صفحة جديدة 16
وَالجَنَّةُ والنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ، لا تَفْنَيانِ أَبَداً وَلاَ
تَبِيدَانِ، فَإنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ الجَنَّةَ والنَّارَ قَبْلَ الخَلْقِ،
وَخَلَقَ لَهُمَا أَهْلاً, فَمنْ شَاءَ مِنْهُم إلى الجَنَّةِ فَضْلاً مِنْهُ.
وَمَنْ شَاءَ مِنْهُم إلى النَّارِ عَدْلاً مِنْهُ, وَكُلٌّ يَعْمَلُ لما قَدْ
فُرِغَ لَهُ، وَصَائِرٌ إلى مَا خُلِقَ لَهُ.
والخَيْرُ والشَّرُّ مُقدَّرَانِ عَلى العِبَادِ.
والاسْتِطاعَةُ التي يَجبُ بِهَا الفِعْلُ، مِنْ نَحْوِ التَّوفيقِ
الَّذِي لا يَجُوزُ أنْ يُوصَفَ المخْلُوقُ بِهِ –فهي مَعَ الفِعْلِ، وأمَّا
الاسْتِطاعَةُ مِنْ جِهَةِ الصِّحةِ وَالوُسْعِ، والتَّمكينِ وَسَلاَمَةِ الآلاتِ–
فَهِيَ قَبْلَ الفِعْلِ، وَبِهَا يَتَعَلَّقُ الخِطَابُ، وهُوَ كَمَا قال تعالى
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾[البقرة:286].
وَأَفْعَالُ العِبَادِ خَلْقُ اللهِ، وَكَسْبٌ مِنَ العِبَادِ.
ولمْ يُكَلِّفْهُم اللهُ تعالى إِلاَّ مَا يُطِيقُون، وَلا يُطيقُونَ
إِلاَّ مَا كَلَّفَهُمْ وَهُوَ تَفْسير: ”لا حول ولا قوة إلا بالله“. نقول: لا
حِيلَةَ لأَحَدٍ، وَلاَ حَرَكَةَ لأحَدٍ ولا تَحَوُّلَ لأحَدٍ عَنْ مَعْصِيَةِ
اللهِ إِلاَّ بِمعونَةِ اللهِ، وَلاَ قُوَّةَ لأحَدٍ على إِقَامَةِ طَاعَةِ اللهِ
والثَّبَاتِ عَلَيْهَا إلاَّ بِتَوفِيقِ الله.
وَكُلُّ شَيْءٍ يَجْرِي بمَشِيئَةِ الله تعالَى وَعِلْمِهِ وَقَضَائِهِ
وَقَدَرِهِ. غَلَبَتْ مَشيئتُهُ المَشِيئَاتِ كُلَّهَا، وَغَلَبَ قَضَاؤُهُ
الحِيَلَ كُلَّهَا، يَفعَلُ مَا يَشَاءُ وَهُو غَيْرُ ظَالمٍ أَبَداً، تَقَدَّسَ
عَنْ كُلِّ سوء وحين، وتَنَـزَّهَ عَن كلِّ عَيْب وشَيْن.
﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾[الأنبياء:23].
وفي دُعَاءِ الأَحْياءِ وَصَدَقَاتِهم مَنْفَعَةٌ لِلأَمْوَات.
واللهُ تَعالَى يَسْتَجِيبُ الدَّعَوَاتِ، وَيَقْضِي الحَاجَاتِ.
وَيَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَمْلِكُهُ شَيْءٌ، وَلاَ غِنَى عَنِ
اللهِ تَعَالى طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنِ اللهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ،
فَقَدْ كَفَرَ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الحَيْنِ.
واللهُ يَغْضَبُ وَيَرْضَى، لاَ كَأحَدٍ مِنَ الوَرَى.