذا شئت، أو يقول: اصنع
ما شئت.
الثانية: إذا كان العمل الموكَّل فيه لا يتولاه مثله؛ لكونه من أشراف الناس
المترفعين عن مثل ذلك العمل.
الثالثة: إذا عجز عن العمل الذي وكل فيه.
الرابعة: إذا كان لا يحسن العمل الذي وكل فيه. وفي هذه الأحوال لا يجوز له
أن يوكل إلا أمينا؛ لأنه لم يؤذن له في توكيل من ليس بأمين.
* والوكالة عقد جائز من
الطرفين، لأنها من جهة الموكل إذن، ومن جهة الوكيل بذل نفع، وكلاهما غير لازم، فلكل
واحد منهما فسخها في أي وقت شاء.
* مبطلات الوكالة تبطل الوكالة
بفسخ أحدهما أو موته أو جنونه المطبق؛ لأن الوكالة تعتمد الحياة والعقل، فإذا
انتفيا؛ انتفت صحتها، وتبطل بعزل الموكل للوكيل، وتبطل بالحجر على السفيه وكيلا كان
أو موكلا؛ لزوال أهلية التصرف.
* ما يجوز فيه التوكيل والتوكل:
ومن له التصرف في شيء؛ فله التوكيل والتوكل فيه، ومن لا يصح تصرفه بنفسه؛ فنائبه
أولى. ومن وكل في بيع أو شراء؛ لم يبع ولم يشتر من نفسه، لأن العرف في البيع بيع
الرجل من غيره، ولأنه تلحقه تهمة، وكذا لا يصح بيعه وشراؤه من ولده ووالده وزوجته
وسائر من لا تقبل شهادته له، لأنه متهم في حقهم كتهمته في حق نفسه.
* ما يتعلق بالموكل وما يتعلق
بالوكيل من التصرفات يتعلق بالموكل حقوق العقد من تسليم الثمن وقبض المبيع والرد
بالعيب وضمان الدرك، والوكيل في البيع يسلم المبيع ولا يستلم الثمن بغير إذن الموكل
أو قرينة تدل على الإذن؛ كما لو باعه في محل يضيع فيه الثمن لو لم يقبضه، والوكيل
في الشراء يسلم الثمن؛ لأنه من تتمته وحقوقه، والوكيل في الخصومة لا يقبض، والوكيل
في القبض يخاصم، لأنه لا يتوصل إليه إلا بها.
* ما يلزم الوكيل ضمانه وما لا
يلزمه:
الوكيل أمين لا يضمن ما تلف
بيده من غير تفريط ولا تعد، فإن فرط أو تعدى أو طلب منه المال فامتنع من دفعه لغير
عذر، ضمن. ويقبل قول الوكيل فيما وكل فيه من بيع وإجارة أنه قبض الثمن والأجرة
وتلفا بيده، ويقبل قوله في قدر الثمن والأجرة، والله أعلم.