عن شداد بن أوس أن رسول الله قال: «قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي أمنين ولا خوفين، إن أَمِنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمّنته يوم أجمع عبادي» [رواه ابن المبارك وأبو نعيم والبزار وحسنه الألباني صحيح الجامع 4208].
قال المناوي: من كان خوفه في الدنيا أشد كان أمنه يوم القيامة أكثر وبالعكس.
الخوف والرجاء جناحان يطير بهما المقربون، يتسابقون بها إلى رضوان الله وجنته، فهما كالجناحين للطائر إذا انكسر أحدهما لم يستطع الطيران.
وحديثنا اليوم عن الخوف.
الخوف هو تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل وهو الذي يكف الجوارح عن المعاصي ويقيدها بالطاعات قال تعالى: فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون [الأعراف:99].
ولابد أن يجمع العبد بين الخوف والرجاء لأن الخوف إذا لم يكن معه رجاء في رحمة الله تعالى أدى بصاحبه إلى اليأس والقنوط من رحمة الله قال تعالى: إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون [يوسف:87]. وقال تعالى: ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون [الحجر:56].
الخوف من الله تعالى تارة يكون للمعرفة بالله تعالى والمعرفة بصفاته وأنه الجبار المتكبر المنتقم من المجرمين وتارة يكون لمعرفة العبد بكثرة جنايته ومعرفته بعيوب نفسه فأخوف الناس من الله تعالى أعرفهم بربه وأعرفهم بنفسه.
قال الله تعالى: إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء [فاطر:28].
قال ابن مسعود: كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار جهلاً.
قيل لأحمد بن حنبل: هل كان مع معروف الكرخي شيء من العلم قال: معه رأس العلم: خشية الله، وقد حذر من عدم إبصار عيوب النفس عن أبي هريرة مرفوعاً: «يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه» [رواه ابن حبان وأبو نعيم وصححه الألباني].
ولهذا جمع النبي بين العلم بالله والخوف منه في قوله : «والله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية» [رواه البخاري ومسلم].
وإنما أخبر رسول الله عن نفسه بأنه أشد الناس خشية لله عن وحي من الله تعالى وإلا فالمؤمن يخاف ألا يكون خائفاً قال الفضيل بن عياض: إذا قيل لك: هل تخاف الله؟ فاسكت فإنك إن قلت: لا كفرت، وإن قلت: نعم كذبت. وهذا يفيد أن الخائف من الله تعالى في الحقيقة يتهم نفسه ويخاف ألا يكون خائفاً.
ثمرة الخوف من الله ترك المعاصي والهرب إلى الله، فالخوف من الله تعالى يكون بترك ما تخاف أن يعاقبك عليه، وقال بعض السلف: من خاف شيئاً هرب منه، ومن خاف الله تعالى هرب إليه.
ومن تأمل أحوال الأنبياء والصحابة والصالحين وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف، فهم جمعوا بين الإحسان والخوف، ونحن جمعنا بين الإساءة والأمن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
من خاف الله تعالى أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله تعالى أخافه الله من كل شيء.
الخوف المحمود في الكتاب والسنة أنواع:
1- الخوف من الله تعالى، قال تعالى: وخافونِ إن كنتم مؤمنين [آل عمران:175].
2- الخوف من النار ومن عذاب الله قال تعالى: واتقوا النار التي أعدت للكافرين [آل عمران].
3- الخوف من فوات الجنة والحرمان من النعيم، قال أبو بكر الصديق : لو أن إحدى رجلي بالجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله.
4- الخوف من سوء الخاتمة، قال سفيان الثوري رحمه الله: الذنوب أهون علي من هذه، ولكن أخاف من سوء الخاتمة.
5- الخوف من الذنوب التي عملها الإنسان، حتى لو تاب يخاف من عدم قبول التوبة.
6- الخوف من عدم قبول الطاعات التي عملتها.
قال تعالى يقص علينا خبر أهل الجنة: وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمنّ الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم [الطور:25-28]. مشفقين أي خائفين من الله وخائفين من معاصينا.
وقال تعالى: إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون [المؤمنون:57-61].
جاء في تفسير هذه الآيات أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سألت النبي فقالت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ فقال: «لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل منهم، أولئك يسارعون في الخيرات» [رواه الترمذي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي].
الخوف من الله قد يكون سبباً في مغفرة عظائم الذنوب، فقد أخبر النبي عن رجل ممن كان قبلنا أشفق على نفسه من كثرة ذنوبه، فأوصى أهله إذا مات أن يحرقوه وأن يذروا رماده في ليم قال: فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، ففعلوا فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك يا رب، فغفر الله به. [رواه البخاري ومسلم].
فهذا الرجل شك في قدرة الله على جمعه وشك في البعث، ولكن حمله على ذلك الخوف من الله فغفر الله له لوجله ولخوفه من الله.
عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله يقول: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة» [رواه الترمذي والحاكم وصححه الذهبي والألباني].
أدلج أي سار من أول الليل، والمعنى بادر بالتوبة وبالأعمال الصالحة مخافة أن تعيقه العوائق عنها.
|