HTML Editor - Full Version
شرح كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ صالح الفوزان - شرح فضيلة الشيخ د.وليد بن إدريس المنيسي من بداية الكتاب إلى القسم الثاني من الشرك الأصغر
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول
الانحراف في حياة البشرية
خلق الله الخلق لعبادته. وهيأ لهم ما يعينهم عليها من رزقه. قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)والنفس بفطرتها إذا تركت كانت مقرة لله بالإلهية محبة لله تعبده لا تشرك به شيئا. ولكن يفسدها وينحرف بها عن ذلك ما يزين لها شياطين الإنس والجن بما يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. فالتوحيد مركوز في الفطر. والشرك طارئ ودخيل عليها. قال الله تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله)
وقال صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ". فالأصل في بني آدم التوحيد.
والدين الإسلام من عهد آدم عليه السلام ومن جاء بعده من ذريته قرونا طويلة، قال تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين)وأول ما حدث الشرك والانحراف عن العقيدة الصحيحة في قوم نوح، فكان عليه السلام أول رسول (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده)
قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون كلهم على الإسلام. قال ابن القيم (إغاثة اللهفان 2/102): وهذا القول هو الصواب قطعا فان قراءة أبي بن كعب يعني في آية البقرة: (فاختلفوا فبعث الله النبيين). ويشهد لهذه القراءة قوله تعالى في سورة يونس:(وما كان الناس إلا أمة واحد فاختلفوا).
يريد رحمه الله أن بعثة النبيين سببها الاختلاف عما كانوا عليه من الدين الصحيح- كما كانت العرب بعد ذلك على دين إبراهيم عليه السلام حتى جاء عمرو بن لحي الخزاعي فغير دين إبراهيم وجلب الأصنام إلى أرض العرب وإلى أرض الحجاز بصفة خاصة فعبدت في دون الله وانتشر الشرك في هذه البلاد المقدسة وما جاورها إلى أن بعث الله نبيه محمدا خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم فدعا الناس إلى التوحيد واتباع ملة إبراهيم وجاهد في الله حق جهاده حتى عادت عقيدة التوحيد وملة إبراهيم وكسر الأصنام وأكمل الله به الدين وأتم به النعمة على العالمين وسارت على نهجه القرون المفضلة من صدر هذه الأمة إلى أن فشا الجهل في القرون المتأخرة ودخلها الدخيل من الديانات الأخرى فعاد الشرك إلى كثير من هذه الأمة بسبب دعاة الضلال وبسبب البناء على القبور متمثلا بتعظيم الأولياء والصالحين وادعاء المحبة لهم حتى بنيت الأضرحة على قبورهم واتخذت أوثانا تعبد من دون الله بأنواع القربات من دعاء واستغاثة وذبح ونذر لمقاماتهم. وسموا هذا الشرك توسلا بالصالحين واظهارا لمحبتهم وليس عبادة لهم بزعمهم. ونسوا أن هذا هو قول المشركين الأولين حيث يقولون (ما نعبدهم إلى ليقربونا إلى الله زلفا)ومع هذا الشرك الذي وقع في البشرية قديما وحديثا فالأكثرية منهم يؤمنون بتوحيد الربوبية وإنما يشركون في العبادة كما قال تعالى:(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون).ولم يجحد وجود الرب إلا نزر يسير من البشر كفرعون والملاحدة الدهريين والشيوعيين في هذا الزمان- وجحودهم به من باب المكابرة وإلا فهم مضطرون للإقرار به في باطنهم وقرارة نفسهم- كما قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)
وعقولهم تعرف أن كل مخلوق لا بد له من خالق وكل موجود لا بد له من موجد، وأن نظام هذا الكون المنضبط الدقيق لابد له من مدبر حكيم قدير عليم. من أنكره فهو أما فاقد لعقله أو مكابر قد ألغى عقله وسفه نفسه وهذا لا عبرة به.
الفصل الثاني
الشرك: تعريفه، أ نوا عه
أ- تعريفه:
الشرك هو جعل شريك لله تعالى في ربوبيته وإلهيته. والغالب الإشراك في الألوهية بأن يدعو مع الله غيره أو يصرف له شيئا من أنواع العبادة كالذبح والنذر والخوف والرجاء والمحبة.
والشرك أعظم الذنوب وذلك لأمور:
ا- لأنه تشبيه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، فمن أشرك مع الله أحدا فقد شبهه به. وهذا أعظم الظلم، قال تعالى(إن الشرك لظلم عظيم).والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه. فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير موضعها وصرفها لغير مستحقها وذلك أعظم الظلم.
2- أن الله أخبر أنه لا يغفره لمن لم يتب منه، قال تعالى:(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)
3- أن الله أخبر أنه حرم الجنة على المشرك وأنه خالد مخلد في نار جهنم- قال تعالى:(إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)
4- أن الشرك يحبط جميع الأعمال- قال تعالى:(ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) وقال تعالى: (ولقد أحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)
5- أن المشرك حلال الدم والمال، قال تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها".
6ـ أن الشرك أكبر الكبائر، قال صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين " الحديث. قال العلامة ابن القيم (الجواب الكافي 109) أخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر أن يعرف بأسمائه وصفاته ويعبد وحده لا يشرك به. وأن يقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض كما قال تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)فأخبر سبحانه أنه أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل، ومن أعظم القسط التوحيد وهو رأس العدل وقوامه. وأن الشرك ظلم كما قال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم).
فالشرك أظلم الظلم، والتوحيد أعدل العدل، فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر- إلى أن قال: فلما كان الشرك منافيا بالذات لهذا المقصود كان أكبر الكبائر على الإطلاق وحرم الله الجنة على كل مشرك وأباح دمه وماله وأهله لأهل التوحيد وأن يتخذوهم عبيدا لهم لما تركوا القيام بعبوديته. وأبى الله سبحانه أن يقبل لمشرك عملا. أو يقبل فيه شفاعة. أو يستجيب له في الآخرة دعوة. أو يقبل له فيها رجاء. فان المشرك أجهل الجاهلين بالله. حيث جعل له من خلقه ندا. وذلك غاية الجهل به، كما أنه غاية الظلم منه، وإن كان المشرك في الواقع لم يظلم ربه وإنما ظلم نفسه. انتهى.
7ـ أن الشرك تنقص وعيب نزه الرب سبحانه نفسه عنهما، فمن أشرك بالله فقد أثبت لله ما نزه نفسه عنه وهذا غاية المحادة لله تعالى وغاية المعاندة والمشاقة لله.
ب. أنواع الشرك
الشرك نوعان:
النوع الأول، شرك أكبر يخرج من الملة ويخلد صاحبه في النار إذا لم يتب منه، وهو صرف شي من العبادة لغير الله، كدعاء غير الله والتقرب بالذبائح والنذور لغير الله من القبور والجن والشياطين والخوف من الموتى أو الجن والشياطين أن يضروه أو يمرضوه، ورجاء غير الله فيما يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات مما يمارس الآن حول الأضرحة المبنية على قبور الأولياء والصالحين. قال تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله)
النوع الثاني، شرك أصغر لا يخرج من الملة لكنه ينقص التوحيد وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر. وهو قسمان:
القسم الأول: شرك ظاهر وهو ألفاظ وأفعال، فالألفاظ كالحلف بغير الله، قال صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك." وقوله: ما شاء الله وشئت، قال صلى الله عليه وسلم لما قال له رجل ما شاء الله وشئت فقال: "أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده " وقول: لولا الله وفلان- والصواب أن يقال: ما شاء الله ثم فلان، ولولا الله ثم فلان- لأن ثم الترتيب مع التراخي تجعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، كما قال تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)
وأما الواو فهي لمطلق الجمع والاشتراك لا تقتضي ترتيبا ولا تعقيبا. ومثله قول مالي إلا الله وأنت. وهذا من بركات الله وبركاتك.
وأما الأفعال: فمثل لبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه ومثل تعليق التمائم خوفا من العين وغيرها إذا اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاء أو دفعه فهذا شرك أصغر. لأن الله لم يجعل هذه أسبابا. أما إن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر لأنه تعلق بغير الله.