صفحة جديدة 1
صفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
استقبال الكعبة
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصلاة استقبل الكعبة
في الفرض والنفل، وأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك؛ فقال لـ
(المسيء صلاته): إذا قمتَ إلى الصلاة فأسْبِغ الوضوء، ثم استقبل القِبْلة، فَكَبِّر
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السفر يُصلي النوافل على راحلته، ويُوتر
عليها حيث توجهت به شرقاً وغرباً، وفي ذلك نزل قوله تعالى:
﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ
وَجْهُ اللَّهِ﴾[البقرة:115].
وكان أحياناً صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يتطوع على ناقته استقبل بها القِبْلة
فكَبّر، ثم صلّى حيث وجّهه رِكابُه، وكان يركع ويسجد على راحلته إيماءً برأسه،
ويجعل السجود أخفض من الركوع.
وكان إذا أراد أن يصلي الفريضة نزل فاستقبل القِبْلة
وأما في صلاة الخوف الشديد فقد سنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُمّته أن
يصلوا رجالاً، قياماً على أقدامهم، أو رُكباناً، مُستقبلي القبلة، أو غير
مستقبليها.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا اختلطوا؛ فإنما هو التكبير والإشارة
بالرأس».
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «ما بين المشرق والمغرب قِبْلة».
وقال جابر رضي الله عنه: كُنّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
مسيرةٍ أو سريَّة فأصابنا غَيْم، فتحرَّينا واختلفنا في القِبْلة؛ فصلى كلُّ رجل
منا على حدة، فجعل أحدنا يخطُّ بين يديه؛ لنعلم أمكنتنا، فلما أصبحنا نظرناه، فإذا
نحن صلينا على غير القِبْلة، فذكرنا ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فلم يأمرنا بالإعادة، وقال: «قد أجزأت صلاتكم».
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي نحو بيت المقدس- والكعبة بين يديه-
قبل أن تنزل هذه الآية:
﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ
قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾[البقرة:144]،
فلما نزلت استقبلَ الكعبة.
فبينما الناس بقُباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إنَّ رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أُنزل عليه الليلة قرآن، وقد أُمِرَ أن يستقبل
الكعبة؛ ألا فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا واستدار إمامهم حتى
استقبل بهم القِبْلة.
القيام
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقف فيها قائماً في الفرض والتطوع ائتماراً
بقوله تعالى:
﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾[البقرة:238].
وأما في السفر: فكان يصلي على راحلته النافلة، وسَنَّ لأمته أن يصلوا في الخوف
الشديد على أقدامهم أو ركباناً- كما تقدم-، وذلك قوله تعالى:
﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ
قَانِتِينَ﴾[البقرة:238].
وصلّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضِ موته جالساً، وصلاها كذلكَ مرةً
أخرى قبل هذه حينَ اشتكى، وصلّى الناسُ وراءَهُ قياماً، فأشارَ إليهم أنِ اجْلِسُوا
فجلسوا، فلما انصرفَ قال: «إن كِدْتُم آنفاً لتفعلون فِعْلَ فارسَ والروم: يقومون
على مُلوكهم وهم قُعود، فلا تفعلوا؛ إنما جُعِلَ الإمامُ ليُؤْتَمَّ به، فإذا ركع
فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلُّوا جلوساً أجمعون».
صلاة المريض جالساً
وقال عمرانُ بن حصين رضي الله عنهما: كانت بي بَوَاسير فسألت رسولَ الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، فقال: «صلِّ قائماً، فإنْ لم تستطعْ فقاعداً، فإن لم
تستطعْ فعلى جنبٍ».
وقال أيضاً: سألتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صلاةِ الرجل وهو قاعد؟
فقال: «مَنْ صلّى قائماً فهو أفضلُ، ومَنْ صلّى قاعداً فَلَه نصف أجر القائم، ومَنْ
صَلّى نائماً (وفي رواية: مضطجعاً) فَلَه نصف أجر القاعد».
والمراد به المريض؛ فقد قال أنس رضي الله عنه: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ناس وهم يُصَلّون قعوداً من مرض، فقال: إن صلاة القاعد على
النصف من صلاة القائم.
وعاد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مريضاً، فرآه يُصلي على وسادة فأخذها فرمى
بها، فأخذ عوداً ليصلي عليه، فأخذه، فرمى به، وقال: «صلِّ على الأرض إن استطعت،
وإلا.. فَأَوْمِ إيماءً، واجعل سجودك أخفض من ركوعك».
الصلاةُ في السَّفِينة
وسُئل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة في السفينة؟ فقال: «صَلِّ فيها
قائماً؛ إلا أن تخاف الغرق».
ولمَّا أسنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكَبِر اتخذ عموداً في مُصلاه
يعتمد عليه.
القيام والقُعود في صلاة الليل
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً
قاعداً، وكان إذا قرأ قائماً ركع قائماً، وإذا قرأ قاعداً ركع قاعداً.
وكان أحياناً يُصلي جالساً فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين
أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم، ثم ركع وسجد، ثم يصنع في الركعة الثانية مثل
ذلك.
وإنما صلى السُّبحَة قاعداً في آخر حياته لما أسَنَّ؛ وذلك قبل وفاته بعام.
وكان يجلس مَتَرَبّعاً.
الصلاةُ في النِّعال والأمْرُ بها
وكان يقف حافياً أحياناً، ومنتعلاً أحياناً، وأباح ذلك لأمته؛ فقال: «إذا صلى أحدكم
فليلبس نعليه، أو ليخلعهما بين رجليه، ولا يُؤْذِي بهما غيره».
وأَكّد عليهم الصلاة فيهما أحياناً؛ فقال: «خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يُصَلّون في
نعالهم ولا خِفافهم».
وكان ربما نزعهما من قدميه وهو في الصلاة، ثم استمر في صلاته؛ كما قال أبو سعيد
الخدري رضي الله عنه: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات
يوم، فلمّا كان في بعض صلاته؛ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فلمّا رأى الناس ذلك
خلعوا نعالهم، فلمّا قضى صلاته؛ قال: «ما بالكم ألقيتم نعالكم؟»، قالوا: رأيناك
ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال: «إن جبريل أتاني، فأخبرني أن فيهما قذراً- أو
قال: أذى- (وفي رواية: خَبَثاً) فألقيتهما، فإذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر في
نعليه: فإن رأى فيهما قذراً- أو قال: أذى- (وفي الرواية الأخرى: خَبثاً) فليمسحهما،
ولْيصلِّ فيهما.
وكان إذا نزعهما وضعهما عن يساره، وكان يقول: «إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن
يمينه ولا عن يساره، فتكونَ عن يمين غيره؛ إلا أن لا يكون عن يساره أحد، وليضعهما
بين رجليه».