صفحة جديدة 2
لكن المقصود هنا هو التوحيد العملي
وهو إخلاص الدين لله وان كان أحد النوعين مرتبطاً بالأخر فلا يوجد أحد من أهل
التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة إلا وفيه نوع من الشرك العملي؛ إذ أصل قولهم
فيه شرك وتسوية بين الله وبين خلقه، أو بينه وبين المعدومات..
كما يسوي المعطلة بينه وبين
المعدومات في الصفات السلبية التي لا تستلزم
مدحاً ولا ثبوت كمال، أو يسوون
بينه وبين الناقص من الموجودات في صفات النقص وكما يسوي إذا أثبتوا هم ومن ضاهاهم
من الممثلة بينه وبين المخلوقات في حقائقها حتى قد يعبدونها فيعدونها فيعدلون بربهم
ويجعلون له أندادا ويسوون المخلوقات برب
العالمين.
واليهود كثيراً ما يعدلون الخالق
بالمخلوق ويمثلونه به حتى يصفوا الله بالعجز والفقر والبخل ونحـو ذلك من النقائص
التي يجب تنزيهه عنها وهى من صفات خلقه..
والنصارى كثيــراً ما يعدلون
المخلوق بالخالق حتى يجعلوا في المخلوقات من نعوت الربوبية وصفات الإلهية ويجوزون
له ما لا يصلح إلا للخالق سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً
كبيراً.
والله سبحانه وتعالى قد أمرنا أن
نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين غير المغضوب عليهم ولا الضالين..
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اليهود
مغضوب عليهم والنصارى ضالون وفى هذه الأمة من فيه شبه من هؤلاء وهؤلاء»..
كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم:
«لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب
لدخلتموه» قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال:
«فمن؟» والحديث في الصحيحين.
فإذا كان أصل العمل الديني هو
إخلاص الدين لله وهو إرادة الله وحده فالشيء المراد
لنفسه هو المحبوب لذاته وهذا كمال المحبة لكن أكثر ما جاء المطلوب مسمى باسم
العبادة كقوله: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون..
وقوله: يا أيها الناس أعبدوا ربكم
الذي خلقكم والذين من قبلكم..
وأمثال هذا..
والعبادة تتضمن كمال الحب ونهايته
وكمال الذل ونهايته؛ فالمحبوب الذي لا يعظم ولا يذل له لا يكون معبوداً، والمعظم
الذي لا يحب
لا يكون معبودا؛ً ولهذا قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله
أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله..
فبين سبحانه أن المشركين بربهم
الذين يتخذون من دون
الله أندادا وإن كانوا يحبونهم كما
يحبون الله فالذين آمنوا أشد حباً لله منهم لله
ولأوثانهم لأن المؤمنين أعلم بالله..
والحب يتبع العلم ولأن المؤمنين
جعلوا جميع حبهم لله وحده وأولئك جعلوا بعض حبهم لغيره وأشركوا بينه وبين الأنداد
في الحب ومعلوم أن ذلك أكمل..
قال تعالى:
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ
وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾.