صفحة جديدة 16
مرفق الشرح مترجم، وسيتم إرفاق الشرح باللغة العربية لاحقاً بإذن الله
باب في أحكام الردة
المرتد في اللغة: هو الراجع،
يقال: ارتد فهو مرتد: إذا رجع، قال تعالى:
﴿وَلَا
تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ﴾ أي: لا ترجعوا.
والمرتد في الاصطلاح: هو الذي يكفر بعد إسلامه طوعا بنطق أو اعتقاد أو شك أو فعل.
والمرتد له حكم في الدنيا وحكم
في الآخرة أما حكمه في الدنيا؛ فقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله.
«من
بدل دينه فاقتلوه» وأجمع العلماء على ذلك، وما
يتبع ذلك من عزل زوجته عنه ومنعه من التصرف في ماله قبل قتله.
وأما حكمه في الآخرة. فقد بينه
الله تعالى بقوله:
﴿وَمَنْ
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
والردة تحصل بارتكاب ناقض من
نواقض الإسلام، سواء كان جادا أو هازلا أو مستهزئا؛ قال تعالى:
﴿وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ
وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ
بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾.
أما المكره إذا نطق بسبب
الإكراه؛ فإنه لا يرتد، لقوله تعالى.
﴿مَنْ
كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ
مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾.
ونواقض الإسلام التي تحصل بها
الردة كثيرة.
من أعظمها الشرك بالله تعالى؛
فمن أشرك بالله تعالى؛ بأن دعا غير الله من الموتى والأولياء والصالحين، أو ذبح
لقبورهم، أو نذر لها، أو طلب الغوث والمدد من الموتى؛ كما يفعل عباد القبور اليوم،
فقد ارتد عن دين الإسلام؛ قال تعالى:﴿إِنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ
يَشَاءُ﴾.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من
جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم؛ كفر إجماعا. وكذلك من جحد
بعض الرسل أو بعض الكتب الإلهية؛ فقد ارتد؛ لأنه مكذب لله، جاحد لرسول من رسله أو
كتاب من كتبه. وكذلك من جحد الملائكة أو جحد البعث بعد الموت؛ فقد كفر؛ لأنه مكذب
للكتاب والسنة والإجماع. وكذلك من سب الله تعالى أو سب نبيا من أنبيائه؛ فقد كفر.
وكذلك من ادعى النبوة، أو صدق من يدعيها بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد
كفر، لأنه مكذب لقوله تعالى:
﴿وَلَكِنْ
رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾
ومن جحد تحريم الزنى، أو جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها
كلحم الخنزير والخمر، أو حرم شيئا مجمعا على حله؛ مما لا خلاف في حله؛ كالمذكاة من
بهيمة الأنعام؛ فقد كفر. وكذلك متى جحد وجوب عبادة من العبادات الخمس الواردة في
قوله صلى الله عليه وسلم:
«بني
الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة،
وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام» ومن استهزأ بالدين، أو امتهن القرآن الكريم، أو زعم أن القرآن نقص
منه شيء، أو كتم منه شيء فلا خلاف في كفره..
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله: ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ
اتباع غير دين الإسلام أو اتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كافر، وهو
ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض....
وقال: ومن سخر بوعد الله أو
بوعيده، أو لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم؛
كفر إجماعا.
وقال: من سب الصحابة أو أحدا
منهم، واقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو نبي، وأن جبريل غلط؛ فلا شك في كفره؛ انتهى
كلامه رحمه الله.
ومن حكم القوانين الوضعية بدل
الشريعة الإسلامية؛ يرى أنها أصلح للناس من الشريعة الإسلامية، أو اعتنق فكرة
الشيوعية أو القومية العربية بديلا عن الإسلام، فلا شك في ردته.
وأنواع الردة كثيرة، مثل من
ادعى علم الغيب،. ومثل من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو يصحح ما هم عليه،
ومثل من يعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غير
النبي صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه، ومثل من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى
الله عليه وسلم، ومن استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه، وكذلك من ظاهر
المشركين وأعانهم على المسلمين، ومن اعتقد أن بعض الناس يجوز له الخروج عن شريعة
محمد صلى الله عليه وسلم؛ كغلاة الصوفية، ومن أعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل
به؛ كل هذه الأمور من أسباب الردة ومن نواقض الإسلام.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب
رحمه الله: ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف؛ إلا المكره،
وكلها من أعظم ما يكون خطرا، وأكثر ما يكون وقوعا؛ فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف
منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه، وأليم عقابه.
هذه نماذج من نواقض الإسلام،
وهي أكثر مما ذكر بكثير؛ فعليك أن تتعلمها وتعرفها؛ لتحذر منها وتتجنبها؛ فإن من لا
يعرف الشرك؛ يوشك أن يقع فيه وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يوشك أن تنقض عرى
الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية.
وإني أنصحك أن تقرأ كتاب
اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتاب
المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية للشيخ محمد بن
عبد الوهاب، وشرحها للعلامة العراقي محمود شكري الألوسي رحمه الله.
فمن ارتد عن دين الإسلام؛ فإنه
يجب أن يستتاب ويمهل ثلاثة أيام، فإن تاب، وإلا قتل؛ لقول عمر رضي الله عنه لما
بلغه أن رجلا كفر بعد إسلامه فضربت عنقه قبل استتابته، فقال:
«فهلا حبستموه ثلاثا، فأطعمتموه كل يوم رغيفا، واستتبتموه؛ لعله يتوب
أو يراجع أمر الله، اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني» رواه مالك في الموطأ؛ ولأن الردة لا تكون إلا لشبهة، ولا تزول في
الحال؛ فوجب أن ينتظر مدة يرتئي فيها، وأما الدليل على وجوب قتله إذا لم يتب؛ فقول
النبي صلى الله عليه وسلم:
«من
بدل دينه؛ فاقتلوه» رواه البخاري وأبو داود.
والذي يتولى قتله هو الإمام أو
نائبه؛ لأنه قتل لحق الله، فكان إلى ولي الأمر.
والحكمة في وجوب قتل المرتد: أنه لما عرف الحق وتركه؛ صار مفسدا في الأرض، لا يصلح للبقاء؛ لأنه
عضو فاسد، يضر المجتمع، ويسيء إلى الدين.
وتحصل توبة المرتد بإتيانه
بالشهادتين؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:
«أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم
وأموالهم إلا بحقها» ومن كانت ردته بسبب جحوده لشيء من ضروريات الدين، فتوبته مع إتيانه
بالشهادتين إقراره بما جحده.
ويمنع المرتد من التصرف في
ماله، لتعلق حق الغير به؛ كمال المفلس، ويقضى ما عليه من ديون، وينفق عليه من ماله
وعلى عياله مدة منعه من التصرف فيه، فإن أسلم المرتد؛ أخذ ماله ومكن من التصرف فيه
لزوال المانع، وإن مات على ردته أو قتل مرتدا، صار ماله فيئا لبيت مال المسلمين من
حين موته، لأنه لا وارث له؛ فلا يرثه أحد من المسلمين؛ لأن المسلم لا يرث الكافر،
ولا يرثه أحد من الكفار، ولو من أهل الدين الذي انتقل إليه، لأنه لا يقر على ردته،
والمرتد لا يرث من كافر ولا مسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم:
«لا
يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم».
وقد اختلف العلماء رحمهم الله
في حكم قبول توبة من سب الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم:
فقال بعضهم: لا تقبل توبته في
أحكام الدنيا كترك قتله وتوريثه والتوريث منه، وإنما يقتل على كل حال؛ لعظم ذنبه
وفساد عقيدته واستخفافه بالله تعالى.
والقول الثاني: أنه تقبل توبته؛
لقوله تعالى:
﴿قُلْ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾.
وكذلك اختلف العلماء رحمهم الله
في قبول توبة من تكررت ردته:
فقال بعضهم: إنها لا تقبل في
الدنيا؛ فلا بد من تنفيذ حكم المرتد فيه، ولو تاب، لقوله تعالى:
﴿إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا
كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا﴾
وقيل: تقبل توبته؛ لقوله تعالى:﴿قُلْ
لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ فالآية عامة، تتناول بعمومها
من تكررت ردته.
كما اختلفوا في قبول توبة
الزنديق وهو المنافق. الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر:
فقيل: لا تقبل توبته؛ لأنه لا
يبين منه ما يظهر رجوعه إلى الإسلام، والله تعالى يقول:﴿إِلَّا
الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾
فإذا أظهر التوبة، لم يزد على ما كان قبلها، وهو إظهار الإسلام وإخفاء الكفر..
وقيل: تقبل توبة الزنديق؛ لقوله
تعالى:
﴿إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ
نَصِيرًا إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ
وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ
اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كف عن المنافقين بما أظهروا من
الإسلام.
ومن الزنادقة: الحلولية،
والإباحية، ومن يفضل متبوعه على محمد صلى الله عليه وسلم، ومن يرى أنه إذا حصلت له
المعرفة؛ سقط عنه الأمر والنهي، أو أنه إذا حصلت له المعرفة، جاز له التدين بدين
اليهود والنصارى وأمثالهم من الطوائف المارقة عن الإسلام من غلاة الصوفية وغيرهم.
كما اختلف العلماء رحمهم الله
في صحة إسلام الطفل المميز ووقوع الردة منه؛ فقيل: تحصل منه الردة إذا ارتكب شيئا
من أسبابها، لأن من صح إسلامه، صحت ردته، والمميز يصح إسلامه، فتصح ردته، لكن لا
يقتل حتى يستتاب بعد البلوغ ويمهل ثلاثة أيام، فمن تاب؛ قبلت توبته، وإن بقي على
ردته؛ قتل.
وقد اختلفوا فيمن ترك الصلاة
تهاونا مع إقراره بوجوبها، والصحيح أنه يكفر، لقوله صلى الله عليه وسلم:
«بين
العبد وبين الكفر ترك الصلاة» وقوله صلى الله عليه
وسلم:
«العهد
الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها، فقد كفر» ولقوله تعالى:
﴿مَا
سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ وقال تعالى:
﴿فَإِنْ
تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ فدلت الآية الكريمة على أن من لم يقم الصلاة؛ فليس من إخواننا في
الدين، ولم يقل: وأقروا بوجوب الصلاة، وإنما قال:
﴿وَأَقَامُوا
الصَّلَاةَ﴾ وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«بني
الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة...» الحديث، ولم يقل: والإقرار بوجوب الصلاة، وإنما قال:
«وإقام
الصلاة»
وقد كثر اليوم التهاون بالصلاة،
والتكاسل عنها، والأمر خطير جدا، فيجب على من يتهاون بالصلاة أن يتوب إلى الله،
وينقذ نفسه من النار؛ فإن الصلاة هي عمود الإسلام، وهي تنهى عن الفحشاء والآثام.