HTML Editor - Full Version
شرح كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ صالح الفوزان - شرح فضيلة الشيخ د.وليد بن إدريس المنيسي من مذهب أهل السنة والجماعة فيما حدث بين الصحابة من القتال والفتنة إلى الفصل السادس في النهي عن سب الصحابة وأئمة الهدى
2 ـ مذهب أهل السنة والجماعة فيما حدث بين الصحابة من القتال والفتنة
سبب الفتنة
تآمَرَ اليهودُ على الإسلام وأهله، فدسوا ماكرُا خبيثًا تظاهر بالإسلام كذبًا وزورًا هو: عبد الله بن سبأ، من يهود اليمن، فأخذ هذا اليهودي ينفث حقده وسمومه ضد الخليفة الثالث من الخلفاء الراشدين: عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأرضاه - ويختلق التهم ضده، فالتف حوله من انخدع به من قاصري النظر وضعاف الإيمان ومحبي الفتنة، وانتهت المؤامرة بقتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه مظلومًا، وعلى أثر مقتله حصل الاختلاف بين المسلمين، وشبَّت الفتنةُ بتحريضٍ من هذا اليهودي وأتباعه، وحصل القتال بين الصحابة عن اجتهادٍ منهم.
قال شارح الطحاوية: (إن أصل الرفض إنما أحدثه منافق زنديق، قصدُهُ إبطال دين الإسلام، والقدح في الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك العلماء، فإن عبد الله بن سبأ؛ لما أظهر الإسلام، أراد أن يُفسد دين الإسلام بمكره وخبثه - كما فعل بولس بدين النصرانية - فأظهر التنسك، ثم أظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى سعى في فتنة عثمان وقتله، ثم لما قَدِمَ على الكوفة أظهر الغُلوَّ في علي، والنصر له؛ ليتمكن بذلك من أغراضه، وبلغ ذلك عليًّا فطلب قتله؛ فهرب منه إلى قرقيس، وخبره معروف في التاريخ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فلما قُتل عثمان رضي الله عنه الله عنه، تفرقت القلوب وعظُمَت الكروب، وظهرت الأشرار وذَلَّ الأخيار، وسعى في الفتنة من كان عاجزًا عنها، وعجز عن الخير والصلاح من كان يحب إقامته، فبايعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو أحق الناس بالخلافة حينئذ، وأفضل من بقي، لكن كانت القلوب متفرقة، ونار الفتنة متوقدة، فلم تتفق الكلمة، ولم تنتظم الجماعة، ولم يتمكن الخليفة وخيار الأمة من كل ما يريدونه من الخير، ودخل في الفرقة والفتنة أقوام، وكان ما كان) .
وقال أيضًا مبيّنًا عذر المتقاتلين من الصحابة؛ في قتال علي ومعاوية: (ومعاوية لم يَدَّعِ الخلافة، ولم يُبايَع له بها حين قاتل عليًّا، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة، وكان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه، ولا كان معاوية وأصحابه يَرونَ أن يبتدئوا عليًّا وأصحابه بالقتال؛ بل لما رأى علي - رضي الله عنه - وأصحابه أنه يجب عليهم طاعته ومبايعته، إذ لا يكون للمسلمين إلا خليفة واحد، وأنهم خارجون عن طاعته؛ يمتنعون هذا الواجب، وهم أهل شوكة، رأى أن يُقاتلهم حتى يؤدوا هذا الواجب، فتحصل الطاعة والجماعة. وهم قالوا: إن ذلك لا يجب عليهم، وأنهم إذا قوتلوا على ذلك كانوا مظلومين، قالوا: لأن عثمان قُتِلَ مظلومًا باتفاق المسلمين، وقتلته في عسكر علي، وهم غالبون لهم شوكة، فإذا امتنعنا ظلمونا واعتدوا علينا، وعلي لا يمكنه دفعهم كما لم يمكنه الدفع عن عثمان، وإنما علينا أن نبايع خليفة يقدر على أن يُنصفنا ويبذل لنا الإنصاف.
ومذهب أهل السنة والجماعة في الاختلاف الذي حصلوالفتنة التي وقعت من جرائها الحروب بين الصحابة، يتلخص في أمرين:
الأمر الأول: أنهم يمسكون عن الكلام فيما حصل بين الصحابة
ويكفون عن البحث فيه؛ لأن طريق السلامة هو السكون عن مثل هذا، ويقولون: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر/10].
الأمر الثاني: الإجابة عن الآثار المروية في مساويهم
وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن هذه الآثار منها ما هو كذب؛ قد افتراه أعداؤهم ليشوهوا سمعتهم.
الوجه الثاني: أن هذه الآثار منها ما قد زيد ونقص فيه، وغُيِّرَ عن وجهه الصحيح، ودخله الكذب، فهو محرف لا يلتفت إليه.
الوجه الثالث: أن ما صح من هذه الآثار - وهو القليل - هم فيه معذورون؛ لأنهم إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، فهو من موارد الاجتهاد الذي إن أصاب المجتهد فيه فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، والخطأ مغفور؛ لما في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اجتهدَ الحاكمُ فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) [في الصحيحين من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما].
الوجه الرابع: أنهم بشر يجوز على أفرادهم الخطأ، فهم ليسوا معصومين من الذنوب بالنسبة للأفراد؛ لكن ما يقع منهم فله مكفرات عديدة منها:
1ـ أن يكون قد تاب منه، والتوبة تمحو السيئة مهما كانت، كما جاءت به الأدلة.
2ـ أن لهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما صدر منهم، إن صدر، قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ} [هود/114].
ولهم من الصُّحبة والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يغمر الخطأ الجزئي.
3ـ أنهم تُضاعفُ لهم الحسنات أكثر من غيرهم، ولا يساويهم أحد في الفضل، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون، وأن المُدَّ من أحدهم إذا تصدق به؛ أفضل من جبل أُحد ذهبًا إذا تصدق به غيرهم - رضي الله عنهم - وأرضاهم).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وسائر أهل السنة والجماعة وأئمة الدين لا يعتقدون عصمة أحد من الصحابة، ولا القرابة ولا السابقين ولا غيرهم، بل يجوز عندهم وقوع الذنوب منهم، والله تعالى يغفرُ لهم بالتوبة، ويرفع لها درجاتهم، ويغفر لهم بحسنات ماحية، أو بغير ذلك من الأسباب، قال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ 33 لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الزمر/32-35].
وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} [الأحقاف/15، 16] انتهى) .
وقد اتخذ أعداء الله ما وقع بين الصحابة وقت الفتنة من الاختلاف والاقتتال سببًا للوقيعة بهم، والنيل من كرامتهم، وقد جرى على هذا المخطط الخبيث بعض الكتّاب المعاصرين؛ الذين يهرفون بما لا يعرفون، فجعلوا أنفسهم حكمًا بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يصوّبون بعضَهم، ويخطئون بعضَهم، بلا دليل، بل بالجهل واتباع الهوى، وترديد ما يقوله المغرضون والحاقدون من المستشرقين وأذنابهم؛ حتى شككوا بعض ناشئة المسلمين - ممن ثقافتهم ضحلة - بتاريخ أمتهم المجيد، وسلفهم الصالح الذين هم خير القرون؛ لينفذوا بالتالي إلى الطعن في الإسلام، وتفريق كلمة المسلمين، وإلقاء البُغض في قلوب آخر هذه الأمة لأولها، بدلًا من الاقتداء بالسلف الصالح، والعمل بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر/10].
|