صفحة جديدة 9
فَصْلٌ
وَكَذَلِكَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَامْتِحَانهَا بِمَا لَمْ يَأْمُرْ
اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ: أَنْتَ شكيلي أَوْ
قرفندي، فَإِنَّ هَذِهِ أَسْمَاءٌ بَاطِلَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ
سُلْطَانٍ وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلا سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ
عليه وَسَلَّمَ وَلَا فِي الْآثَارِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ سَلَفِ الْأَئِمَّةِ لَا
شكيلي وَلَا قرفندي، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ
يَقُولَ: لَا أَنَا شكيلي وَلَا قرفندي؛ بَلْ أَنَا مُسْلِمٌ مُتَّبِعٌ لِكِتَابِ
اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ معاوية بن أبي سفيان أَنَّهُ
سَأَلَ عبد الله بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: أَنْتَ عَلَى مِلَّةِ
علي أَوْ مِلَّةِ عثمان؟ فَقَالَ: لَسْتُ عَلَى مِلَّةِ علي وَلَا عَلَى مِلَّةِ
عثمان، بَلْ أَنَا عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ،
وَكَذَلِكَ كَانَ كُلٌّ من السَّلَفِ يَقُولُونَ: كُلُّ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ فِي
النَّارِ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: مَا أُبَالِي أَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ؟
عَلَى أَنْ هَدَانِي اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، أَوْ أَنْ جَنَّبَنِي هَذِهِ
الْأَهْوَاءَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ سَمَّانَا فِي الْقُرْآنِ الْمُسْلِمِينَ
الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ، فَلَا نَعْدِلُ عَنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي
سَمَّانَا اللَّهُ بِهَا إلَى أَسْمَاءٍ أَحْدَثَهَا قَوْمٌ -وَسَمَّوْهَا هُمْ
وَآبَاؤُهُمْ- مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، بَلْ الْأَسْمَاءُ
الَّتِي قَدْ يَسُوغُ التَّسَمِّي بِهَا مِثْلُ انْتِسَابِ النَّاسِ إلَى
إمَامٍ كَالْحَنَفِيِّ وَالْمَالِكِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ، أَوْ
إلَى شَيْخٍ كَالْقَادِرِيِّ والعدوي وَنَحْوِهِمْ، أَوْ مِثْلُ الِانْتِسَابِ إلَى
الْقَبَائِلِ كَالْقَيْسِيِّ وَالْيَمَانِيِّ، وَإِلَى الْأَمْصَارِ كَالشَّامِيِّ
وَالْعِرَاقِيِّ وَالْمِصْرِيِّ؛ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَمْتَحِنَ النَّاسَ
بِهَا، وَلَا يُوَالِيَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَلَا يُعَادِيَ عليها، بَلْ
أَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ مِنْ أَيِّ طَائِفَةٍ كَانَ،
وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ: هُمْ الَّذِينَ آمَنُوا
وَكَانُوا يَتَّقُونَ، فَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ هُمْ
الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمُتَّقِينَ فِي قَوْله تَعَالَى:
﴿لَيْسَ
الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ
الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ
الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾[البقرة:177]،
وَالتَّقْوَى: هِيَ فِعْلُ مَا
أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَنْ حَالِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَمَا
صَارُوا بِهِ أَوْلِيَاءَ، فَفِي صَحِيحِ البخاري عَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي
بِالْمُحَارَبَةِ، وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا
افْتَرَضْتُ عليه، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى
أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ
الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي
يَمْشِي بِهَا، فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي،
وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَني لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا
تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي
الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مسَاءَتَهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ».
فَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى
عَلَى دَرَجَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: التَّقَرُّبُ إلَيْهِ بِالْفَرَائِضِ، وَالثَّانِيَةُ: هِيَ
التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، فالْأُولَى
دَرَجَةُ الْمُقْتَصِدِينَ الْأَبْرَارِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَالثَّانِيَةُ
دَرَجَةُ السَّابِقِينَ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿إِنَّ
الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾[المطففين:22]
﴿عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ﴾[المطففين:23] ﴿تَعْرِفُ فِي
وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾[المطففين:24]
﴿يُسْقَوْنَ
مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ﴾[المطففين:25]
﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ
الْمُتَنَافِسُونَ﴾[المطففين:26]،
قَالَ ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ مَزْجًا
وَيَشْرَبُهُ الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ هَذَا الْمَعْنَى فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ،
فَكُلُّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقَى اللَّهَ فَهُوَ مِنْ
أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَوْجَبَ مُوَالَاةَ
الْمُؤْمِنِينَ بَعْضهمْ لِبَعْضِ وَأَوْجَبَ عليهمْ مُعَادَاةَ الْكَافِرِينَ،
فَقَالَ تَعَالَى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[المائدة:51]
﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ
أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا
أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾[المائدة:52]
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ
أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ﴾[المائدة:53] ﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ
بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ
عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ
لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[المائدة:54]
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ
رَاكِعُونَ﴾[المائدة:55] ﴿وَمَنْ
يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ
الْغَالِبُونَ﴾[المائدة:56]،
فَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ
أَنَّ وَلِيَّ الْمُؤْمِنِ هُوَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَعِبَادُهُ الْمُؤْمِنِونَ،
وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ سَوَاءٌ كَانَ
مِنْ أَهْلِ نِسْبَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ طَرِيقَةٍ أَوْ لَمْ
يَكُنْ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾[التوبة:71]،
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾[الأنفال:72]
إلَى قوله: ﴿وَالَّذِينَ
آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ﴾[الأنفال:75]،
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا
عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ
فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الحجرات:9]
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الحجرات:10]،
وفي الصحاح عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد
إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، وفي الصحاح أيضاً أنه صلى
الله عليه وسلم قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشَبّك بين أصابعه»،
وفي الصحاح أيضاً أنه قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى
يحب لأخيه ما يحب لنفسه»،
وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يُسلمه ولا يظلمه»، وأمثال هذه
النصوص في الكتاب والسُّنة كثيرة، وقد جَعَلَ الله فيها عباده المؤمنين بعضهم
أولياء بعض، وجعلهم إخوة، وجعلهم متناصرين متراحمين متعاطفين، وأَمَرَهم سبحانه
بالائتلاف، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف، فقال سبحانه وتعالى:
﴿وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾[آل
عمران:103]، وقال سبحانه:
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ
وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ﴾[الأنعام:159]،
فكيف يجوز مع هذا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تفترق وتختلف حتى يوالي الرجل
طائفة ويُعادي طائفة بالظن والهوى، بلا برهان من الله تعالى؟! وقد بَرّأ الله نبيّه
صلى الله عليه وسلم ممَّنْ كان هكذا، فهذا فِعْل أهل البدع كالخوارج الذين فارقوا
جماعة المسلمين واستحلوا دماء مَنْ خالفهم، وأما أهل السُّنة والجماعة فهم معتصمون
بحبل الله، وَأَقَلُّ ما في ذلك أن يُفَضِّل الرجل مَنْ يوافقه على هواه وإن كان
غيره أتقى لله منه، وإنما الواجب أن يُقَدِّم مَنْ قَدّمه الله ورسوله ويُؤَخِّر
مَنْ أَخّره الله ورسوله، ويحب ما أحبه الله ورسوله ويُبغض ما أبغضه الله ورسوله،
وينهى عما نهى الله عنه ورسوله، وأن يرضى بما رضي الله به ورسوله، وأن يكون
المسلمون يداً واحدة، فكيف إذا بَلَغ الأمر ببعض الناس إلى أن يُضَلِّل غيره
ويُكَفِّره وقد يكون الصواب معه وهو الموافِق للكتاب والسُّنة، ولو كان أخوه
المسلم قد أخطأ في شيء من أمور الدين فليس كل مَنْ أخطأ يكون كافراً ولا فاسقاً، بل
قد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، وقد قال تعالى في كتابه في دعاء الرسول
صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: ﴿رَبَّنَا لا
تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾[البقرة:286]؛
وَثَبَتَ في الصحيح أن الله قال: (قد فعلت) لا سيما وقد يكون مَنْ يوافقكم في أخص
من الإسلام مثل أن يكون مثلكم على مذهب الشافعي أو مُنتسباً إلى الشيخ عدي ثم بعد
هذا قد يُخالِف في شيء وربما كان الصواب معه، فكيف يُسْتَحلُّ عِرْضه ودمه أو ماله
مع ما قد ذكر الله من حقوق المسلم والمؤمن؟
وكيف يجوز التفريق بين الأُمة بأسماء مُبتدعة لا أصل لها في كتاب الله ولا سُنّة
رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا التفريق الذي حصل من الأمة: علمائها ومشايخها
وأمرائها وكبرائها هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها، وذلك بِتَرْكهم العمل بطاعة
الله ورسوله، كما قال تعالى:
﴿وَمِنَ
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا
ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾[المائدة:14]،
فمتى تَرْك الناس بعض ما أَمَرَهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق
القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمة والفُرقة عذاب،
وجماع ذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل
عمران:102] ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾[آل
عمران:103] إلى قوله تعالى:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[آل
عمران:104]، فمن الأمر
بالمعروف: الأمر بالائتلاف والاجتماع، والنهي عن الاختلاف والفُرقة، ومن النهي عن
المنكر: إقامة الحدود على من خرج عن شريعة الله تعالى، فمَنْ اعتقد في بشر أنه إله،
أو دعا ميتاً، أو طلب منه الرزق والنصر والهداية، وتوكل عليه أو سَجَد له فإنه
يُستتاب فإن تاب وإلا ضُرِبَت عنقه، ومَنْ فَضّل أحداً من المشايخ على النبي صلى
الله عليه وسلم أو اعتقد أن أحداً يستغني عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
استُتيب فإن تاب وإلا ضُرِبَت عنقه، وكذلك مَنْ اعتقد أن أحداً من أولياء الله
يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم كما كان الخضر مع موسى عليه السلام فإنه يُستتاب
فإن تاب وإلا ضُرِبَت عنقه؛ لأن الخضر لم يكن من أمة موسى عليه السلام ولا كان يجب
عليه طاعته؛ بل قال له: (إني على عِلْم من عِلْم الله عَلّمَنِيه الله لا تعلمه،
وأنت على عِلْم من عِلْم الله عَلّمَكَه الله لا أعلمه)، وكان مبعوثاً إلى بني
إسرائيل، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «وكان النبي يُبْعَث إلى قومه خاصة
وبُعِثْتُ إلى الناس عامة»، ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الثقلين إنسهم
وجنهم، فمَنْ اعتقد أنه يسوغ لأحد الخروج عن شريعته وطاعته فهو كافر يجب قَتْله،
وكذلك مَنْ كَفَّر المسلمين أو استحل دماءهم وأموالهم ببدعة ابتدعها ليست في كتاب
الله ولا سُنّة رسوله (صلى الله عليه وسلم) فإنه يجب نَهْيه عن ذلك وعقوبته بما
يزجره ولو بالقَتْل أو القتال، فإنه إذا عوقب المعتدون من جميع الطوائف، وأُكْرِم
المتقون من جميع الطوائف كان ذلك من أعظم الأسباب التي تُرضي الله ورسوله (صلى الله
عليه وسلم) وتُصلح أمر المسلمين، ويجب على أُولي الأمر -وهم علماء كل طائفة
وأمراؤها ومشايخها- أن يقوموا على عامتهم ويأمروهم بالمعروف، وينهوهم عن المنكر،
فيأمرونهم بما أَمَرَ الله به
ورسوله (صلى الله عليه
وسلم)، وينهونهم عما نهى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فالأول:
مثل شرائع الإسلام؛ وهي: الصلوات الخمس في مواقيتها، وإقامة الجمعة والجماعات من
الواجبات والسُّنن الراتبات كالأعياد وصلاة الكسوف، والاستسقاء، والتراويح، وصلاة
الجنائز وغير ذلك، وكذلك الصدقات المشروعة، والصوم المشروع، وحج البيت الحرام، ومثل
الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره،
ومثل الإحسان وهو: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ومثل سائر ما
أَمَرَ الله به ورسوله (صلى الله عليه وسلم) من الأمور الباطنة والظاهرة، ومثل
إخلاص الدين لله، والتوكل على الله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما،
والرجاء لرحمة الله، والخشية من عذابه، والصبر لحُكم الله، والتسليم لأمر الله،
ومثل صدق الحديث، والوفاء بالعهود، وأداء الأمانات إلى أهلها، وبر الوالدين، وصلة
الأرحام، والتعاون على البر والتقوى، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين والصاحب
والزوجة والمملوك، والعدل في المقال والفعال، ثم النَّدْب إلى مكارم الأخلاق مثل:
أن تَصِلَ مَنْ قَطَعَك، وتُعطي مَنْ حَرَمَك، وتعفو عَمَّنْ ظَلَمَك، قال الله
تعالى:
﴿وَجَزَاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾[الشورى:40]
﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ
مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾[الشورى:41]
﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ
النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ﴾[الشورى:42] ﴿وَلَمَنْ
صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾[الشورى:43]،
وأما المنكر الذي نَهَى الله
عنه ورسوله فأعظمه الشرك بالله وهو: أن يدعو مع الله إلهاً آخر إما الشمس وإما
القمر، أو الكواكب، أو ملكاً من الملائكة، أو نبياً من الأنبياء، أو رجلاً من
الصالحين، أو أحداً من الجن، أو تماثيل هؤلاء أو قبورهم أو غير ذلك مما يُدْعَى من
دون الله تعالى أو يُستغاث به أو يُسْجَد له،؛فكل هذا وأشباهه من الشرك الذي حرمه
الله على لسان جميع رسله، وقد حَرّم الله قَتْل النفس بغير حقها، وأَكْل أموال
الناس بالباطل إما بالغصب وإما بالربا، أو الميسر كالبيوع والمعاملات التي نَهَى
عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وتطفيف
المكيال والميزان، والإثم والبغي بغير الحق، وكذلك مما حَرّمه الله تعالى أن يقول
الرجل على الله ما لا يعلم، مثل أن يروي عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحاديث
يجزم بها وهو لا يعلم صحتها، أو يَصِف الله بصفاتٍ لم يَنزل بها كتاب من الله ولا
أثارة من عِلْم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كانت من صفات النفي والتعطيل
مثل قول الجهمية: (إنه ليس فوق العرش ولا فوق السماوات، وإنه لا يُرى في الآخرة،
وإنه لا يتكلم ولا يُحب)، ونحو ذلك مما كَذّبوا به الله ورسوله، أو كانت من صفات
الإثبات والتمثيل مثل مَنْ يزعم أنه يمشي في الأرض أو يُجالِس الخلق أو أنهم يرونه
بأعينهم، أو أن السماوات تحويه وتحيط به، أو أنه سار في مخلوقاته إلى غير ذلك من
أنواع الفِرْية على الله، وكذلك العبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله صلى
الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ
شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾[الشورى:21]،
فإن الله شَرَعَ لعباده المؤمنين عبادات فأحدث لهم الشيطان عبادات ضاهاها بها؛ مثل:
أنه شُرِعَ لهم عبادة الله وحده لا شريك له، فَشَرَع لهم شركاء- وهي عبادة ما سواه
والإشراك به-، وشُرِعَ لهم الصلوات الخمس وقراءة القرآن فيها والاستماع له،
والاجتماع لسماع القرآن خارج الصلاة أيضاً، فأول سورة أنزلها على نبيه صلى الله
عليه وسلم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي
خَلَقَ﴾[العلق:1]
أُمِرَ في أولها بالقراءة وفي آخرها بالسجود بقوله تعالى: ﴿وَاسْجُدْ
وَاقْتَرِبْ﴾[العلق:19]،
ولهذا كان أعظم الأذكار التي في
الصلاة: قراءة القرآن، وأعظم الأفعال: السجود لله وحده لا شريك له، وقال تعالى:
﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ
كَانَ مَشْهُودًا﴾[الإسراء:78]،
وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الأعراف:204]،
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أَمَروا واحداً منهم أن يقرأ
والباقي يستمعون، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لـ أبي موسى رضي الله عنه:
ذَكِّرْنا ربنا، فيقرأ وهم يستمعون، وَمَرّ النبي صلى الله عليه وسلم بـ أبي موسى
رضي الله عنه وهو يقرأ فجعل يستمع لقراءته، فقال: «يا أبا موسى! مررت بك البارحة
فجعلت أستمع لقراءتك»، فقال: لو علمتُ لَحَبّرته لك تحبيراً،
وقال: «لله أشد أَذَنَاً - أي استماعاً- إلى الرجل يُحَسِّن الصوت بالقرآن من صاحب
القينة إلى قينته»، وهذا هو سماع المؤمنين وسلف الأُمة وأكابر المشايخ كـ معروف
الكرخي والفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ونحوهم، وهو سماع المشايخ المتأخرين
الأكابر كالشيخ عبد القادر والشيخ عدي بن مسافر والشيخ أبي مدين وغيرهم من المشايخ
رحمهم الله، وأما المشركون فكان سماعهم كما ذَكَره الله في كتابه بقوله تعالى:
﴿وَمَا
كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾[الأنفال:35]؛
قال السلف: المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق باليد..
فكان المشركون يجتمعون في المسجد الحرام يُصَفِّقون ويُصَوِّتون، يتخذون ذلك عبادة
وصلاة، فَذَمّهم الله على ذلك وجعله من الباطل الذي نُهِيَ عنه، فمَنْ اتخذ نظير
هذا السماع عِبادة وقُربة يتقرب بها إلى الله فقد ضاهى هؤلاء في بعض أمورهم، وكذلك
لم تفعله القرون الثلاثة التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولا فَعَلَه
أكابر المشايخ، وأما سماع الغناء على وجه اللعب فهذا من خصوصية الأفراح للنساء
والصبيان كما جاءت به الآثار؛ فإن دين الإسلام واسع لا حرج فيه، وعماد الدين الذي
لا يقوم إلا به هو: الصلوات الخمس المكتوبات، ويجب على المسلمين من الاعتناء بها ما
لا يجب من الاعتناء بغيرها، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب إلى عُمّاله: إن
أهم أمركم عندي الصلاة، فمَنْ حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومَنْ ضَيّعها كان لما
سواها من عمله أشد إضاعة؛ وهي أول ما أوجبه الله من العبادات.
والصلوات الخمس تَوَلى الله إيجابها بمخاطبة رسوله صلى الله عليه وسلم ليلة
المعراج، وهي آخر ما وَصّى به النبي صلى الله عليه وسلم أُمته وقت فراق الدنيا، جعل
يقول: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم»، وهي أول ما يُحَاسَب عليه العبد من عمله،
وآخر ما يُفْقَد من الدين، فإذا ذهبت ذهب الدين كله، وهي عمود الدين فمتى ذهبت سقط
الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر: الإسلام، وعموده: الصلاة، وذروة
سنامه: الجهاد في سبيل الله»، وقد قال الله في كتابه:
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ
خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾[مريم:59]،
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره: إضاعتها تأخيرها عن وقتها ولو تركوها
كانوا كفاراً،
وقال تعالى:
﴿حَافِظُوا
عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى﴾[البقرة:238]،
والمحافظة عليها: فِعْلُها في أوقاتها، وقال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ
لِلْمُصَلِّينَ﴾[الماعون:4] ﴿الَّذِينَ
هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾[الماعون:5]
وَهُم الذين يُؤَخّرونها حتى يخرج الوقت، وقد اتفق المسلمون على أنه لا يجوز تأخير
صلاة النهار إلى الليل، ولا تأخير صلاة الليل إلى النهار، لا لمسافر ولا لمريض ولا
غيرهما، لكن يجوز عند الحاجة أن يجمع المسلم بين صلاتي النهار وهي الظهر والعصر في
وقت إحداهما، ويجمع بين صلاتي الليل وهي المغرب والعشاء في وقت إحداهما، وذلك لمثل
المسافر والمريض وعند المطر، ونحو ذلك من الأعذار.
وقد أوجب الله على المسلمين أن يُصَلّوا بحسب طاقتهم، كما قال الله تعالى:
﴿فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن:16]،
فعلى الرجل أن يصلي بطهارة كاملة وقراءة كاملة وركوع وسجود كامل، فإن كان عادماً
للماء أو يتضرر باستعماله لمرض أو برد أو غير ذلك وهو مُحْدِث أو جُنُب يتيمم
الصعيد الطيب وهو التراب يمسح به وجهه ويديه ويصلي؛ ولا يؤخرها عن وقتها باتفاق
العلماء، وكذلك إذا كان محبوساً، أو مُقَيّداً، أو زَمِناً، أو غير ذلك صلى على حسب
حاله، وإذا كان بإزاء عدوه صلى أيضاً صلاة الخوف، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا
ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ
الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ
كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا﴾[النساء:101]
﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ
الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ﴾[النساء:102]
إلى قوله: ﴿وَلْيَأْخُذُوا
حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾[النساء:102]
إلى قوله: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾[النساء:103]،
ويجب على أهل القُدرة من
المسلمين أن يأمروا بالصلاة كل أحد من الرجال والنساء حتى الصبيان، قال النبي صلى
الله عليه وسلم: «مُرُوْهُم بالصلاة لسبع، واضربوهم على تَرْكها لعشر، وفَرِّقوا
بينهم في المضاجع»، والرجل البالغ إذا امتنع من صلاة واحدة من الصلوات الخمس، أو
تَرَك بعض فرائضها المتفق عليها؛ فإنه يُستتاب فإن تاب وإلا قُتِل، فمِنْ العلماء
مَنْ يقول: يكون مرتداً كافراً لا يُصَلّى عليه ولا يُدْفَن بين المسلمين، ومنهم
مَنْ يقول: يكون كقاطع الطريق وقاتل النفس والزاني المحصن، وَأَمْر الصلاة عظيم
شأنها أن تُذْكَر هاهنا، فإنها قِوام الدين وعماده، وتعظيمه تعالى لها في كتابه فوق
جميع العبادات، فإنه سبحانه يخصها بالذِّكْر تارة، ويقرنها بالزكاة تارة، وبالصبر
تارة، وبالنُّسُك تارة؛ كقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾[البقرة:43]،
وقوله:
﴿وَاسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾[البقرة:45]،
وقوله: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[الكوثر:2]،
وقوله: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الأنعام:162]
﴿لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ
وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾[الأنعام:163]،
وتارةً يفتتح بها أعمال البر
ويختمها بها كما ذَكَرَه في سورة ﴿سَأَلَ
سَائِلٌ﴾[المعارج:1]،
وفي أول سورة المؤمنين، قال تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾[المؤمنون:1]
﴿الَّذِينَ
هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾[المؤمنون:2]
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ
مُعْرِضُونَ﴾[المؤمنون:3]
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ
فَاعِلُونَ﴾[المؤمنون:4]
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ
حَافِظُونَ﴾[المؤمنون:5]
﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾[المؤمنون:6]
﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾[المؤمنون:7]
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ
وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾[المؤمنون:8]
﴿وَالَّذِينَ
هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾[المؤمنون:9]
﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾[المؤمنون:10]
﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ﴾[المؤمنون:11]
فنسأل الله العظيم أن يجعلنا
وإياكم مِن الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله وحده
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً