صفحة جديدة 18
باب في نفقة الأقارب والمماليك
المراد هنا بأقارب الإنسان كل
من يرثه بفرض أو تعصيب، والمراد بالمماليك ما تحت ملك الإنسان من الأرقاء والبهائم.
ويشترط لوجوب الإنفاق على القريب إذا كان من عمودي النسب، وهم والدا المنفق وأجداده
وإن علوا وأولاده وإن نزلوا:
- أن يكون المنفق عليه منهم فقيرا لا يملك شيئا، أو لا يملك ما يكفيه، ولا يقدر على
التكسب.
- وأن يكون المنفق غنيا، عنده
ما يفضل عن قوته وقوت زوجته ومملوكه.
- وأن يكون المنفق والمنفق عليه
على دين واحد.
وإن يكون المنفق عليه من غير أولاد المنفق وآبائه؛ اشترط زيادة على ذلك كون المنفق
وارثا للمنفق عليه.
والدليل على وجوب نفقة الوالدين على ولدهما قوله تعالى:
﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا﴾ ومن الإحسان الإنفاق عليهما،
بل ذلك من أعظم الإحسان إلى الوالدين.
والدليل على وجوب نفقة الأولاد
على أبيهم قوله تعالى:
﴿وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: وعلى المولود له،
وهو الأب. رزقهن؛ أي: طعام الوالدات. وكسوتهن؛ أي: لباسهن. بالمعروف؛ أي: بما
جرت به عادة أمثالهن في بلدن على قدر الميسرة من غير إسراف ولا إقتار، وقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم: «خذي
ما يكفيك وولدك بالمعروف»
والدليل على وجوب نفقة القريب الذي يرثه المنفق بفرض أو تعصيب قوله تعالى:
﴿وَعَلَى
الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾
ولأن بين المتوارثين قرابة تقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس؛
فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دون غيره ممن لا يرث.
وفي هذه الآية، وهي قوله تعالى:
﴿وَعَلَى
الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾
أي: على وارث الولد غير والده - الذي يكون بحيث لو مات هذا الولد وله مال ورثه - من
الإنفاق على الطفل مثل ما على والده من ذلك.
وقال تعالى:
﴿وَآتِ
ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾..
وغير ذلك من الأدلة الدالة على
وجوب نفقة الأقارب المحتاجين على قريبهم الغني.
وروى أبو داود؛ «أن
رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: من أبر؟ قال: أمك وأباك، وأختك وأخاك» وللنسائي وصححه الحاكم من حديث طارق المحاربي: «وابدأ
بمن تعول: أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك» وهذا الحديث يفسر قوله تعالى:
﴿وَآتِ
ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾..
والوالد تجب عليه نفقة ولده
كاملة، ينفرد بها، لقوله صلى الله عليه وسلم لهند:
﴿خذي
ما يكفيك وولدك بالمعروف﴾..
فدل هذا الحديث الشريف على
انفراد الأب بنفقة ابنه،
مع قوله تعالى:
﴿وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾..
وقوله:
﴿فَإِنْ
أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾
فأوجب على الأب نفقة الرضاع دون أمه.
أما الفقير الذي له أقارب
أغنياء، وليس منهم الأب؛ فإنهم يشتركون في الإنفاق عليه كل بقدر إرثه منه؛ لأن الله
تعالى رتب النفقة على الإرث؛
بقوله:
﴿وَعَلَى
الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ فوجب أن يترتب مقدار النفقة على مقدار الإرث، فمن له جدة أو أخ
شقيق مثلا؛ وجب على الجدة سدس نفقته، والباقي على الشقيق؛ لأنهما يرثانه كذلك، وعلى
هذا فقس.
وأما نفقة المماليك من الأرقاء
والبهائم فإنه يجب على السيد نفقة رقيقه من قوت وكسوة وسكنى بالمعروف؛ لقوله صلى
الله عليه وسلم: «وللمملوك طعامه وكسوته
بالمعروف، لا يكلف من العمل ما لا يطيق»
رواه الشافعي في مسنده..
وروى مسلم في الصحيحين من
حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: «إخوانكم
خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده؛ فليطعمه مما يأكل، وليلبسه
مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم»..
مع قوله تعالى:
﴿قَدْ
عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ﴾ ففي هذه النصوص دليل على وجوب نفقة الرقيق على مالكه.
وإن طلب الرقيق نكاحا؛ زوجه
سيده أو باعه؛
لقوله تعالى:
﴿وَأَنْكِحُوا
الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ والأمر يقتضي الوجوب عند الطلب.
وإن طلبته أمة؛ خير سيدها بين وطئها أو تزويجها أو بيعا؛ إزالة للضرر عنها.
ويجب على من يملك بهيمة علفها
وسقيها وما يصلحها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عذبت
امرأة في هرة حبستها، حتى ماتت جوعا؛ فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش
الأرض» متفق عليه.
فدل هذا الحديث على وجوب النفقة
على الحيوان المملوك لأن السبب في دخول تلك المرأة النار ترك الهرة بدون إنفاق،
وإذا كان هذا في الهرة؛ فغيرها من الحيوانات التي تحت ملكه من باب أولى.
ولا يجوز لمالك البهيمة أن
يحملها ما تعجز عنه؛ لأن ذلك تعذيب لها.
ولا يجوز له أن يحلب من لبنها
ما يضر ولدها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
«لا
ضرر ولا ضرار»
ويحرم عليه لعن البهيمة وضربها
في وجهها ووسمها فيه، فإن عجز مالك البهيمة عن الإنفاق عليها أجبر على بيعها أو
تأجيرها أو ذبحها إن كانت مما تؤكل؛ لأن بقاءها في ملكه مع عدم الإنفاق عليها ظلم،
والظلم تجب إزالته.