صفحة جديدة 10
ففِي
«الصَّحِيحِ» عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا
حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وقولوا:
آمنا بالله ورسله، فَإِمَّا أَنْ يُحَدِّثُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوهُ، وقولوا:
آمنا بالله ورسله وَإِمَّا أَنْ يُحَدِّثُوكُمْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوهُ».
وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ «بَعْضِ التَّابِعِينَ» وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ
أَخَذَهُ عَنْ «أَهْلِ الكِتَابِ»، فَمَتَى اخْتَلَفَ «التَّابِعُونَ» لَمْ يَكُنْ
بَعْضُ أَقْوَالِهِمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ.
وما
نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنْ [بَعْضِ] «الصَّحَابَةِ» نَقْلاً «صَحِيحاً» فَالنَّفْسُ
إِلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ «التَّابِعِينَ»؛ لأَنَّ احْتِمَالَ
أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ
سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى؛ وَلأَنَّ نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ «أَهْلِ الكِتَابِ»
أَقَلُّ مِنْ نَقْلِ «التَّابِعِينَ»، وَمَعَ جَزْمِ «الصَّحَابِيِّ» بِمَا
يَقُولُهُ: كَيْفَ يُقَالُ إِنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ «أَهْلِ الكِتَابِ»، وَقَدْ
نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ؟
وَالمَقْصُودُ: أَنَّ الاخْتِلَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ صَحِيحُهُ، وَلَا يُفِيدُ
حِكَايَةُ الأَقْوَالِ فِيهِ، هُوَ كَالمَعْرِفَةِ لَمَا يُرْوَى مِنَ الحَدِيثِ
الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الأَوَّلُ الَّذِي يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ «الصَّحِيحِ» مِنْهُ
فَهَذَا مَوْجُودٌ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَللهِ الحَمْدُ، فَكَثِيراً مَا
يُوجَدُ فِي: «التَّفْسِيرِ»، وَ«الحَدِيثِ»، وَ«المَغَازِي» أُمُورٌ مَنْقُولَةٌ
عَنْ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم ، وَغَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ
اللهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ - وَالنَّقْلُ «الصَّحِيحُ» يَدْفَعُ ذَلِكَ- بَلْ
هَذَا مَوْجُودٌ فِيمَا مُسْتَنَدُهُ النَّقْلُ، وَفِيمَا يُعْرَفُ بِأُمُورٍ
أَخْرَى غَيْرِ النَّقْلِ.
فَالمَقْصُودُ أَنَّ المَنْقُولَاتِ الَّتِي يُحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي الدِّينِ قَدْ
نَصَبَ اللهُ الأَدِلَّةَ عَلَى بَيَانِ مَا فِيهَا مِنْ «صَحِيحٍ» وَغَيْرِهِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ المَنْقُولَ فِي «التَّفْسِيرِ» أَكْثَرُهُ كَالمَنْقُولِ فِي «المَغَازِي»،
وَ«المَلَاحِمِ».
وَلِهَذَا قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: «ثَلَاثَةُ أُمُورٍ لَيْسَ لَهَا إِسْنَادٌ:
التَّفْسِيرُ، وَالمَلَاحِمُ، وَالمَغَازِي».
وَيُرْوَى: «لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ». أَيْ: إِسْنَادٌ؛ لأَنَّ الغَالِبَ عَلَيْهَا
«المَرَاسِيلُ»؛ مِثْلُ مَا يَذْكُرُهُ: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ،
وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ،
وَمَنْ بَعْدَهُمُ؛ كَـ: يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمُوِيِّ، وَالوَلِيدِ بْنِ
مُسْلِمٍ، وَالوَاقِدِيِّ، وَنَحْوِهِمْ مِنْ كُتَّابِ المَغَازِي.