صفحة جديدة 1
اَلتَّفَاسِيرُ
أَحْسَنُ اَلتَّفَاسِيرِ مِثْلُ
تَفْسِيرِ عَبْدِ اَلرَّزَّاقِ وَوَكِيعٍ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، ودُحَيْمٍ،
وَتَفْسِيرِ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَبَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ، وَابْنِ
اَلْمُنْذِرِ، وَسُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ، وسُنَيْدٍ؛ وَتَفْسِيرِ اِبْنِ
جَرِيرٍ، وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ اَلْأَشَجِّ، وَابْنِ مَاجَهْ،
وَابْنِ مَرْدُوَيْهِ، وَالْبَغَوِيِّ، وَابْنِ كَثِيرٍ.
(وَحدَّثَ) وَحَدَثَ
طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ اَلْبِدَعِ تَأَوَّلُوا كَلَامَ اَللَّهِ عَلَى آرَائِهِمْ؛
تَارَةً: يَسْتَدِلُّونَ
بِآيَاتِ اَللَّهِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ..
وَتَارَةً: يَتَأَوَّلُونَ مَا
يُخَالِفُ مَذْهَبَهُمْ، كَالْخَوَارِجِ، وَالرَّافِضَةِ، وَالْجَهْمِيَّةِ،
وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، وَالْمُرْجِئَةِ، وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ اَلشَّيْخُ:
وَأَعْظَمُهُمْ جِدَالًا اَلْمُعْتَزِلَةُ، وَقَدْ صَنَّفُوا تَفَاسِيرَ عَلَى
أُصُولِ مَذْهَبِهِمْ، مِثْلَ تَفْسِيرِ اِبْنِ كَيْسَانَ اَلْأَصَمِّ،
وَالْجُبَّائِيِّ، وَعَبْدِ اَلْجَبَّارِ اَلْهَمْدَانِيِّ، وَالرُّمَّانِيِّ،
وَالْكَشَّافِ..
وَوَافَقَهُمْ مُتَأَخِّرُوا
اَلشِّيعَةِ، كَالْمُفِيدِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ اَلطُّوسِيِّ؛ اِعْتَقَدُوا رَأْيًا،
ثُمَّ حَمَلُوا أَلْفَاظَ اَلْقُرْآنِ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ حَسَنُ اَلْعِبَارَةِ،
يَدُّسُ اَلْبِدَعَ فِي كَلَامِهِ كَصَاحِبِ اَلْكَشَّافِ، حَتَّى إِنَّهُ يَرُوجُ
عَلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ.
وَذَكَرَ: أَنَّ تَفْسِيرَ
اِبْنِ عَطِيَّةَ، وَأَمْثَالِهِ، وَإِنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْ تَفْسِيرِ
اَلزَّمَخْشَرِيِّ، لَكِنَّهُ يَذْكُرُ مَا يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ
اَلْمُحَقِّقِينَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ اَلْكَلَامِ،
اَلَّذِينَ قَرَّرُوا أُصُولَهُمْ بِطُرُقٍ مِنْ جِنْسِ مَا قَرَّرَتْ بِهِ
اَلْمُعْتَزِلَةُ.
وَذَكَرَ اَلَّذِينَ أَخْطَئُوا
فِي اَلدَّلِيلِ، مِثْلَ كَثِيرٍ مِنْ اَلصُّوفِيَّةِ، وَالْوُعَّاظِ،
وَالْفُقَهَاءِ، وَغَيْرِهِمْ؛ يُفَسِّرُونَ اَلْقُرْآنَ بِمَعَانٍ صَحِيحَةٍ،
لَكِنَّ اَلْقُرْآنَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، مِثْلَ كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي حَقَائِقِ اَلتَّفْسِيرِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا
ذَكَرُوهُ مَا هُوَ مَعَانٍ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي اَلْخَطَأِ فِي
اَلدَّلِيلِ، وَالْمَدْلُولِ جَمِيعًا، حَيْثُ يَكُونُ اَلْمَعْنَى اَلَّذِي
قَصَدُوهُ فَاسِدًا.
وَبِالْجُمْلَةِ: مَنْ عَدَلَ
عَنْ مَذَاهِبِ اَلصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَتَفْسِيرِهِمْ إِلَى مَا
يُخَالِفُ ذَلِكَ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ، بَلْ مُبْتَدِعًا، وَإِنْ كَانَ
مُجْتَهِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ؛ فَالْمَقْصُودُ: بَيَانُ طُرُقِ اَلْعَلَمِ
وَأَدِلَّتِهِ، وَطُرُقِ اَلصَّوَابِ.
سَبَبُ اَلِاخْتِلَافِ
مِنْهُ: مَا مُسْتَنَدُهُ
اَلنَّقْلُ، أَوْ اَلِاسْتِدْلَالُ.
وَالْمَنْقُولُ: إِمَّا عَنْ
اَلْمَعْصُومِ، أَوْ لَا.
فَالْمَقْصُودُ: وَإِذَا جَاءَ عَنْهُ مِنْ جِهَتَيْنِ أَوْ جِهَاتٍ مِنْ غَيْرِ
تَوَاطُؤ فَصَحِيحٌ، وَكَذَا اَلْمَرَاسِيلُ إِذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهَا، وَخَبَرُ
اَلْوَاحِدِ إِذَا تَلَقَّتْهُ اَلْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ أَوْجَبَ اَلْعِلْمَ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي قَبُولِ
اَلْخَبَرِ إِجْمَاعُ أَهْلِ اَلْحَدِيثِ، وَلَهُ أَدِلَّةٌ يُعْرَفُ بِهِ أَنَّهُ
صِدْقٌ، وَعَلَيْهِ أَدِلَّةٌ يُعْرَفُ بِهَا أَنَّهُ كَذِبٌ، كَمَا فِي تَفْسِيرِ
اَلثَّعْلَبِيِّ، وَالْوَاحِدِيِّ، وَاَلزَّمَخْشَرِيِّ، وَأَمْثَالِهَا، وَهُوَ
قَلِيلٌ فِي تَفَاسِيرِ اَلسَّلَفِ..
وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ
اَلصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ إِلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ
بَعْضِ اَلتَّابِعِينَ..
وَالْإِسْرَائِيلِيَّاتُ تُذْكَرُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا
لِلِاعْتِمَادِ:
** وَمَا عُلِمَتْ صِحَّتُهُ
مِمَّا شَهِدَ لَهُ اَلشَّرْعُ فَصَحِيحٌ، وَمَا خَالَفَهُ فَيُعْتَقَدُ كَذِبُهُ..
** وَمَا لَمْ يُعْلَمْ
حُكْمُهُ فِي شَرْعِنَا لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُكَذَّبُ؛ وَغَالِبُهُ لَا فَائِدَةَ
فِيهِ..
وَالْخَطَأُ اَلْوَاقِعُ فِي اَلِاسْتِدْلَالِ مِنْ جِهَتَيْنِ:
حَدَّثْنَا عَمَّنْ تَقَدَّمَ
ذِكْرُهُمْ مِنْ اَلْمُبْتَدِعَةِ بَعْدَ تَفْسِيرِ اَلصَّحَابَةِ،
وَالتَّابِعِينَ، وَتَابِعِيهِمْ؛ اِعْتَقَدُوا مَعَانِيَ، حَمَلُوا أَلْفَاظَ
اَلْقُرْآنِ عَلَيْهَا، أَوْ فَسَّرُوهُ بِمُجَرَّد مَا يُسَوِّغُ أَنْ يُرِيدُوهُ
مِمَّا لَا يَدُلُّ عَلَى اَلْمَرَادِ مِنْ كَلَامِ اَللَّهِ بِحَالٍ؛ وَتَبِعَهُمْ
كَثِيرٌ مِنْ اَلْمُتَفَقِّهَةِ لِضَعْفِ آثَارِ اَلنُّبُوَّةِ، وَالْعَجْزِ،
وَالتَّفْرِيطِ، حَتَّى كَانُوا يَرْوُونَ مَا لَا يَعْلَمُونَ صِحَّتَهُ.
وَقَدْ يَكُونُ اَلِاخْتِلَافُ
لِخَفَاء اَلدَّلِيلِ وَالذُّهُولِ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ،
وَقَدْ يَكُونُ لِلْغَلَطِ فِي فَهْمِ اَلنَّصِّ، وَقَدْ يَكُونُ لِاعْتِقَادِ
مُعَارِضٍ رَاجِحٍ.
اَلتَّفْسِيرُ
اَلتَّفْسِيرُ: كَشْفُ مَعَانِي اَلْقُرْآنِ وَبَيَانُ اَلْمُرَادِ مِنْهُ.
قِيلَ: بَعْضُهُ يَكُونُ مِنْ
قِبَلِ اَلْأَلْفَاظِ اَلْوَجِيزَةِ، وَكَشْفِ مَعَانِيَهَا، وَبَعْضُهُ مِنْ
قِبَلِ تَرْجِيحِ بَعْضِ اَلِاحْتِمَالَاتِ عَلَى بَعْضٍ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ
اَلتَّفْسِيرَ مِنْ فُرُوضِ اَلْكِفَايَاتِ.
وَهُوَ أَجَلُّ اَلْعُلُومِ
اَلشَّرْعِيَّةِ، وَأَشْرَفُ صِنَاعَةٍ يَتَعَاطَاهَا اَلْإِنْسَانُ.
وَالْمُعْتَنِي بِغَرِيبِهِ لَا بُدّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ:
اَلْحُرُوفِ، وَأَكْثَرُ مَنْ
تَكَلَّمَ فِيهَا اَلنُّحَاةُ.
وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ؛
وَأَكْثَرُ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا اَللُّغَوِيُّونَ..
وَمِنْهُ: مَعْرِفَةُ مَا
وُضِعَ لَهُ اَلضَّمِيرُ وَمَا يَعُودُ عَلَيْهِ، وَالتَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ،
وَالتَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ، وَالْخِطَابُ بِالِاسْمِ وَالْفِعْلِ.
وَأَوْلَى مَا يُرْجِعُ فِي
غَرِيبِهِ إِلَى: تَفْسِيرِ اِبْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِ، وَدَوَاوِينِ اَلْعَرَبِ،
وَيُبْحَثُ عَنْ كَوْنِ اَلْآيَةِ مُكَمِّلَةً لِمَا قَبْلهَا أَوْ مُسْتَقِلَّةً،
وَمَا وَجْهُ مُنَاسَبَتِهَا لِمَا قَبْلهَا، وَكَذَا اَلسُّوَرُ.
وَعَنْ اَلْقِرَاءَةِ
اَلْمُتَوَاتِرَةِ اَلْمَشْهُورَةِ وَالْآحَادِ، وَكَذَا اَلشَّاذَّةُ؛ فَإِنَّهَا
تُفَسِّرُ اَلْمَشْهُورَةَ وَتُبَيِّنُ مَعَانِيَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا تَجُوزُ
اَلْقِرَاءَةُ بِالشَّاذَّةِ إِجْمَاعًا.
اَلتِّلَاوَةُ
تُسْتَحَبُّ تِلَاوَةُ
اَلْقُرْآنِ عَلَى أَكْمَلِ اَلْأَحْوَالِ، وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا، وَهُوَ
أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ اَلذِّكْرِ..
وَالتَّرْتِيلُ أَفْضَلُ مِنْ
اَلسُّرْعَةِ مَعَ تَبْيِينِ اَلْحُرُوفِ وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي اَلْقَلْبِ..
وَيَنْبَغِي إِعْطَاءُ
اَلْحُرُوفِ حَقَّهَا وَتَرْتِيبَهَا وَتَلْطِيفَ اَلنُّطْقِ بِهَا مِنْ غَيْرِ
إِسْرَافٍ وَلَا تَعَسُّفٍ وَلَا تَكَلُّفٍ..
وَيُسَنُّ تَحْسِينُ
اَلصَّوْتِ، وَالتَّرَنُّمُ بِخُشُوعٍ وَحُضُورِ قَلْبٍ، وَتَفَكُّرٍ وَتَفَهُّمٍ
يُنْفِذُ اَللَّفْظَ إِلَى اَلْأَسْمَاعِ، وَالْمَعَانِيَ إِلَى اَلْقُلُوبِ..
قَالَ اَلشَّيْخُ فِي
«زَيِّنُوا اَلْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ»: هُوَ اَلتَّحْسِينُ، وَالتَّرَنُّمُ
بِخُشُوعٍ، وَحُضُورِ قَلْبٍ.
لَا صَرْفُ اَلْهِمَّةِ إِلَى
مَا حُجِبَ بِهِ أَكْثَرُ اَلنَّاسِ مِنْ اَلْوَسْوَسَةِ فِي خُرُوجِ اَلْحُرُوفِ،
وَتَرْقِيقِهَا، وَتَفْخِيمِهَا، وَإِمَالَتِهَا، وَالنُّطْقِ بِالْمَدِّ
اَلطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ..
شُغْلُهُ بِالْوَصْلِ،
وَالْفَصْلِ، وَالْإِضْجَاعِ، وَالْإِرْجَاعِ، وَالتَّطْرِيبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ
مِمَّا هُوَ مُفْضٍ إِلَى تَغْيِيرِ كِتَابِ اَللَّهِ وَالتَّلَاعُبِ بِهِ حَائِلٌ
لِلْقُلُوبِ قَاطِعٌ لَهَا عَنْ فَهْمِ مُرَادِ اَلرَّبِّ مِنْ كَلَامِهِ..
وَمَنْ تَأَمَّلَ هَدْيَ
رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِقْرَارَهُ أَهْلَ كُلِّ لِسَانٍ عَلَى
قِرَاءَتِهِمْ تَبَيَّنَ لَهُ: أَنَّ اَلتَّنَطُّعَ بِالْوَسْوَسَةِ فِي إِخْرَاجِ
اَلْحُرُوفِ لَيْسَ مِنْ سُنَّتِهِ.
وَقَالَ: يُكْرَهُ
اَلتَّلْحِينُ اَلَّذِي يُشْبِهُ اَلْغِنَاءَ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ
اَلْقِرَاءَةَ فِي اَلْمُصْحَفِ، وَيُسْتَحَبُّ اَلْخَتْمُ كُلَّ أُسْبُوعٍ،
وَالدُّعَاءُ بَعْدَهُ، وَتَحْسِينُ كِتَابَةِ اَلْمُصْحَفِ، وَلَا يُخَالِفُ خَطَّ
مُصْحَفِ عُثْمَانَ فِي وَاوٍ، أَوْ يَاءٍ، أَوْ أَلِفٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ،
وَيَحْرُمُ عَلَى اَلْمُحْدِثِ مَسُّهُ، وَسَفَرٌ بِهِ لِدَار حَرْبٍ؛ وَيَجِبُ
اِحْتِرَامُهُ.
وَصَلَّى اَللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ، وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.