صفحة جديدة 1
النَّوعُ السَّابع والثَّلاثون: مَعْرفةُ المَزِيد في مُتَّصل الأسَانيد
ومِثَالهُ: ما رَوَى ابن المُبَارك، قال: حدَّثنا سُفيان، عن عبد الرَّحمن بن يزيد،
حدَّثني بُسْر بن عُبيد الله، قال: سمعتُ أبا إدْرِيس قال: سمعتُ واثلة يقول:
سَمعتُ أبا مَرْثد يقول: سَمعتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا
تَجْلسُوا على القُبُورِ ...» فَذِكْرُ سُفيان وأبي إدريس زيادةُ وَهْم، فالوَهْم
في سُفيان مِمَّن دُون ابن المُبَارك، لأنَّ ثِقَاتٍ رَووه عن ابن المُبَارك، عن
ابن يزيد.
ومِنْهم مَنْ صَرَّح فيه بالإخْبَار، وفي أبي إدْريس من ابن المُبَارك، لأنَّ
ثِقَاتٍ رَوَوهُ عن ابن يزيد فلم يذكُروا أبَا إدْريس، ومِنْهُم مَنْ صَرَّح
بسَمَاع بُسْر من وَاثلة، وصَنَّف الخَطِيب في هذا كِتَابًا، في كَثيرٍ منهُ
نَظَرٌ، لأنَّ الخَالي عن الزَّائد إنْ كَانَ بحرف (عَنْ) فيَنْبغي أن يُجْعلَ
مُنقطعًا، وإن صَرَّح فيه بِسَماعٍ أو إخْبَار احتُمِلَ أن يَكُون سَمعهُ من رَجُل
عنه، ثمَّ سَمعهُ منه، إلاَّ أن تُوجد قَرِينة تَدُل على الوَهْم، ويُمكن أن
يُقَال: الظَّاهر مِمَّن لهُ هذا أن يذكُر السَّمَاعيْن، فإذَا لم يَذْكُرهما حُملَ
على الزِّيادة، والله أعلم.
النَّوعُ الثَّامن والثَّلاثون: المَرَاسيل الخَفي إرْسَالها
هو مُهمٌ عَظيمُ الفَائدة، يُدْرَكُ بالاتِّساعِ في الرِّوايةِ، وجَمْع الطُّرق
مَعَ المَعْرفة التَّامة، وللخَطِيب فيه كِتَابٌ، وهُو مَا عُرفَ إرْسَالهِ لعَدَمِ
اللِّقَاء، أو السَّماع.
ومنهُ ما يحكُمُ بإرْسَالهِ لمَجِيئه من وجْهٍ آخَرَ بزيادة شخص، وهذا القسم مع
النَّوع السَّابق يُعْترَضُ بكلِّ واحد منهُمَا على الآخر، وقد يُجَابُ بنحو ما
تقدَّم، والله أعلم.
النَّوعُ التَّاسع والثَّلاثون: مَعْرفةُ الصَّحابة رضي الله عنهم
وهَذَا عِلْمٌ كبيرٌ عَظيمُ الفَائدةِ، فبهِ يُعرَفُ المُتَّصل من المُرْسَل، وفيه
كُتبٌ كثيرةٌ، ومن أحسنهَا وأكثرها فوائد «الاسْتيعَاب» لابن عبد البر، لولا ما
شَانهُ بذِكْر ما شَجرَ بين الصَّحابة، وحِكَايته عن الأخْبَاريين
[ومن أحسَنها وأكْثَرها فوائد «الاستيعاب» لابن عبد البَر، لولا ما شَانهُ بذكر ما
شَجَر بين الصَّحابة، وحكايته عن الأخباريين] والغالب عليهم الإكثار والتخليط فيما
يروونه، وذيَّل عليه ابن فَتْحُون
وقد جَمَعَ الشَّيْخ عز الدين بن الأثِير الجَزَري في الصَّحابة كتابًا حَسَنًا،
جمعَ فيه كُتبًا كَثِيرة، وضَبطَ وحقَّق أشْيَاء حَسَنةً، وقد اختصرته بحمد الله.
فروعٌ:
أحدهَا: اخْتُلفَ في حدِّ الصَّحَابي، فالمَعْرُوف عندَ المُحدِّثين أنَّه كل
مُسْلم رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
كذا قال ابن الصَّلاح، ونقله عن البُخَاري وغيره.
وأورد عليه: إن كان فاعل الرؤية الرَّائي الأعمى، كابن أمِّ مَكْتُوم ونحوه، فهو
صحابي بلا خلاف، ولا رؤية له.
ومَنْ رآه كافرًا ثمَّ أسلم بعد موته- كرسول قَيْصر- فلا صُحبة له.
ومَنْ رآه بعد موته صلى الله عليه وسلم قبل الدَّفن، وقد وقع ذلك لأبي ذؤيب خُويلد
بن خالد الهذلي، فإنَّه لا صُحبة له.
وإن كان فاعلها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دخل فيه جميع الأمة، فإنَّه كُشف له
عنهم ليلة الإسراء وغيرها، ورآهم.
وأُوردُ عليه أيضًا: من صحبه، ثمَّ ارتدَّ، كابن خطل ونحوه، فالأوْلَى أن يُقَال:
من لَقِي النَّبي صلى الله عليه وسلم مُسْلمًا ومات على إسْلامهِ.
أمَّا من ارتدَّ بعده، ثمَّ أسلم ومات مُسلمًا، فقال العِرَاقي: في دخوله فيهم نظر،
فقد نصَّ الشَّافعي وأبو حنيفة على أنَّ الردة مُحبطة للعمل
قال: والظَّاهر أنَّها مُحْبطة للصُّحبة السَّابقة، كقُرَّة بن هبيرة، والأشْعَث بن
قيس، أمَّا من رجع إلى الإسْلام في حياته، كعبد الله بن أبي سَرْح، فلا مَانعَ من
دخوله في الصُّحْبة، وجزمَ شيخ الإسْلام في هذا، والَّذي قبله ببقاء اسم الصُّحبة
له.
قال: وهل يُشترط لقيه في حال النُّبوة، أو أعم من ذلك حتَّى يدخل من رآه قبلها ومات
على الحَنِيفية، كزيد بن عَمرو بن نُفيل، وقد عدَّه ابن منده في الصَّحابة، وكذا لو
رآه قبلها، ثمَّ أدرك البعثة وأسلم ولم يره
وعَنْ أصْحَاب الأصُول، أو بَعْضهم: أنَّهُ من طَالَت مُجَالسته على طريق التَّبَع.
[وعن أصحاب الأصُول، أو بعضه: أنَّه من طالت مُجَالسته] له [على طريق التَّبع] له
والأخذ عنه، بخلاف مَنْ وَفَدَ عليه وانصرف بلا مُصَاحبة، ولا مُتَابعة، قالوا:
وذلك معنى الصَّحابي لُغة.
وعَنْ سَعِيد بن المُسَيب: أنَّه لا يُعدُّ صَحابيًا إلاَّ مَنْ أقَامَ مع رَسُول
الله صلى الله عليه وسلم سنةً، أو سَنَتينِ، أو غَزَا معهُ غَزْوةً، أو غَزْوتينِ،
فإن صحَّ عنهُ فضعيفٌ، فإنَّ مُقْتضاهُ أن لا يُعد جَرِير البَجَلي وشبههُ
صَحَابيًا، ولا خِلافَ أنَّهم صَحَابةٌ.
قال العِرَاقي: ولا يصح هذا عن ابن المُسيب، ففي الإسناد إليه محمَّد بن عُمر
الواقدي، ضعيف في الحديث.
ثمَّ تُعرفُ صُحبتهُ بالتَّواترِ والاسْتفَاضة، أو قَوْل صَحَابي، أو قَوْلهِ إذَا
كانَ عَدْلاً
[ثمَّ تُعرف صُحبته] إمَّا [بالتَّواتر] كأبي بَكْر، وعُمر، وبقية العشرة، في خلق
منهم.
[أو الاستفاضة] والشُّهرة القاصرة عن التَّواتر، كضِمَام بن ثعلبة، وعكاشة بن محصن.
[أو قول صَحَابي] عنه أنَّه صحابي، كحممة بن أبي حممة الدَّوسي الَّذي مات بأصْبهان
مَبْطونًا، فشهدَ له أبو مُوسى الأشْعري، أنَّه سمعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم
حكم له بالَّشهادة، ذكر ذلك أبو نُعيم في «تاريخ أصبهان» وروينا قِصَّته في «مسند»
الطَّيالسي و«معجم» الطَّبراني.
[أو قوله] هو: أنا صحابي [إذا كان عدلا] إذا أمكن ذلك، فإن ادَّعاه بعد مائة سَنَة
من وفاته صلى الله عليه وسلم، فإنَّه لا يُقبل، وإن ثبتت عدالته قبل ذلك، لقوله صلى
الله عليه وسلم في الحديث: «أرأيتكُم ليلتكُم هذه، فإنَّه على رأسِ مائة سَنَة لم
يبقَ أحدٌ على ظَهْرِ الأرض».
فائدة:
قال الذَّهَبي في «الميزان»: رتن الهندي، وما أدراك ما رتن، شيخٌ دجَّال بلا ريب،
ظهر بعد الست مئة، فادَّعى الصُّحْبة، وهذا جريء على الله ورَسُوله، وقد ألَّفت في
أمره جُزءًا.
الثَّاني: الصَّحَابةُ كلُّهم عُدولٌ، مَنْ لابسَ الفِتنَ وغيرهُم، بإجْمَاعِ مَنْ
يُعتدُّ بهِ.
[الثَّاني: الصَّحَابةُ كلُّهم عُدولٌ، من لابسَ الفِتنَ وغيرهُم، بإجْمَاعِ من
يُعتدُّ بهِ] قال تعالى:
﴿وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾[البقرة:143]
الآية، أي: عدولاً.
وقال تعالى:
﴿كُنتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾[آل
عمران:110] والخِطَاب فيها للموجُودين حينئذ.
وقال صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ النَّاس قَرْني ...» رواه الشَّيخان.
وأكْثرُهم حديثًا أبو هُريرة، ثمَّ ابن عُمر، وابن عبَّاس، وجَابر بن عبد الله،
وأنس بن مالك، وعَائشة
وفي «الصَّحيح» عنه قال: قلتُ يا رَسُول الله إنِّي أسمعُ منكَ حديثًا كثيرًا
أنْسَاهُ، قال: أبْسُط رِدَاءكَ، فبَسطتهُ، فغرف بيديه ثمَّ قال: «ضُمَّه» فما
نسيتُ شيئًا بعد
وفي «المُسْتدرك» عن زيد بن ثابت قال: كنتُ أنا وأبو هُريرة وآخر عند النَّبي صلى
الله عليه وسلم، فقال: «ادعُوا». فدَعوتُ أنا وصَاحبي، وأمَّن النَّبي صلى الله
عليه وسلم، ثمَّ دعا أبو هُريرة فقال: اللهمَّ إنِّي أسألك مثل ما سألكَ صاحباي،
وأسألك علمًا لا يُنسى، فأمَّن النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: ونحن يا رَسُول
الله كذلك، فقال: «سَبقكما الغُلام الدَّوسي».
[ثمَّ] عبد الله [ابن عُمر] روى ألفي حديث وستمائة وثلاثين حديثًا
[وابن عبَّاس] روى ألفًا وستمائة وستين حديثًا.
[وجابر بن عبد الله] روى ألفًا وخمسمائة وأربعين حديثًا.
[وأنس بن مالك] روى ألفين ومائتين وستاً وثمانين حديثًا.
[وعائشة] أم المؤمنين روت ألفين ومائتين وعشرة.
وليس في الصَّحابة مَنْ يزيد حديثه على ألف غير هؤلاء، إلاَّ أبا سعيد الخُدْري،
فإنَّه روى ألفًا ومائة وسبعين حديثًا.
فائدة:
السَّبب في قِلَّة ما رُوي عن أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه مع تَقْديمه وسبقه
ومُلازمته للنَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه تقدَّمت وفاته قبل انتشار الحديث،
واعتناء النَّاس بسماعه، وتحصيله، وحفظه، ذكره المُصنِّف في «تهذيبه».
قال: وجُملة ما رُويَ له مائة حديث واثْنَان وأربعون حديثًا.
وأكثرهُم فُتْيا تُرْوَى ابن عبَّاس، وعن مَسْرُوق قال: انْتَهَى علمُ الصَّحَابة
إلى ستَّة: عُمر، وعلي، وأُبي، وزيد، وأبي الدَّرداء، وابن مَسْعُود، ثمَّ انْتهَى
علمُ السِّتة إلى علي وعبد الله.
[وأكثرهُم فُتيا تروى] عنه [ابن عبَّاس] قاله أحمد ابن حنبل
ورَوَى الشَّعبي عنهُ نحوه أيضًا، إلاَّ أنَّه ذكر أبا مُوسى الأشْعَري، بدل أبي
الدَّرداء، وقد اسْتُشكل بأنَّ أبا مُوسى وزيد بن ثابت تأخَّرت وفاتهما عن ابن
مَسْعُود وعلي، فكيفَ انتهى علمُ السِّتة إلى ابن مَسْعُود وعلي؟
قال العِرَاقي: وقد يُجاب بأنَّ المُراد: ضمَّا علمهم إلى علمهما، وإن تأخَّرت وفاة
من ذكر.
ومن الصَّحابة العَبَادلة، وهُمْ: ابن عُمر، وابن عبَّاس، وابن الزُّبير، وابن
عَمرو بن العَاص، وليس ابن مسعود منهم، وكذا سَائرُ مَنْ يُسمَّى عبد الله، وهم نحو
مائتين وعشرين، قال أبو زُرْعة الرَّازي: قُبضَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عن
مئة ألف، وأربعة عشرَ ألفًا من الصَّحابة مِمَّن روى عنه، وسمعَ منهُ..
وقال ابن حزم: أكثر الصَّحَابة فتوَى مُطلقًا سبعة: عُمر، وعلي، وابن مسعود، وابن
عُمر، وابن عبَّاس، وزيد بن ثابت، وعائشة.
قال: ويُمكن أن يُجمع من فُتيا كل واحد من هؤلاء مُجلَّد ضخم.
قال أبو زُرْعة الرَّازي: قُبضَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف،
وأربعة عشرَ ألفًا من الصَّحابة مِمَّن روى عنه، وسمعَ منهُ
[قال أبو زُرعة الرَّازي] في جواب من قال له: أليس يُقال: حديث النَّبي صلى الله
عليه وسلم أربعة آلاف حديث؟ قال: ومن قال ذا قلقل الله أنيابه، هذا قولُ
الزَّنادقة، ومَنْ يُحصي حديث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
[قُبض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عن مئة ألف وأربعة عشر ألفًا من الصَّحابة،
مِمَّن روى عنه، وسمع منه] فقيل له: هؤلاء أين كانوا، وأين سمعوا؟ قال: أهل
المدينة، وأهل مَكَّة، ومَنْ بينهما، والأعراب، ومَنْ شهدَ معهُ حجَّة الوداع، كل
روى وسمع منه بعرفة.
واخْتُلف في عَدَد طَبَقاتهم، وجَعَلهُم الحاكم اثْنَتي عشرةَ طَبَقةً.
[واختُلف في عدد طبقاتهم] باعتبار السَّبق إلى الإسلام، أو الهجرة، أو شُهود
المشاهد الفاضلة، فجعلهم ابن سعد خمس طبقات [وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة]:
الأولى: قومٌ أسلموا بمكَّة، كالخلفاء الأربعة.
والثَّانية: أصْحَاب دار الندوة.
الثَّالثة: مُهَاجرة الحبشة.
الرَّابعة: أصحَاب العَقَبة الأولى.
الخَّامسة: أصحاب العقبة الثَّانية، وأكثرهم من الأنصار.
السَّادسة: أوَّل المُهاجرين الَّذين وصلوا إليه بقباء قبل أن يدخلوا المدينة.
السَّابعة: أهل بدر.
الثَّامنة: الَّذين هاجروا بين بدر والحُديبية.
التَّاسعة: أهلُ بيعة الرضوان.
العاشرة: مَنْ هاجر بين الحُديبية وفَتْح مَكَّة، كخالد بن الوليد، وعَمرو بن
العاص.
الحادي عشرة: مُسْلمة الفتح.
الثانية عشرة: صبيان وأطفال رأوه يوم الفتح، وفي حجَّة الوداع وغيرها.