صفحة جديدة 5
ثانيا: ستر العورة
ومن شروط الصلاة ستر العورة وهي
ما يجب تغطيته، ويقبح ظهوره، ويستحيى منه، قال الله تعالى:
﴿يَا
بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾
أي: عند كل صلاة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«لا
يقبل الله صلاة حائض (أي: بالغ)؛ إلا بخمار»
رواه أبو داود والترمذي وحسنه.
قال ابن عبد البر: "أجمعوا على
فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا؛ فلا خلاف في وجوب ستر
العورة في الصلاة وبحضرة الناس" وفي الخلوة على الصحيح، قال النبي صلى الله عليه
وسلم: «احفظ
عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «فإن
استطعت أن لا يراها أحد؛ فلا يرينها»
قال: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: «الله
أحق أن يستحى منه»
رواه أبو داود وغيره.
وقد سمى الله كشف العورة فاحشة
في قوله عن الكفار:
﴿وَإِذَا
فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا
بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ وكانوا يطوفون بالبيت
عراة، ويزعمون أن ذلك من الدين؛ فكشف العورة والنظر إليها يجر إلى شر خطير، ووسيلة
إلى الوقوع في الفاحشة وهدم الأخلاق؛ كما هو مشاهد في المجتمعات المتحللة التي ضاعت
كرامتها وهدمت أخلاقياتها؛ فانتشرت فيها الرذيلة، وعدمت فيها الفضيلة.
فستر العورة إبقاء على الفضيلة
والأخلاق، ولهذا يحرص الشيطان على إغراء بني آدم
بكشف عوراتهم، وقد حذرنا الله منه في قوله:
﴿يَا
بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ
الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا﴾ فكشف العورات مكيدة شيطانية قد وقع فيها كثير من المجتمعات البشرية
اليوم، وربما يسمون ذلك رقيا وتفننا؛ فتكونت نوادي العراة، وتفشى السفور في النساء،
فعرضت أجسادها أمام الرجال؛ بلا حياء ولا خجل.
أيها المسلم!
إنه يجب ستر العورة بما لا يصف
بشرتها..
قال تعالى:
﴿يَا
بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾
فمواراة العورة باللباس الساتر أمر مطلوب وواجب، وحد عورة الرجل الذكر من السرة إلى
الركبة؛ لحديث علي رضي الله عنه:
«لا
تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت» رواه أبو داود وابن ماجه..
وفي الحديث الآخر: «غط
فخذك؛ فإن الفخذ عورة»
رواه مالك وأحمد والترمذي وحسنه، ومع هذا كله؛ نرى مع الأسف الشديد كثيرا من الرجال
عندما يزاولون الألعاب يكشفون أفخاذهم ولا يغطون إلا العورة المغلظة، وهذه مخالفة
صريحة لهذه النصوص؛ فالواجب عليهم التنبه لذلك، والتقيد بأحكام دينهم، وعدم
الالتفات لما يخالفها.
والمرأة كلها عورة؛
لقوله صلى الله عليه وسلم: «والمرأة
عورة»
صححه الترمذي..
ولحديث أم سلمة: أتصلي المرأة
في درع وخمار وليست عليها إزار؟ قال: «إذا
كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها» رواه أبو داود.
ولأبي داود والترمذي وابن ماجه
من حديث عائشة: «لا
يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار»..
قال الترمذي: والعمل عليه عند
أهل العلم؛ أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من عورتها مكشوف؛ لا تجوز صلاتها. هذه
الأحاديث..
مع قوله تعالى:
﴿وَلَا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ
عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ الآية،
وقوله:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ
يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾،
وقوله تعالى:
﴿وَإِذَا
سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ
لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾..
وقول عائشة:
«كنا
مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا مر بنا الرجال؛ سدلت إحدانا خمارها على
وجهها، فإذا جاوزونا: كشفناه»
هذه النصوص وما جاء بمعناها من الكتاب والسنة، وهي كثيرة شهيرة، تدل على أن المرأة
كلها عورة أمام الرجال الأجانب، لا يجوز أن يظهر من بدنها شيء بحضرتهم في الصلاة
وغيرها، أما إذا صلت في مكان خال من الرجال الأجانب؛ فإنها تكشف وجهها في الصلاة؛
فهو ليس بعورة في الصلاة، لكنه عورة عند الرجال غير المحارم؛ فلا يجوز نظرهم إليه.
وإنه لمن المؤسف المحزن ما وصل
إليه كثير من نساء العصر المسلمات من تهتك وتساهل في الستر، وتسابق إلى إبراز
مفاتنهن، واتخاذ اللباس الذي لا يستر؛ تقليدا لنساء الكفرة والمرتدين؛ فلا حول ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن الله تعالى قد أمر بقدر زائد
على ستر العورة في الصلاة، وهو أخذ الزينة؛ فقال تعالى:
﴿يَا
بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ فأمر بأخذ الزينة لا بستر العورة فقط، مما يدل على أن المسلم ينبغي
له أن يلبس أحسن ثيابه وأجملها في الصلاة للوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى، فيكون
المصلي في هذا الموقف على أكمل هيئة ظاهرا وباطنا...
ثالثا: اجتناب النجاسة
ومما يشترط للصلاة اجتناب
النجاسة؛ بأن يبتعد عنها المصلي، ويخلو منها تماما في بدنه وثوبه وبقعته التي يقف
عليها للصلاة.
والنجاسة قذر مخصوص يمنع جنسه
الصلاة؛ كالميتة، والدم، والخمر، والبول، والغائط: لقوله تعالى:
﴿
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ قال ابن سيرين: "اغسلها
بالماء"، وقال صلى الله عليه وسلم:
«تنزهوا
من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه»
وأمر صلى الله عليه وسلم المرأة أن تغسل ثوبها إذا أصابه دم الحيض وتصلي فيه، وأمر
بدلك النعلين ثم الصلاة فيهما، وأمر بصب الماء على البول الذي حصل في المسجد...
وغير ذلك من الأدلة الدالة على
اجتناب النجاسة؛ فلا تصح صلاة مع وجود النجاسة في بدن المصلي أو ثوبه أو البقعة
التي يصلي عليها، وكذلك إذا كان حاملا لشيء فيه نجاسة.
ومن رأى عليه نجاسة بعد الصلاة
ولا يدري متى حدثت؛ فصلاته صحيحة، وكذا لو كان عالما بها قبل الصلاة، لكن نسي أن
يزيلها؛ فصلاته صحيحة على القول الراجح.
وإن علم بالنجاسة في أثناء
الصلاة وأمكنه إزالتها من غير عمل كثير؛ كخلع النعل والعمامة ونحوهما؛ أزالهما
وبنى، وإن لم يتمكن من إزالتها؛ بطلت الصلاة.
ولا تصح الصلاة في المقبرة غير
صلاة الجنازة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
«الأرض
كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» رواه الخمسة إلا النسـائي، وصححه الترمذي..
وقال صلى الله عليه وسلم:«لا
تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» رواه الجماعة إلا البخاري..
وقال عليه الصلاة والسلام: «فلا
تتخذوا القبور مساجد» وليس العلة في النهي عن الصلاة
في المقابر أو عندها خشية النجاسة، وإنما هي خشية تعظيمها واتخاذها أوثانا؛ فالعلة
سد الذريعة عن عبادة المقبورين، وتستثنى صلاة الجنازة؛ فيجوز فعلها في المقبرة؛
لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك يخصص النهي، وكل ما دخل في اسم المقبرة مما
حول القبور لا يصلى فيه؛ لأن النهي يشمل المقبرة وفنائها الذي حولها.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في
المسجد المبني على القبر: لا يصلى فيه فرض ولا نفل، فإن كان المسجد قبل القبر؛ غير:
إما بتسوية القبر، أو نبشه إن كان جديدا، وإن كان القبر قبل المسجد؛ فإما أن يزال
المسجد، وإما أن تزال صورة القبر.
ولا تصح الصلاة في المسجد الذي قبلته إلى قبر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا
تصلوا إلى القبور» ولا تصح الصلاة في الحشوش، وهي
المراحيض المعدة لقضاء الحاجة؛ فيمنع من الصلاة في داخل الحش؛ لكونه معدا للنجاسة،
ولأن الشارع منع من ذكر الله فيه؛ فالصلاة أولى بالمنع، ولأن الحشوش تحضرها
الشياطين.
ولا تصح الصلاة في الحمام، وهو المحل المعد للاغتسال؛ لأنه محل كشف العورات، ومأوى
الشياطين، والمنع يشمل كل ما يغلق عليه باب الحمام؛ فلا تجوز الصلاة فيه.
ولا تصح الصلاة في أعطان الإبل، وهي المواطن التي تقيم فيها وتأوي إليها. قال الشيخ
تقي الدين: "نهي عن الصلاة في أعطانها؛ لأنها مأوى الشياطين، وكما نهي عن الصلاة في
الحمام؛ لأنه مأوى الشياطين؛ فإن مأوى الأرواح الخبيثة أحق بأن تجتنب الصلاة فيه".
وتكره الصلاة في مكان فيه تصاوير قال الإمام ابن القيم: "وهو أحق بالكراهة من
الصلاة في الحمام؛ لأن كراهة الصلاة في الحمام: إما لكونه مظنة النجاسة، وإما لكونه
بيت الشيطان، وهو الصحيح، وأما محل الصور؛ فمظنـة الشرك، وغالب شرك الأمم كان من
جهـة الصور والقبور" ا هـ.
أيها المسلم!
عليك بالعناية بصلاتك؛ فتطهر من
النجاسة قبل دخولك فيها، وتجنب المواضع المنهي عن الصلاة فيها؛ لتكون صلاتك صحيحة
على وفق ما شرعه الله، ولا تتهاون بشيء من أحكامها أو تتساهل فيه؛ فإن صلاتك عمود
دينك، متى استقامت؛ استقام الدين، ومتى اختلت؛ اختل الدين... وفقنا الله جميعا لما
فيه الخير والاستقامة.