HTML Editor - Full Version
واذا كان العبد مخلصا له اجتباه ربه فيحي قلبه واجتذبه اليه فينصرف عنه ما يضاد ذلك من السوء والفحشاء ويخاف من حصول ضد ذلك بخلاف القلب الذى لم يخلص لله فانه فى طلب وارادة وحب مطلق فيهوى ما يسنح له ويتشبث بما يهواه كالغصن اى نسيم مر بعطفه اماله فتارة تجتذبه الصور المحرمة وغير المحرمة فيبقى اسيرا عبدا لمن لو اتخذه هو عبدا له لكان ذلك عيبا ونقصا وذما وتارة يجتذبه الشرف والرئاسة فترضيه الكلمة وتغضبه الكلمة ويستعبده من يثنى عليه ولو بالباطل ويعادى من يذمه ولو بالحق وتارة يستعبده الدرهم والدينار وامثال ذلك من الأمور التى تستعبد القلوب والقلوب تهواها فيتخذ الهه هواه ويتبع هواه بغير هدى من الله ومن لم يكن خاصا لله عبدا له قد صار قلبه معبدا لربه وحده لا شريك له بحيث يكون الله احب اليه من كل ما سواه ويكون ذليلا له خاضعا والا استعبدته الكائنات واستولت على قلبه الشياطين وكان من الغاوين اخوان الشياطين وصار فيه من السوء والفحشاء ما لا يعلمه الا الله وهذا امر ضرورى ولا حيلة فيه فالقلب ان لم يكن حنيفا مقبلا على الله معرضا عما سواه والا كان مشركا قال تعالى {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثرالناس لا يعلمون} الى قوله {كل حزب بما لديهم فرحون}.
وقد جعل الله سبحانه ابراهيم وآل ابراهيم أئمة لهؤلاء الحنفاء المخلصين اهل المحبة لله وعبادته واخلاص الدين له كما جعل فرعون وآل فرعون أئمة المشركين المتبعين اهواءهم قال تعالى فى ابراهيم {ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا واوحينا اليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} وقال فى فرعون {وقومه وجعلناهم أئمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون واتبعناهم فى هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين}.
ولهذا يصير اتباع فرعون اولا الى ان لا يميزوا بين ما يحبه الله ويرضاه وبين ما قدر الله وقضاه بل ينظرون الى المشيئة المطلقة الشاملة ثم فى آخر الأمر لا يميزون بين الخالق والمخلوق بل يجعلون وجود هذا وجود هذا ويقول محققوهم الشريعة فيها طاعة ومعصية والحقيقة فيها معصية بلا طاعة والتحقيق ليس فيه طاعة ولا معصية وهذا تحقيق مذهب فرعون وقومه الذين انكروا الخالق وانكروا تكليمه لعبده موسى وما ارسله به من الأمر والنهي.
فصل
في الفرق بين الخالق والمخلوق
وما ابراهيم وآل ابراهيم الحنفاء والأنبياء فهم يعلمون انه لا بد من الفرق بين الخالق والمخلوق ولابد من الفرق بين الطاعة والمعصية وان العبد كلما ازداد تحقيقا ازدادت محبته لله وعبوديته له وطاعته له واعراضه عن عبادة غيره ومحبة غيره وطاعة غيره وهؤلاء المشركون الضالون يسوون بين الله وبين خلقه والخليل يقول افرأيتم ما كنتم تعبدون انتم وآباؤكم الأقدمون فانهم عدو لى الا رب العالمين ويتمسكون بالمتشابه من الكلامهم المشائخ كما فعلت النصارى.
مثال ذلك اسم الفناء فان الفناء ثلاثة انواع:
نوع للكاملين من الأنبياء والأولياء ونوع للقاصدين من الأولياء والصالحين ونوع للمنافقين الملحدين المشبّهين