صفحة جديدة 2
لَا يَنْجُو غَداً إِلَّا مَنْ لَقِيَ اَللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ،
لَيْسَ فِيهِ سِوَاهُ.
قَالَ اَللَّهُ - تَعَالَى -:
﴿يَوْمَ
لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ﴾ [الشعراء:88]
﴿إِلَّا
مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾
[الشعراء:89]
اَلْقَلْبُ اَلسَّلِيمُ: هُوَ اَلطَّاهِرُ مِنْ أَدْنَاسِ اَلْمُخَالفَات, فَأَمَّا
اَلْمُتَلَطِّخُ بِشَيْءٍ مِنَ اَلْمَكْرُوهَاتِ فَلَا يَصْلُحُ لِمُجَاوَرَةِ
حَضْرَةِ اَلْقُدُسِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُطَهَّرَ فِي كِيرِ اَلْعَذَابِ، فَإِذَا
زَالَ مِنْهُ اَلْخَبَثُ صَلَحَ حِينَئِذٍ لِلْمُجَاوَرَةِ، إِنَّ اَللَّهَ طِيبٌ
لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّباً.
فَأَمَّا اَلْقُلُوبُ اَلطَّيِّبَةُ
فَتَصْلُحُ لِلْمُجَاوَرَةِ مِنْ أَوَّلِ اَلْأَمْرِ:
﴿سَلامٌ
عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾
[الرعد:24]
﴿سَلامٌ
عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾
[الزمر:73]
﴿الَّذِينَ
تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا
الْجَنَّةَ﴾ [النحل:32]
وَمَنْ لَمْ يُحْرِقْ اَلْيَوْمَ قَلْبَهُ
بِنَارٍ اَلْأَسَفِ عَلَى مَا سَلَفَ، أَوْ بِنَارِ اَلشَّوْقِ إِلَى لِقَاءِ
اَلْحَبِيبِ, فَنَارُ جَهَنَّمَ لَهُ أَشَدُّ حَرّاً.
مَا يَحْتَاجُ إِلى اَلتَّطَهُّرِ بِنَارِ
جَهَنَّمَ إِلَّا مَنْ لَمْ يُكْمِلْ تَحْقِيقِ اَلتَّوْحِيدِ وَالْقِيَامِ
بِحُقُوقِهِ
أَوَّلُ مَنْ تُسَعَّرُ بِهِ اَلنَّارُ
مِنَ اَلْمُوَحِّدِينَ اَلْعُبَّادِ اَلْمُرَاءُونَ بِأَعْمَالِهِمْ؛ وَأَوَّلُهُمْ
اَلْعَالِمُ, وَالْمُجَاهِدُ, وَالْمُتَصَدِّقُ لِلرِّيَاءِ؛ لِأَنَّ يَسِيرَ
الرِّيَاءِ شِرْكٌ.
مَا يَنْظُرُ الْمُرَائِي إِلَى اَلْخَلْقِ
فِي عَمَلِهِ إِلَّا لِجَهْلِهِ بِعَظَمَةِ اَلْخَالِقِ
الْمُرَائِي يُزَوِّرُ اَلتَّوَاقِيعَ عَلَى اسْمِ اَلْمَلِكِ; لِيَأْخُذَ
اَلْبَرَاطِيلَ لِنَفْسِهِ, وَيُوهِمَ أَنَّهُ مِنْ خَاصَّةِ اَلْمَلِكِ، وَهُوَ
مَا يَعْرِفُ اَلْمَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ.
نَقْشُ الْمُرَائِي عَلَى اَلدِّرْهَمِ
اَلزَّائِفِ اِسْمَ اَلْمَلِكِ لِيُرَوِّجَ، وَالْبَهْرَجُ مَا يَجُوزُ إِلَّا
عَلَى غَيْرِ اَلنَّاقِدِ.
وَبَعْدَ أَهْلِ اَلرِّيَاءِ يَدْخُلُ
اَلنَّارَ أَصْحَابُ اَلشَّهَوَاتِ، وَعَبِيدُ اَلْهَوَى، اَلَّذِينَ أَطَاعُوا
هَوَاهُمْ، وَعَصَوْا مَوْلَاهُمْ، فَأَمَّا عَبِيدُ اَللَّهِ حَقّاً، فَيُقَالُ
لَهُمْ:
﴿يَا
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾
[الفجر:27]
﴿ارْجِعِي
إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾
[الفجر:28]
﴿فَادْخُلِي
فِي عِبَادِي﴾ [الفجر:29]
﴿وَادْخُلِي
جَنَّتِي﴾ [الفجر:30]
نَارُ جَهَنَّمَ تَنْطَفِئُ بِنُورِ
إِيمَانِ اَلْمُوَحِّدِينَ.
فِي اَلْحَدِيثِ:
«تَقُولُ
اَلنَّارُ لِلْمُؤْمِنِ: جُزْ فَقَدْ أَطْفَأَ نُورُكَ لَهَبِي».
وَفِي اَلْمُسْنَدِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ
اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
«لَا
يَبْقَى مُؤْمِنٌ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَتَكُونُ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ
بَرْداً وَسَلَاماً، كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، حَتَّى إِنَّ لِلنَّارِ
ضَجِيجاً مِنْ بَرْدِهِمْ».
هَذَا مِيرَاثٌ وَرِثَهُ اَلْمُحِبُّونَ
مِنْ حَالِ اَلْخَلِيلِ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ.
نَارُ اَلْمَحَبَّةِ فِي قُلُوبِ
اَلْمُحِبِّينَ تَخَافُ مِنْهَا نَارُ جَهَنَّمَ.
قَالَ اَلْجُنَيْدُ: قَالَتْ اَلنَّارُ: يَا
رَبِّ لَوْ لَمْ أُطِعْكَ هَلْ كُنْتَ تُعَذِّبْنِي بِشَيْءٍ؟ قَالَ: نَعَمْ
كُنْتُ أُسَلِّطُ عَلَيْكَ نَارِي اَلْكُبْرَى.قَالَتْ: وَهَلْ هُنَاكَ نَارٌ
أَعْظَمُ مِنِّي وَأَشَدُّ؟ قَالَ: نَارُ مَحَبَّتِي أَسْكَنْتُهَا أَوْلِيَائِي
اَلْمُؤْمِنِينَ.
قِـفَـا قَـلِيلاً بِهَـا عَلَـيَّ فَــلَا
أَقَـلَّ مِــنْ نَظْــرَةٍ أُزَوِّدُهَــا
فَفِـي فُـؤَادِ اَلْمُحِـبِّ نَـارٌ جَـوًى
أَحَــرُّ نَــارِ اَلْجَحِـيمِ أَبْرَدُهَـا
لَـوْلَا دُمُـوعُ اَلْمُحِبِّينَ تطفئ بَعْـضَ
حَـرَارَةِ اَلْوَجْـدِ لَاحْتَرَقُـوا كَمَـدا
دَعُـوهُ يُطْفِـي بِـالدُّمُوعِ حَــرَارَةً
عَلَـى كَبِـدٍ حَـرَّى دَعُوهُ دَعُـوهُ!
سَـلُوا عَاذِلِيـهِ يَعْـذُرُوهُ هُنَيْهَــةً
فَبِالْعَذَلِ دُونَ اَلشَّـوْقِ قَـدْ قَتَلُـوهُ!
كَانَ بَعْضُ اَلْعَارِفِينَ، يَقُولُ:
أَلَيْسَ عَجَباً أَنْ أَكُونَ حَيّاً بَيْنَ أَظْهُرِكُمٍ، وَفِي قَلْبِي مِنْ
اَلِاشْتِيَاقِ إِلَى رَبِّي مِثْلَ شُعَلِ اَلنَّارِ اَلَّتِي لَا تَنْطَفِئُ؟
وَلَمْ أَرَ مِثْـلَ نَارِ اَلْحُـبِّ
نَاراً تَزِيـدُ بِبُعْــــدِ مُوقِدِهَــا اِتِّقَاداً
مَا لِلْعَارِفِينَ شُغْلٌ بِغَيْرِ
مَوْلَاهُمْ، وَلَا هَمَّ فِي غَيْرِهِ.
فِي اَلْحَدِيثِ:
«مَنْ
أَصْبَحَ وَهَمُّهُ غَيْرُ اَللَّهِ فَلَيْسَ مِنْ اَللَّهِ».
قَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ
وَلِيَّهُ لَهُ هَمٌّ فِي غَيْرِهِ فَلَا تُصَدِّقْهُ.
وَكَانَ دَاوُدُ اَلطَّائِيَّ يَقُولُ فِي
اَللَّيْلِ: هَمُّكَ عَطَّلَ عَلِيَّ اَلْهُمُومَ، وَحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ
اَلسُّهَادِ، وَشَوْقِي إِلَى اَلنَّظَرِ إِلَيْكَ أَوْبَقَ مِنِّي اَللَّذَّاتِ،
وَحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ اَلشَّهَوَاتِ، فَأَنَا فِي سِجْنِكَ أَيُّهَا
اَلْكَرِيمُ مَطْلُوبٌ.
مَا لِي شُغْلٌ سِوَاهُ مَا لِي شُغْلُ
مَا يَصْرِفُ عَنْ هَوَاهُ قَلْبِي عَذَلُ
مَا أَصْنَعُ إِنْ جَفَا وَخَـابَ اَلْأَمَـلُ؟
مِنِّي بَـدَلٌ وَمِنْـهُ مَا لِـي بَدَلُ
إِخْوَانِي: إِذَا فَهِمْتُمْ هَذَا
اَلْمَعْنَى فَهِمْتُمْ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ صِدْقاً مِنْ
قَلْبِهِ حَرَّمَهُ اَللَّهُ عَلَى اَلنَّارِ».
فَأَمَّا مَنْ دَخَلَ اَلنَّارَ مِنْ
أَهْلِ اَلْكَلِمَةِ، فَلِقِلَّةِ صِدْقِهِ فِي قَوْلِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ
اَلْكَلِمَةَ إِذَا صَدَقَتْ طَهَّرَتْ اَلْقَلْبَ مِنْ كُلِّ مَا سِوَى اَللَّهِ،
وَمَتَى بَقِيَ فِي اَلْقَلْبِ أَثَرٌ لِسِوَى اَللَّهِ، فَمِنْ قِلَّةِ
اَلصِّدْقِ فِي قَوْلِهَا
مَنْ صَدَقَ فِي قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا
اَللَّهُ، لَمْ يُحِبْ سِوَاهُ، وَلَمْ يَرْجُ إِلَّا إِيَّاهُ, وَلَمْ يَخْشَ
أَحَداً إِلَّا اَللَّهُ, وَلَمْ يَتَوَكَّلْ إِلَّا عَلَى اَللَّهِ, وَلَمْ يُبْقِ
لَهُ بَقِيَّةً مِنْ آثَارِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ.
وَمَعَ هَذَا فَلَا تَظُنُّوا أَنَّ
اَلْمَرَادَ أَنَّ اَلْمُحِبَّ مُطَالَبٌ بِالْعِصْمَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُطَالَبٌ
كُلَّمَا زَلَّ أَنْ يَتَلَافَى تِلْكَ اَلْوَصْمَةَ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: إِنَّ اَللَّهَ لَيُحِبُّ اَلْعَبْدَ حَتَّى يَبْلُغَ مِنْ حُبِّهِ
لَهُ أَنْ يَقُولَ: اِذْهَبْ فَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ
وَقَالَ اَلشَّعْبِيُّ: إِذَا أَحَبَّ اَللَّهُ عَبْداً لَمْ يَضُرّهُ ذَنْبُهُ
وَتَفْسِيرُ هَذَا اَلْكَلَامِ أَنَّ
اَللَّهَ عز وجل لَهُ عِنَايَةٌ بِمَنْ يُحِبُّهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَكُلَّمَا
زَلَقَ ذَلِكَ اَلْعَبْدُ فِي هُوَّةٍ أَخَذَ بِيَدِهِ إِلَى اَلِاعْتِذَارِ،
وَيَبْتَلِيهُ بِمَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ لِمَا جَنَى
وَفِي بَعْضِ اَلْآثَارِ: يَقُولُ اَللَّهُ:
أَهْلُ ذِكْرِي أَهْلُ مُجَالَسَتِي، وَأَهْلُ طَاعَتِي أَهْلُ كَرَامَتِي,
وَأَهْلُ مَعْصِيَتِي لَا أُيَئِسُهُمْ مِنْ رَحْمَتِي، إِنْ تَابُوا فَأَنَا
حَبِيبُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَأَنَا طَبِيبُهُمْ، أَبْتَلِيهِمْ
بِالْمَصَائِبِ لِأُطَهِّرَهُمْ مِنَ الْمَعَائِبِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ
اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«اَلْحُمَّى تُذْهِبُ اَلْخَطَايَا كَمَا يُذْهِبُ اَلْكِيرُ اَلْخَبَثَ».
وَفِي اَلْمُسْنَدِ وَصَحِيحِ اِبْنِ
حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ:
«أَنَّ رَجُلاً لَقِيَ اِمْرَأَةً كَانَتْ بَغِيّاً فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ، فَجَعَلَ
يُلَاعِبُهَا حَتَّى بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَهْ فَإِنَّ اَللَّهَ
أَذْهَبَ اَلشِّرْكَ وَجَاءَ بِالْإِسْلَامِ، فَتَرَكَهَا وَوَلَّى، فَجَعَلَ
يَلْتَفِتُ خَلْفَهُ وَيَنْظُرُ إِلَيْهَا حَتَّى أَصَابَ وَجْهُهُ حَائِطاً،
فَأَتَى اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ،
فَأَخْبَرَهُ بِالْأَمْرِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ
اَللَّهُ بِكَ خَيْراً ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً
عَجَّلَ عُقُوبَتَهُ فِي اَلدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرّاً أَمْسَكَ
ذَنْبَهُ حَتَّى يُوَافِيَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ».
يَا قَوْمُ! قُلُوبُكُمْ عَلَى أَصْلِ
اَلطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا أَصَابَهَا رَشَاشٌ مِنْ نَجَاسَةِ اَلذُّنُوبِ،
فَرُشُّوا عَلَيْهَا قَلِيلاً مِنْ دَمْعِ اَلْعُيُونِ، وَقَدْ طَهُرَتْ
اِعْزِمُوا عَلَى فِطَامِ اَلنُّفُوسِ عَنْ
رَضَاعِ اَلْهَوَى، فَالْحِمْيَةُ رَأْسُ اَلدَّوَاءِ.
مَتَى طَالَبَتْكُمْ بِمَأْلُوفَاتِهَا،
فَقُولُوا لَهَا، كَمَا قَالَتْ تِلْكَ اَلْمَرْأَةُ لِذَلِكَ اَلرَّجُلِ، اَلَّذِي
دُمِيَ وَجْهُهُ قَدْ أَذْهَبُ اَللَّهُ بِالشِّرْكِ وَجَاءَ بِالْإِسْلَامِ،
وَالْإِسْلَامُ يَقْتَضِي اَلِاسْتِسْلَامَ وَالِانْقِيَادَ لِلطَّاعَةِ.
ذَكِّرُوهَا مِدْحَةُ
﴿إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾
[فصلت:30] لَعَلَّهَا تَحِنُّ إِلَى اَلِاسْتِقَامَةِ عَرِّفُوهَا اِطِّلَاعَ مَنْ
هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهَا مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ لَعَلَّهَا تَسْتَحِي مِنْ
قُرْبِهِ وَنَظَرِهِ
﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ
اللَّهَ يَرَى﴾ [العلق:14]
﴿إِنَّ رَبَّكَ
لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر:14]
رَاوَدَ رَجُلٌ اِمْرَأَةً فِي فَلَاةٍ
لَيْلاً فَأَبَتْ، فَقَالَ لَهَا: مَا يَرَانَا إِلَّا اَلْكَوَاكِبُ، قَالَتْ:
فَأَيْنَ مُكَوْكِبُهَا؟
أَكْرَهَ رَجُلٌ اِمْرَأَةً عَلَى
نَفْسِهَا، وَأَمَرَهَا بِغَلْقِ اَلْأَبْوَابِ، فَفَعَلَتْ، فَقَالَ لَهَا هَلْ
بَقِيَ بَابٌ لَمْ تُغْلِقِيهِ? قَالَتْ: نَعَمْ، اَلْبَابُ اَلَّذِي بَيْنَنَا
وَبَيْنَ اَللَّهِ, فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا.
رَأَى بَعْضُ اَلْعَارِفِينَ رَجُلاً
يُكَلِّمُ اِمْرَأَةً، فَقَالَ إِنَّ اَللَّهَ يَرَاكُمَا، سَتَرنَا اَللَّهُ
وَإِيَّاكُمَا!
سُئِلَ اَلْجُنَيْدُ بِمَ يُسْتَعَانُ عَلَى
غَضِّ اَلْبَصَرِ؟ قَالَ: بِعِلْمِكَ أَنَّ نَظَرَ اَللَّهِ إِلَيْكَ أَسْبَقُ مِنْ
نَظَرِكَ إِلَى مَا تَنْظُرُ
وَقَالَ اَلْمُحَاسَبِيُّ: اَلْمُرَاقَبَةُ عِلْمُ اَلْقَلْبِ بِقُرْبِ اَلرَّبِّ
كُلَّمَا قَوِيتْ اَلْمَعْرِفَةُ بِاَللَّهِ
قَوِيَ اَلْحَيَاءُ مِنْ قُرْبِهِ وَنَظَرِهِ.
وَصَّى اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
رَجُلاً أَنْ يَسْتَحِيَ مِنْ اَللَّهِ كَمَا يَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ
عَشِيرَتِهِ لَا يُفَارِقُهُ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: اِسْتَحِ مِنْ اَللَّهِ عَلَى قَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ، وَخِفِ
اَللَّهَ عَلَى قَدْرِ قُدْرَتِهِ عَلَيْكَ
كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ مُنْذُ
أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا خَطَوْتُ خُطْوَةً لِغَيْرِ اَللَّهِ، وَلَا نَظَرْتُ إِلَى
شَيْءٍ أَسْتَحْسِنُهُ حَيَاءً مِنْ اَللَّهِ-عَزَّ وَجَلَّ -:
كَـأَنَّ رَقِيباً مِنْكَ يَرْعَى خَوَاطِرِي
وَآخَــرُ يَـرْعَى نَاظِرِي وَلِسَانِي
فَمَا أَبْصَـرَتْ عَيْنَايَ بَعْدَكَ مَنْظَراً
لِغَـيْـرِكَ إِلَّا قُـلْـتُ قَـدْ رَمَقَانِي
وَلَا بَدَرَتْ مِـنْ فِيَّ بَعْـدَكَ لَفْظَةٌ
لِغَـيْرِكَ إِلَّا قُلْـتُ قَـدْ سَـمِعَانِي
وَلَا خَطَـرَتْ مِنْ ذِكْرِ غَيْرِكَ خَطْرَةٌ
عَلَـى اَلْقَلْـبِ إِلَّا عَرَّجَـا بِعَنَانِـي