|
التاسع عشر: من قوله: (فإن قيل:..) إلى قوله: (على صراط مستقيم
|
التاسع عشر: من قوله: (فإن قيل:..) إلى قوله: (على صراط مستقيم
480
زائر
23-11-2015
|
HTML Editor - Full Version
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَا يَصِحُّ حَتَّى يُعْلَمَ إمْكَانُ قَبُولِهِ لِهَذِهِ الصِّفَاتِ.
قِيلَ لَهُ: هَذَا إنَّمَا اشْتَرَكَا فِيمَا أَمْكَنَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَيَزُولَ كَالْحَيَوَانِ؛ فَأَمَّا الرَّبُّ تَعَالَى: فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا لَهُ فَهِيَ وَاجِبَةٌ ضَرُورَةً؛ فإنه لَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِهَا وَبِعَدَمِهَا بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ.
فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ:
- أَنْ يَكُونَ تَارَةً حَيًّا.
- وَتَارَةً مَيِّتًا.
- وَتَارَةً أَصَمَّ.
- وَتَارَةً سَمِيعًا؛
وَهَذَا يُوجِبُ اتِّصَافُهُ بِالنَّقَائِصِ؛ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ قَطْعًا؛ بِخِلَافِ مَنْ نَفَاهَا وَقَالَ: إنَّ نَفْيَهَا لَيْسَ بِنَقْصِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِاتِّصَافَ بِهَا..
فَإِنَّ مَنْ قَالَ هَذَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ مَعَ إمْكَانِ الِاتِّصَافِ بِهَا لَا يَكُونُ نَفْيُهَا نَقْصًا فَإِنَّ فَسَادَ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ.
وَقِيلَ لَهُ أَيْضًا: أَنْتَ فِي تَقَابُلِ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ إنْ اشْتَرَطْت الْعِلْمَ بِإِمْكَانِ الطَّرَفَيْنِ: لَمْ يَصِحَّ أَنْ تَقُولَ وَاجِبُ الْوُجُودِ؛ إمَّا مَوْجُودٌ وَإِمَّا مَعْدُومٌ؛ وَالْمُمْتَنِعُ الْوُجُودِ إمَّا مَوْجُودٌ وَإِمَّا مَعْدُومٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ هُنَا مَعْلُومُ الْوُجُودِ.
وَالْآخَرَ مَعْلُومُ الِامْتِنَاعِ وَإِنْ اشْتَرَطْت الْعِلْمَ بِإِمْكَانِ أَحَدِهِمَا صَحَّ أَنْ تَقُولَ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَيًّا وَإِمَّا أَلَّا يَكُونَ؛ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ إنْ كَانَ مُمْكِنًا صَحَّ التَّقْسِيمُ وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا: كَانَ الْإِثْبَاتُ وَاجِبًا وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يُقَابِلُ السَّلْبَ وَالْإِيجَابَ وَنَحْنُ نُسَلِّمُ ذَلِكَ كَمَا ذُكِرَ فِي الِاعْتِرَاضِ؛ لَكِنَّ غَايَتَهُ: أَنَّهُ إمَّا سَمِيعٌ وَإِمَّا لَيْسَ بِسَمِيعِ وَإِمَّا بَصِيرٌ وَإِمَّا لَيْسَ بِبَصِيرِ؛ وَالْمُنَازِعُ يَخْتَارُ النَّفْيَ.
فَيُقَالُ لَهُ: عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: فَالْمُثْبَتُ وَاجِبٌ؛ وَالْمَسْلُوبُ مُمْتَنِعٌ.
فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَاتُ وَاجِبَةً لَهُ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُمْتَنِعَةً عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ بِالِامْتِنَاعِ لَا وَجْهَ لَهُ؛ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بِوَجْهِ.
بَلْ قَدْ يُقَالُ: نَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ بُطْلَانَ الِامْتِنَاعِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ إلَّا بِمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إبْطَالِ أَصْلِ الصِّفَاتِ؛ وَقَدْ عُلِمَ فَسَادُ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ طَرِيقَةً مُسْتَقِلَّةً فِي إثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَهُ فَإِنَّهَا إمَّا وَاجِبَةٌ لَهُ وَإِمَّا مُمْتَنِعَةٌ عَلَيْهِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ قَابِلًا لَهَا خَالِيًا عَنْهَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّهِ.
وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ مَعْرُوفَةٌ لِمَنْ سَلَكَهَا مِنْ النُّظَّارِ.
الْجَوَابُ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: فَعَلَى هَذَا إذَا قُلْنَا زَيْدٌ إمَّا عَاقِلٌ وَإِمَّا غَيْرُ عَاقِلٍ؛ وَإِمَّا عَالِمٌ وَإِمَّا لَيْسَ بِعَالِمِ، وَإِمَّا حَيٌّ وَإِمَّا غَيْرُ حَيٍّ، وَإِمَّا نَاطِقٌ وَإِمَّا غَيْرُ نَاطِقٍ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ سَلْبُ الصِّفَةِ عَنْ مَحَلٍّ قَابِلٍ لَهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا دَاخِلًا فِي قِسْمِ تَقَابُلِ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ وَخِلَافُ اتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ وَخِلَافُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَنْطِقِ وَغَيْرِهِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْقَضَايَا تَتَنَاقَضُ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُ مِنْهُ صِدْقُ إحْدَاهُمَا كَذِبُ الْأُخْرَى، فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَهَذِهِ شُرُوطٌ التَّنَاقُضُ مَوْجُودٌ فِيهَا.
وَغَايَةُ فِرَقِهِمْ أَنْ يَقُولُوا:
- إذَا قُلْنَا: هُوَ إمَّا بَصِيرٌ وَإِمَّا لَيْسَ بِبَصِيرِ: كَانَ إيجَابًا وَسَلْبًا.
- وَإِذَا قُلْنَا: إمَّا بَصِيرٌ؛ وَإِمَّا أَعْمَى: كَانَ مَلَكَةً وَعَدَمًا وَهَذِهِ مُنَازَعَةٌ لَفْظِيَّةٌ وَإِلَّا فَالْمَعْنَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ سَوَاءٌ.
فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ تَقَابُلِ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ فِي حَدِّ ذَلِكَ التَّقَابُلِ: أَنَّهُ لَا اسْتِحَالَةَ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ إلَى الْآخَرِ فَإِنَّ الِاسْتِحَالَةَ هُنَا مُمْكِنَةٌ كَإِمْكَانِهَا إذَا عُبِّرَ بِلَفْظِ الْعَمَى.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ: التَّقْسِيمُ الْحَاصِرُ أَنْ يُقَالَ: الْمُتَقَابِلَانِ إمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَخْتَلِفَا بِذَلِكَ بَلْ يَكُونَانِ إيجَابِيَّيْنِ أَوْ سَلْبِيَّيْنِ.
فَالْأَوَّلُ هُوَ النَّقِيضَانِ، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يُمْكِنَ خُلُوُّ الْمَحَلِّ عَنْهُمَا وَإِمَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ.
وَالْأَوَّلُ: هُمَا الضِّدَّانِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَالثَّانِي: هُمَا فِي مَعْنَى النَّقِيضَيْنِ وَإِنْ كَانَا ثُبُوتِيَّيْنِ كَالْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ وَالْحُدُوثِ وَالْقِدَمِ وَالْقِيَامِ بِالنَّفْسِ وَالْقِيَامِ بِالْغَيْرِ وَالْمُبَايَنَةِ وَالْمُجَانَبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ وَالصَّمَمَ وَالْبُكْمَ وَالسَّمْعَ: لَيْسَ مِمَّا إذَا خَلَا الْمَوْصُوفُ عَنْهُمَا وُصِفَ بِوَصْفِ ثَالِثٍ بَيْنِهِمَا كَالْحُمْرَةِ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا فَإِذَا انْتَفَى تَعَيَّنَ الْآخَرُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: الْمَحَلُّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الِاتِّصَافَ بِالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِهَا: أَنْقَصُ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْبَلُ ذَلِكَ وَيَخْلُو عَنْهَا، وَلِهَذَا كَانَ الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ أَنْقَصَ مِنْ الْحَيِّ الْأَعْمَى.
وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْبَارِئُ مُنَزَّهًا عَنْ نَفْيِ هَذِهِ الصِّفَاتِ؛ مَعَ قَبُولِهِ لَهَا فَتَنْزِيهُهُ عَنْ امْتِنَاعِ قَبُولِهِ لَهَا أَوْلَى وَأَحْرَى إذْ بِتَقْدِيرِ قَبُولِهِ لَهَا يَمْتَنِعُ مَنْعُ الْمُتَقَابِلَيْنِ وَاتِّصَافُهُ بِالنَّقَائِصِ مُمْتَنِعٌ فَيَجِبُ اتِّصَافُهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ.
وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ قَبُولِهِ لَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ لَا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَلَا بِصِفَاتِ النَّقْصِ، وَهَذَا أَشَدُّ امْتِنَاعًا فَثَبَتَ أَنَّ اتِّصَافَهُ بِذَلِكَ مُمْكِنٌ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ لَهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنْ يُقَالَ: أَنْتُمْ جَعَلْتُمْ تَقَابُلَ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ فِيمَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِثُبُوتِ فَإِذَا عَنَيْتُمْ بِالْإِمْكَانِ الْإِمْكَانَ الْخَارِجِيَّ - هُوَ أَنْ يُعْلَمَ ثُبُوتُ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ - كَانَ هَذَا بَاطِلًا لِوَجْهَيْنِ: -
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُلْزِمُكُمْ أَنْ تَكُونَ الْجَامِدَاتُ لَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا لَا حَيَّةٌ وَلَا مَيِّتَةٌ، وَلَا نَاطِقَةٌ وَلَا صَامِتَةٌ وَهُوَ قَوْلُكُمْ - لَكِنَّ هَذَا اصْطِلَاحٌ مَحْضٌ - وَأَلَّا تَصِفُوا هَذِهِ الْجَمَادَاتِ بِالْمَوْتِ وَالصَّمْتِ وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ فَهَذَا فِي الْأَصْنَامِ وَهِيَ مِنْ الْجَمَادَاتِ..
وَقَدْ وُصِفَتْ بِالْمَوْتِ وَالْعَرَبُ تُقَسِّمُ الْأَرْضَ إلَى الْحَيَوَانِ وَالْمَوَتَانِ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْمَوَتَانُ بِالتَّحْرِيكِ خِلَافُ الْحَيَوَانِ.
يُقَالُ: اشْتَرِ الْمَوَتَانِ وَلَا تَشْتَرِ الْحَيَوَانَ أَيْ اشْتَرِ الْأَرْضَ وَالدَّوْرَ؛ وَلَا تَشْتَرِ الرَّقِيقَ وَالدَّوَابَّ؛ وَقَالُوا أَيْضًا: الْمَوَاتُ مَا لَا رُوحَ فِيهِ..
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا إنَّمَا يُسَمَّى مَوَاتًا بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ لِلْحَيَاةِ الَّتِي هِيَ إحْيَاءُ الْأَرْضِ.
قِيلَ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَيَاةَ أَعَمُّ مِنْ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ، وَأَنَّ الْجَمَادَ يُوصَفُ بِالْحَيَاةِ إذَا كَانَ قَابِلًا لِلزَّرْعِ وَالْعِمَارَةِ؛ وَالْخَرَسُ ضِدُّ النُّطْقِ..
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَبَنٌ أَخْرَسُ أَيْ خَاثِرٌ لَا صَوْتَ لَهُ فِي الْإِنَاءِ، وَسَحَابَةٌ خَرْسَاءُ لَيْسَ فِيهَا رَعْدٌ وَلَا بَرْقٌ، وَعَلَمٌ أَخْرَسُ إذَا لَمْ يُسْمَعْ لَهُ فِي الْجَبَلِ صَوْتُ صَدًى، وَيُقَالُ: كَتِيبَةٌ خَرْسَاءُ..
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ الَّتِي صَمَتَتْ مِنْ كَثْرَةِ الدُّرُوعِ لَيْسَ لَهُ فقاقع وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ الصَّمْتُ وَالسُّكُوتُ؛ فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِهِ الْقَادِرُ عَلَى النُّطْقِ إذَا تَرَكَهُ؛ بِخِلَافِ الْخَرَسِ فَإِنَّهُ عَجْزٌ عَنْ النُّطْقِ.
وَمَعَ هَذَا فَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَا لَهُ صَامِتٌ وَلَا نَاطِقٌ، فَالصَّامِتُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَالنَّاطِقُ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ، فَالصَّامِتُ مِنْ اللَّبَنِ: الْخَاثِرُ..
وَالصَّمُوتُ: الدِّرْعُ الَّتِي صَمَتَ إذَا لَمْ يُسْمَعْ لَهُ صَوْتٌ.
وَيَقُولُونَ: دَابَّةٌ عَجْمَاءُ وَخَرْسَاءُ لِمَا لَا تَنْطِقُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا النُّطْقُ فِي الْعَادَةِ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ».
وَكَذَلِكَ فِي الْعَمْيَاءِ تَقُولُ الْعَرَبُ: عَمَى الْمَوْجُ يَعْمِي عما إذَا رَمَى بِالْقَذَى وَالزَّبَدِ؛ والأعميان السَّيْلُ وَالْجَمَلُ الْهَائِجُ.
وَعَمَى عَلَيْهِ الْأَمْرُ إذَا الْتَبَسَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ﴾ وَهَذِهِ الْأَمْثِلَةُ قَدْ يُقَالُ فِي بَعْضِهَا إنَّهُ عَدَمٌ مَا يَقْبَلُ الْمَحَلَّ الِاتِّصَافَ بِهِ كَالصَّوْتِ؛ وَلَكِنْ فِيهَا مَا لَا يَقْبَلُ كَمَوْتِ الْأَصْنَامِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْجَامِدَاتِ يُمْكِنُ اتِّصَافُهَا بِذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ أَنْ يَخْلُقَ فِي الْجَمَادَاتِ حَيَاةً كَمَا جَعَلَ عَصَى مُوسَى حَيَّةً تَبْتَلِعُ الْحِبَالَ وَالْعِصِيَّ.
- وَإِذَا كَانَ فِي إمْكَانِ الْعَادَاتِ: كَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ - وَأَنْتُمْ أَيْضًا قَائِلُونَ بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَإِذَا كَانَ الْجَمَادَاتُ يُمْكِنُ اتِّصَافُهَا بِالْحَيَاةِ وَتَوَابِعِ الْحَيَاةِ ثَبَتَ أَنَّ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ يُمْكِنُ اتِّصَافُهَا بِذَلِكَ، فَيَكُونُ الْخَالِقُ أَوْلَى بِهَذَا الْإِمْكَانِ.
وَإِنْ عَنَيْتُمْ الْإِمْكَانَ الذِّهْنِيَّ - وَهُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ - فَهَذَا حَاصِلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ امْتِنَاعُ اتِّصَافِهِ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ.
الْوَجْهُ السَّادِسُ أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْإِمْكَانِ الْخَارِجِيِّ فَإِمْكَانُ الْوَصْفِ لِلشَّيْءِ يُعْلَمُ تَارَةً بِوُجُوهِ لَهُ أَوْ بِوُجُودِهِ لِنَظِيرِهِ أَوْ بِوُجُودِهِ لِمَا هُوَ الشَّيْءُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيَاةَ وَالْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ وَالسَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْكَلَامَ: ثَابِتٌ لِلْمَوْجُودَاتِ الْمَخْلُوقَةِ وَمُمْكِنٌ لَهَا.
فَإِمْكَانُهَا لِلْخَالِقِ تَعَالَى أَوْلَى وَأَحْرَى؛ فَإِنَّهَا صِفَاتُ كَمَالٍ.
وَهُوَ قَابِلٌ لِلِاتِّصَافِ بِالصِّفَاتِ؛ وَإِذَا كَانَتْ مُمْكِنَةً فِي حَقِّهِ فَلَوْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهَا لَاتَّصَفَ بِأَضْدَادِهَا.
الْوَجْهُ السَّابِعُ أَنْ يُقَالَ: مُجَرَّدُ سَلْبِ هَذِهِ الصِّفَاتِ نَقْصٌ لِذَاتِهِ سَوَاءٌ سُمِّيَتْ عَمًى وَصَمَمًا وَبُكْمًا أَوْ لَمْ تُسَمَّ.
وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ ضَرُورِيٌّ فَأَمَّا إذَا قَدَّرْنَا مَوْجُودَيْنِ أَحَدُهُمَا يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ وَيَتَكَلَّمُ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ: كَانَ الْأَوَّلُ أَكْمَلَ مِنْ الثَّانِي وَلِهَذَا عَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَنْ عَبَدَ مَا تَنْتَفِي فِيهِ هَذِهِ الصِّفَاتُ؛ فَقَالَ تَعَالَى عَنْ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ: ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾.
وَقَالَ أَيْضًا فِي قِصَّتِهِ: ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ: ﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إذْ تَدْعُونَ﴾ ﴿أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾ ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ ﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ﴾ ﴿أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ﴾ ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾.
وَكَذَلِكَ فِي قِصَّةِ مُوسَى فِي الْعِجْلِ: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾..
فَقَابَلَ بَيْنَ الْأَبْكَمِ الْعَاجِزِ وَبَيْنَ الْآمِرِ بِالْعَدْلِ: الَّذِي هُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
|
|
|
المادة السابق
| المواد المتشابهة
| المادة التالي
|
|