HTML Editor - Full Version
شرح كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ صالح الفوزان - شرح فضيلة الشيخ د.وليد بن إدريس المنيسي من التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه غيره إلى النهي عن الغلو والإطراء في مدح النبي صلى الله عليه وسلم
2-التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه غيره لا يجوز
والحديث الذي فيه: (إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم) حديث مكذوب، ليس في شيء من كتب المسلمين التي يُعتمد عليها، ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث ، وما دامَ لا يصح فيه دليل، فهو لا يجوزُ؛ لأن العبادات لا تثبت إلا بدليل صريح.
3ـ والتوسل بذوات المخلوقين لا يجوز
لأنه إن كانت الباء للقسم، فهو إقسام به على الله تعالى، وإذا كان الإقسام بالمخلوق على المخلوق لا يجوز، وهو شرك كما في الحديث؛ فكيف بالإقسام بالمخلوق على الخالق جل وعلا؟! وإن كانت الباء للسببية فالله سبحانه لم يجعل السؤال بالمخلوق سببًا للإجابة، ولم يشرعه لعباده.
4ـ والتوسل بحق المخلوق لا يجوز لأمرين
الأول: أن الله سبحانه لا يجب عليه حقّ لأحد، وإنَّما هو الذي يتفضّل سبحانه على المخلوق بذلك، كما قال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم/47].
فكون المطيع يستحق الجزاء، هو استحقاق فضل وإنعام، وليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق المخلوق على المخلوق.
الثاني: أن هذا الحق الذي تفضل الله به على عبده هو حقٌّ خاص به، لا علاقة لغيره به، فإذا توسل به غير مستحقه كان متوسلًا بأمر أجنبي، لا علاقة له به، وهذا لا يجديه شيئًا.
وأما الحديث الذي فيه: "أسألك بحق السائلين" فهو حديث لم يثبت؛ لأن في إسناده عطية العوفي، وهو ضعيف مجمع على ضعفه، كما قال بعض المحدثين، وما كان كذلك، فإنه لا يُحتج به في هذه المسألة المهمة من أمور العقيدة، ثم إنه ليس فيه توسل بحقّ شخص معيّن، وإنما فيه التوسل بحق السائلين عمومًا، وحق السائلين الإجابة كما وعدهم الله بذلك. وهو حق أوجبه على نفسه لهم، لم يوجبه عليه أحد، فهو توسل إليه بوعده الصادق لا بحق المخلوق.
جـ ـ حكم الاستعانة والاستغاثة بالمخلوق
الاستعانة: طلب العون والمؤازرة في الأمر.
والاستغاثة: طلب الغوث، وهو إزالة الشدة.
فالاستغاثة والاستعانة بالمخلوق على نوعين
النوع الأول: الاستعانة والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه
وهذا جائز، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة/2].
وقال تعالى في قصة موسى عليه السلام: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص/15]. وكما يستغيث الرجل بأصحابه في الحرب وغيرها، مما يقدر عليه المخلوق.
النوع الثاني: الاستغاثة والاستعانة بالمخلوق
فيما لا يقدر عليه إلا الله، كالاستغاثة والاستعانة بالأموات، والاستغاثة بالأحياء، والاستعانة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله من شفاء المرضى، وتفريج الكُرُبات ودفع الضر، فهذا النوع غير جائز، وهو شرك أكبر، وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين، فقالَ بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يُستغاثُ بي، وإنما يستغاث بالله) [رواه الطبراني]، كره صلى الله عليه وسلم أن يُستعمل هذا اللفظ في حقّه، وإن كان مما يقدر عليه في حياته؛ حمايةً لجناب التوحيد وسدًّا لذرائع الشرك، وأدبًا وتواضعًا لربه، وتحذيرًا للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال؛ فإذا كان هذا فيما يقدر عليه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فكيف يُستغاثُ به بعد مماته، ويُطلبُ منه أمور لا يقدر عليها إلا الله ، وإذا كان هذا لا يجوز في حقّه صلى الله عليه وسلم فغيره من باب أولى.
الباب الخامس: في بيان ما يجب اعتقاده في الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وصحابته
الفصل الأول: في وجوب محبة الرسول وتعظيمه، والنهي عن الغلو والإطراء في مدحهوبيان منزلته صلى الله عليه وسلم
1 ـ وجوب محبته وتعظيمه صلى الله عليه وسلم
يجبُ على العبدِ أولًا: محبّةُ الله عز وجل، وهي من أعظم أنواع العبادة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} [البقرة/165]. لأنه هو الرّبُّ المتفضّل على عباده بجميع النّعم ظاهِرها وباطنها، ثم بعد محبة الله تعالى، تجب محبة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو الذي دعا إلى الله، وعرَّف به، وبلَّغ شريعته، وبيَّن أحكامه، فما حصل للمؤمنين من خير في الدنيا والآخرة، فعلى يد هذا الرسول، ولا يدخلُ أحدٌ الجنة إلا بطاعته واتباعه صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: (ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد حلاوةَ الإيمان؛ أن يكون الله ورسولَه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يُحبَّ المرء لا يُحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار) [متفق عليه].
فمحبة الرسول تابعة لمحبة الله تعالى، لازمة لها، وتليها في المرتبة، وقد جاء بخصوص محبته صلى الله عليه وسلم ووجوب تقديمها على محبة كل محبوب سوى الله تعالى، قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمنُ أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولده ووالده والناسِ أجمعين) [متفق عليه].
بل ورد أنه يجب على المؤمن أن يكون الرسولُ صلى الله عليه وسلم أحبَّ إليه من نفسه، كما في الحديث: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله، لأنتَ أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال: (والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فقال له عمر: فإنك الآن أحب إليَّ من نفسي، فقال: (الآن يا عمر) [رواه البخاري].
ففي هذا أن محبة الرسول واجبةٌ ومقدّمةٌ على محبّة كل شيء سوى محبة الله، فإنها تابعة لها لازمة لها؛ لأنها محبة في الله ولأجله، تزيد بزيادة محبة الله في قلب المؤمن، وتنقص بنقصها، وكل من كان محبًّا لله؛ فإنما يحب في الله ولأجله. ومحبّته صلى الله عليه وسلم تقتضي تعظيمه وتوقيره واتباعه، وتقديم قوله على قول كل أحد من الخلق، وتعظيم سنته.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (وكلُّ محبة وتعظيم للبشر؛ فإنما تجوز تبعًا لمحبة الله وتعظيمه، كمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه، فإن أمته يحبونه لمحبة الله له، ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له، فهي محبة لله من موجبات محبة الله.
والمقصودُ: أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى الله عليه من المهابة والمحبة.... ولهذا لم يكن بشر أحب إلى بشر، ولا أهيب وأجلّ في صدره، من رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدور أصحابه - رضي الله عنهم - قال عمرو بن العاص بعد إسلامه: إنه لم يكن شخص أبغضَ إليَّ منه. فلما أسلمت، لم يكن شخص أحب إليَّ منه، ولا أجلَّ في عيني منه، قال: ولو سُئِلت أن أصفه لكمك لما أطقتُ، لأني لم أكن أملأ عينيَّ منه؛ إجلالًا له.
وقال عروة بن مسعود لقريش: يا قوم، والله لقد وفدت إلى كسرى وقيصر والملوك، فما رأيتُ ملكًا يعظمه أصحابه؛ ما يعظم أصحابُ محمد محمدًا صلى الله عليه وسلم، والله ما يحدُّون النظر إليه تعظيمًا له، وما تنخَّم نُخامةً إلا وقعت في كَفِّ رجل منهم، فيدلك بها وجهَهُ وصدره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه) انتهى .