صفحة جديدة 1
العلم والتعليم
كانت العرب أمة أمية لا تشغل نفسها بالعلم فلما أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق
نص كثيراً على فضل العلم والتعليم والتعلم..
قال تعالى في فضل العلم
﴿يَرْفَعِ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة:11].
وقال:
﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾[الزمر:9].
وقال عليه الصلاة والسلام:
«من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين»
وُيلهمه رشده.
وقال:
«العلماء ورثة الأنبياء».
ومما قاله سبحانه وتعالى في فضل التعلُّم:
﴿
فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ﴾[التوبة:122].
﴿فَاسْأَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[النحل:43].
وقال عليه الصلاة والسلام:
«مَنْ سلك طريقاً يطلب به علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة».
وقال:
«باب من العلم يتعلمه الرجل خير من الدنيا وما فيها»
ومما جاء في فضل التعليم:
قوله تعالى:
﴿وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ﴾[التوبة:122]. فجعل ثمرة العلم التعليم.
وقال:
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ﴾[آل
عمران:187].
وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ
حين بعثه مُعلِّماً لأهل اليمن:
«لأن يهدي الله بك رجلاً
واحداً خيرٌ من الدنيا وما فيها».
وقال:
«نِعْم العطية، ونِعْم الهدية كلمة حكمة تسمعها فتطوي عليها، ثم
تحملها إلى أخ لك مسلم تُعلّمه إياها تعدل عِبادة سنة».
وقال:
«مَثَل ما بعثني الله عز وجل به من الهُدى والعلم كمَثَل الغيث الكثير
أصاب أرضاً فكانت منها بقعة قَبِلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها
بقعة أمسكت الماء فنفع الله عز وجل بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وكانت منها
طائفةٌ قيعان لا تُمسِك ماءً ولا تُنبِت كلأً»؛
الأول: مَثَل للمُنتَفِع بعلمه.
والثاني: مَثَل للنافِع بعلمه.
والثالث: مَثَل للمحروم منهما..
فكانت هذه الآيات القرآنية
والأحاديث المحمدية حاضة للأمة الإسلامية على العلم وتعليمه وتَعَلُّمه..
والعلم الذي حضّ الشرع على تَعلّمه
هو الذي يوصل الإنسان إلى سعادته الأخروية والراحة في الدنيا..
وها نحن نسوق لك العلوم التي كانت
تُعلَّم في العصر الأول فنقول:
القرآن
كان أفضل ما يتعلّمه المتعلمون في
العصر الأول هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وما لم يعرفه الإنسان كان
مُقَلِّداً في إيمانه وهذا نَقْصٌ لا ينبغي لمسلم الاتصاف به..
ولا نعني بتعلُّمه حِفْظَه عن ظهر
قلب لأن هذا لا يتيسر لكثير من أفراد الأُمة، بل نقصد قراءته بتدبر وتفهُّم ليعلم
المسلم أوامره وزواجره فيقف عند حدّه..
وكان القرآن في عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم محفوظاً في صدور الحُفّاظ، ولم يكن مجموعاً في مصحف، فلمّا كانت
خلافة أبي بكر ومات كثير من حُفّاظ القرآن في وقعة اليمامة رأى رضي الله عنه أن
يجمع القرآن في مصحف بعد أن أشار عليه بذلك عمر بن الخطاب..
فقال: كيف أفعل شيئاً لم يفعله
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
فلم يزل به حتى شرح الله صدره
لذلك، فندب لهذا العمل العظيم كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد الذين
جمعوا القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم وهو زيد بن ثابت الأنصاري..
فقال: كيف أفعل شيئاً لم يفعله
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
فلم يزل به أبو بكر حتى شرح الله
صدره لما شرح له صدر أبي بكر وعمر..
فقام بهذا العمل خير قيام،
وجَمَعَه من العُسُب واللَّخاف وصدور الرجال، ورَتّبه كما كان مُرتَّباً في عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ولمّا كان يكتب سورة التوبة وأتى
على قوله تعالى:
﴿صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾[التوبة:127]
ظنّها آخر السورة فجاءه خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين وقال: لقد أقرأني رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعدها
﴿لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[التوبة:128].
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ
حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾[التوبة:129] فكتبها..
وحقق الله بعمل أبي بكر ما قاله
في سورة الحجر:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر:9].
فلمّا كان في مُدة عثمان بن عفان
وتفرّق القراء في الأمصار كان بينهم اختلاف في الإقراء لاختلاف اللغات، فرأى حذيفة
بن اليمان أن اختلافاً كهذا بين الأمة يؤدي إلى شِقاق وفساد، وأنهى ذلك إلى عثمان
وحذّره من سوء العُقبى..
فرأى عثمان أن يجمع الأمة على مصحف
واحد يُكتَب بلغة قريش.
فجمع ستة من كبار القراء فيهم زيد
بن ثابت وأمرهم بذلك وقال لهم: إن اختلفتم في شيء فاكتبوه بلسان قريش، فكتبوا عِدّة
مصاحف سَيَّرها إلى الأمصار، وأبقى واحداً عنده وهذا المصحف هو الذي بين أيدينا
الآن، وهو الذي أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه..
فَجَزى الله أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم أفضل ما جازى هُداة قوم عن أُمّتهم..
وهذا الذي نقلناه في جمْع القرآن
هو ما ورد في صحيح البخاري والإتقان للسيوطي.