صفحة جديدة 6
رابعا: استقبال القبلة
ومن شروط الصلاة استقبال القبلة
وهي الكعبة المشرفة، سميت قبلة لإقبال الناس عليها، ولأن المصلي يقابلها، قال
تعالى:
﴿فَوَلِّ
وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾
فإن قرب من الكعبة، وكان يراها؛ وجب عليه استقبال نفس الكعبة بجميع بدنه؛ لأنه قادر
على التوجه إلى عينها قطعا، فلم يجز له العدول عنها، ومن كان قريبا منها، لكن لا
يراها؛ لوجود حائل بينه وبينها؛ اجتهد في إصابتها، والتوجه إليها ما أمكنه، ومن كان
بعيدا عن الكعبة في أي وجهة من جهات الأرض؛ فإنه يستقبل في صلاته الجهة التي فيها
الكعبة، ولا يضر التيامن ولا التياسر اليسيران، لحديث: «ما
بين المشرق والمغرب قبلة» صححه الترمذي، وروي عن
غير واحد من الصحابة، وهذا بالنسبة لأهل المدينة وما وافق قبلتها مما سامتها،
ولسائر البلدان مثل ذلك؛ فالذي في المشرق مثلا تكون قبلته بين الجنوب والشمال والذي
في المغرب كذلك.
فلا تصح الصلاة بدون استقبال
القبلة، لقوله تعالى:
﴿وَحَيْثُمَا
كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ أي: في بر أو جو أو بحر أو مشرق أو مغرب؛ إلا العاجز عن استقبال
الكعبة: كالمربوط أو المصلوب لغير القبلة إذا كان موثقا لا يقدر عليه؛ فإنه يصلي
حسب استطاعته، ولو لم يستقبل القبلة؛ لأن هذا الشرط يسقط عنه للعجز بإجماع أهل
العلم، وكذا في حال اشتداد الحرب، والهارب من سيل أو نار أو سبع أو عدو، والمريض
الذي لا يستطيع استقبال القبلة؛ فكل هؤلاء يصلون على حسب حالهم، ولو إلى غير
القبلة، وتصح صلاتهم؛ لأنه شرط عجز عنه؛ فسقط..
قال تعالى:﴿فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾..
وقال النبي صلى الله عليه
وسلم:«وإذا
أمرتكم بأمر؛ فأتوا منه ما استطعتم» وورد في الحديث المتفق عليه؛
أنهم عند اشتداد الخوف يصلون مستقبلي القبلة وغير مستقبليها.
ويستدل على القبلة بأشياء
كثيرة؛ منها:
الإخبار، فإذا أخبره بالقبلة مكلف ثقة عدل؛ عمل بخبره، إذا كان المخبر
متيقنا القبلة.
وكذا
إذا وجد محاريب إسلامية؛ عمل بها، واستدل بها على
القبلة؛ لأن دوام التوجه إلى جهة تلك المحاريب يدل على صحة اتجاهها.
وكذلك
يستدل على القبلة بالنجوم، قال الله تعالى:
﴿وَبِالنَّجْمِ
هُمْ يَهْتَدُونَ﴾
خامسا: النية
ومن شروط الصلاة النية.
وهي
لغة: القصد.
وشرعا: العزم على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى.
ومحلها القلب؛ فلا يحتاج إلى التلفظ بها، بل هو بدعة، لم يفعله رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه؛ فينوي بقلبه الصلاة التي يريدها، كالظهر والعصر؛
لحديث: «إنما
الأعمال بالنيات» وينوي مع تكبيرة الإحرام،
لتكون النية مقارنة للعبادة، وإن تقدمت بزمن يسير في الوقت؛ فلا بأس.
ويشترط أن تستمر النية في جميع
الصلاة، فإن قطعها في أثناء الصلاة؛ بطلت الصلاة.
ويجوز لمن أحرم في صلاة فريضة
وهو مأموم أو منفرد أن يقلب صلاته نافلة إذا كان ذلك لغرض صحيح؛ مثل أن يحرم
منفردا، فيريد الصلاة مع الجماعة.
واعلم أن بعض الناس قد أحدثوا
في النية بدعة وتشددا ما أنزل الله بهما من سلطان، وذلك بأن يقول أحدهم: نويت أن
أصلي فرض كذا عدد كذا من الركعات أداء لله خلف هذا الإمام... ونحو ذلك من الألفاظ،
وهذا شيء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينقل عنه أنه تلفظ بالنية لا
سرا ولا جهرا، ولا أمر بذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله: "اتفق الأئمة أنه لا يشرع الجهر بها ولا
تكريرها، بل من اعتاده ينبغي تأديبه، والجاهر بها مستحق للتعزير بعد تعريفه، لا
سيما إذا آذى به أو كرره..." إلى أن قال: "وبعض المتأخرين خرج وجها من مذهب الشافعي
في ذلك، وغلطه جماهير أصحاب الشافعي، قال الشافعي: إن الصلاة لا بد من النطق في
أولها، فظن الغالط أنه أراد النطق بالنية، وإنما أراد التكبير" ا هـ كلام الشيخ.
والتلفظ بالنية كما أنه بدعة، فقد يدخل في الرياء أيضا؛ لأن المطلوب إخلاص العمل لله وإخفاؤه؛
إلا ما ورد دليل بإظهاره؛ فالذي ينبغي للمسلم أن يكون وقافا عند حدود الشريعة،
عاملا بالسنن، تاركا للبدع، مهما كان نوعها، وممن كان مصدرها... وفق الله الجميع
لما يحبه ويرضاه، والله تعالى يقول:
﴿قُلْ
أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فالله أعلم بنيات
القلوب ومقاصدها؛ فلا حاجة إلى التلفظ بها في الصلاة وفي جميع العبادات، والله
تعالى أعلم.
باب في آداب المشي إلى الصلاة
أيها المسلم!
إنك بحاجة ماسة إلى معرفة
الآداب المشروعة التي تسبق الصلاة؛ استعدادا لها؛ لأن الصلاة عبادة عظيمة ينبغي أن
يسبقها استعداد وتهيؤ مناسب؛ ليدخل المسلم في هذه العبادة على أحسن الهيئات: فإذا
مشيت إلى المسجد لتؤدي الصلاة مع جماعة المسلمين؛ فليكن ذلك بسكينة ووقار..
والسكينة: هي الطمأنينة والتأني في المشي.
والوقار: الرزانة والحلم وغض البصر وخفض الصوت وقلة الالتفات.
وقد ورد في "الصحيحين" عن النبي
صلى الله عليه وسلم؛ قال:
«إذا
أتيتم الصلاة (وفي لفظ: إذا سمعتم الإقامة)؛ فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم؛
فصلوا، وما فاتكم؛ فأتموا»..
وروى الإمام مسلم؛ قال: «إن
أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة؛ فهو في صلاة»..
وليكن
خروجك أيها المسلم إلى المسجد مبكرا؛
لتدرك تكبيرة الإحرام، وتحضر الصلاة مع الجماعة من أولها..
وقارب بين خطاك في مشيك إلى
الصلاة؛ لتكثر حسناتك؛ ففي "الصحيحين" عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه
قال: «إذا
توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لم يخط خطوة؛ إلا رفعت له بها درجة،
وحطت عنه بها خطيئة»..
فإذا وصلت باب المسجد؛ فقدم رجلك اليمنى عند الدخول، وقل: بسم الله، أعوذ بالله العظيم
وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم صل على محمد، اللهم اغفر لي
ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك.
وإذا أردت الخروج؛ قدم رجلك اليسرى، وقل الدعاء الذي قلته عند الدخول، وتقول بدل:
"وافتح لي أبواب رحمتك": "وافتح لي أبواب فضلك"، وذلك لأن المسجد محل الرحلة، وخارج
المسجد محل الرزق، وهو فضل من الله.
فإذا دخلت المسجد؛ فلا تجلس حتى تصلي ركعتين تحية المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا
دخل المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين».
ثم تجلس تنتظر الصلاة، ولتكن
حال جلوسك في المسجد لانتظار الصلاة مشتغلا بذكر الله وتلاوة القرآن، وتجنب العبث؛
كتشبيك الأصابع وغيره؛ فقد ورد النهي عنه في حق منتظر الصلاة، قال صلى الله عليه
وسلم: «إذا
كان أحدكم في المسجد؛ فلا يشبكن؛ فإن التشبيك من الشيطان» أما من كان في المسجد لغير انتظار الصلاة؛ فلا يمنع من تشبيك
الأصابع، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم شبك أصابعه في المسجد بعد ما سلم من
الصلاة.
وفي حال انتظارك الصلاة في
المسجد؛ لا تخض في أحاديث الدنيا؛ لأنه ورد في الحديث أن ذلك يأكل الحسنات كما تأكل
النار الحطب، وقد ورد في الحديث الأخر أن العبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة،
والملائكة تستغفر له؛ فلا تفرط أيها المسلم في هذا الثواب وتضيعه بالعبث والاشتغال
بالقيل والقال.
وإذا أقيمت الصلاة؛ فقم إليها
عند قول المؤذن: "قد قامت الصلاة"، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، وإن
قمت عند بدء الإقامة؛ فلا بأس بذلك، هذا إذا كان المأموم يرى الإمام، فإن كان لا
يراه حال الإقامة؛ فالأفضل أن لا يقوم حتى يراه.
أيها المسلم!
احرص أن تكون في الصف الأول؛
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«لو
يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لا يجدون إلا أن يستهموا عليه؛ لاستهموا» متفق عليه..
وقال صلى الله عليه وسلم: «خير
صفوف الرجال أولها» واحرص على -88- القرب من
الإمام؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:
«ليلني
منكم أولو الأحلام والنهى» هذا بالنسبة للرجل، وأما بالنسبة للمرأة، فالصف الأخير من صفوف
النساء أفضل لها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
«وخير
صفوف النساء آخرها» لأن ذلك أبعد لها عن رؤية الرجال.
ويتأكد في حق الإمام والمصلين
الاهتمام بتسوية الصفوف، قال صلى الله عليه وسلم:
«سووا
صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة» متفق عليه، وفي الحديث الآخر: «لتسوون
صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم»
وتسوية الصفوف هي تعديلها بمحاذاة المناكب والأكعب.
ويتأكد في حق المصلين سد الفرج
والتراص في الصفوف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
«سووا
صفوفكم وتراصوا»
رواه البخاري، ومعناه: لاصقوا الصفوف حتى لا يكون بينكم فرج، فالمراصة: التصاق بعض
المأمومين ببعض؛ ليتصل ما بينهم، وينسد الخلل؛ فلا تبقى فرجات للشيطان.
وقد كان النبي صلى الله عليه
وسلم يهتم بتسوية الصفوف بتراص المأمومين فيها اهتماما بالغا، مما يدل على أهمية
ذلك وفائدته، وليس معنى رص الصفوف ما يفعله بعض الجهال اليوم من فحج رجليه حتى
يضايق من بجانبه؛ لأن هذا العمل يوجد فرجا في الصفوف، ويؤذي المصلين، ولا أصل له في
الشرع؛ فينبغي للمسلمين الاهتمام بذلك، والحرص عليه، اقتداء بنبيهم، وإتماما
لصلاتهم، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.