HTML Editor - Full Version
وقد ثبت في الصّحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ إبراهيم خير البريّة فهو افضل الانبياء بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهو خليل الله تالى وقد ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم من غير وجه انه قال ان الله اتخذنى خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا وقال لو كنت متخذا من اهل الارض خليلا لاتخذت ابا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله يعنى نفسه وقال لا يبقين فى المسجد خوخة الا سدت الا خوخة ابى بكر وقال ان من كان قبلكم يتخذون القبور مساجد الا فلا تتخذوا القبور مساجد فانى انهاكم عن ذلك وكل هذا فى الصحيح وفيه انه قال ذلك قبل موته بايام وذلك من تمام رسالته.
فإن في ذلك تحقيق تمام مخالقه لله التى اصلها محبة الله تعالى للعبد ومحبة العبد لله خلافا للجهمية وفي ذلك تحقيق توحيد الله ان لا يعبدوا الا اياه ورد على اشباه المشركين.
وفيه رد على الرافضة الذين يبخسون الصديق حقه وهم اعظم المنتسبين الى القبلة اشراكا بالبشر و الخلة هي كمال المحبة المستلزمة من العبد كمال العبودية لله ومن الرب سبحانه كمال الربوبية لعباده الذين يحبهم ويحبونه ولفظ العبودية يتضمن كمال الذل وكمال الحب فانهم يقولون قلب متيم اذا كان متعبدا للمحبوب والمتيم المتعبد وتيم الله عبده وهذا على الكمال حصل لابراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم ولهذا لم يكن له ان اهل الارض خليل اذ الخلة لاتحتمل الشركة فانه كما قيل فى المعنى.
قد تخللت مسلك الروح منى وبذا سمى الخليل خليلا.
بخلاف اصل الحب فانه صلى الله عليه وسلم قد قال فى الحديث الصحيح فى الحسن واسامة اللهم انى احبهما فأحبهما واحب من يحبهما وسأله عمرو بن العاص اي الناس احب اليك قال عائشة قال فمن الرجال قال ابوها وقال لعلي رضي الله عنه لاعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وامثال ذلك كثير .
وقد اخبر تعالى انه يحب المتقين ويحب المحسنين ويحب المقسطين ويحب التوابين ويحب المتطهرين ويحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص وقال فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فقد اخبر بمحبته لعباده المؤمنين ومحبة المؤمنين له حتى قال {والذين آمنوا اشدّ حبا لله}.
واما الخلة فخاصة وقول بعض الناس ان محمدا حبيب الله وابراهيم خليل الله وظنه ان المحبة فوق الخلة قول ضعيف فان محمدا ايضا خليل الله كما ثبت ذلك فى الاحاديث الصحيحة المستفيضة وما يروى ان العباس يحشر بين حبيب وخليل وامثال ذلك فاحاديث موضوعة لا تصلح ان يعتمد عليها.
وقد قدمنا ان من محبة الله تعالى محبة ما احب كما فى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان من كان الله ورسوله احب اليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه الا لله ومن كان يكره ان يرجع فىالكفر بعد اذ أنقذه الله منه كما يكره ان يلقى فى النار اخبرالنبى صلى الله عليه وسلم ان هذه الثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان لان وجد الحلاوة بالشئ يتبع المحبة له فمن احب شيئا او اشتهاه إذا حصل له مراده فإنه يجد الحلاوة واللذة والسرور بذلك واللذة امر يحصل عقب ارداك الملائم الذى هو المحبوب او المشتهى.
ومن قال ان اللذة إدراك الملائم كما يقوله من يقوله من المتفلسفة والأطباء فقد غلط فى ذلك غلطا بينا فان الادراك يتوسط بين المحبة واللذة فإن الإنسان مثلا يشتهى الطعام فإذا كله حصل له عقيب ذلك اللذة فاللذة تتبع النظر إلى الشيء فإذا نظر إليه التذ فاللذة تتبع النظر ليست نفس النظر وليست هى رؤية الشئ بل تحصل عقيب رؤيته وقال تعالى وفيها ما تشتهيه وتلذ الاعين وهكذا جميع ما يحصل للنفس من اللذات والآلام من فرح وحزن ونحو ذلك يحصل بالشعور بالمحبوب أو الشعور بالمكروه وليس نفس الشعور هو والفرح ولا الحزن فحلاوة الايمان المتضمنة من اللذة به والفرح ما يجده المؤمن الواجد من حلاوة الايمان تتبع كمال محبة العبد لله وذلك بثلاثة أمور:
تكميل هذه المحبة ،
وتفريعها ،
ودفع ضدها.
-فتكميلها أن يكون الله ورسوله احب إليه مما سواهما فان محبة الله ورسوله لا يكتفى فيها باصل الحب بل لا بد ان يكون الله ورسوله احب إليه مما سواهما كما تقدم.
-و تفريعها أن يحب المرء لا يحبه الا لله.
-و دفع ضدها ان يكره ضد الايمان اعظم من كراهته الالقاء في النار فاذا كانت محبة الرسول والمؤمنين من محبة الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب المؤمنين الذين يحبهم الله أنه اكمل الناس محبةلله واحقهم بأن يحب ما يحبه الله ويبغض ما يغضه الله و الخلة ليس لغير الله فيها نصيب بل قال لوكنت متخذا من اهل الأرض خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا علم مزيد مرتبة الخلة على مطلق المحبة.
والمقصود هو ان الخلّة و المحبة لله تحقيق عبوديته وانما يغلط من يغلط فى هذه من حيث يتوهمون أن العبودية مجرد ذل وخضوع فقط لا محبة معه او ان المحبة فيها انبساط فى الأهواء او ادلال لا تحتمله الربوبية ولهذا يذكر عن ذى النون انهم تكلموا عنده فى مسألة المحبة فقال امسكوا عن هذه المسألة لا تسمعها النفوس فتدعيها وكره من كره من اهل المعرفة والعلم مجالسة اقوام يكثرون الكلام فى المحبة بلا خشية