صفحة جديدة 10
ثانيا: أحكام الوفاة
ويستحب إذا مات الميت تغميض
عينيه،«لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أغمض أبا سلمة رضي الله عنه لما مات، وقال: إن الروح إذا
قبض، تبعه البصر، فلا تقولوا إلا خيرا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون» رواه مسلم،
ويسن ستر الميت بعد وفاته بثوب،
لما روت عائشة رضي الله عنها «أن
النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي، سجي ببرد حبرة» متفق عليه.
وينبغي الإسراع في تجهيزه إذا
تحقق موته، لقوله صلى الله عليه وسلم:
«لا
ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله» رواه أبو داود، ولأن في ذلك حفظا للميت من التغير، قال الإمام أحمد
رحمه الله: "كرامة الميت تعجيله"، ولا بأس أن ينتظر به من يحضره من وليه أو غيره إن
كان قريبا ولم يخش على الميت من التغير.
ويباح الإعلام بموت المسلم،
للمبادرة لتهيئته، وحضور جنـازته، والصلاة عليه، والدعاء له، وأما الإعلام بموت
الميت على صفة الجزع وتعداد مفاخره فذلك من فعل الجاهلية، ومنه حفلات التأبين إقامة
المآتم.
ويستحب الإسراع بتنفيذ وصيته،
لما فيه من تعجيل الأجر، وقد قدمها الله تعالى في الذكر على الدين، اهتماما بشأنها،
وحثا على إخراجها.
ويجب الإسراع بقضاء ديونه، سواء
كانت لله تعالى من زكاة وحج أو نذر طاعة أو كفارة، أو كانت الديون لآدمي كرد
الأمانات والغصوب والعارية، سواء أوصى بذلك أم لم يوص به، لقوله صلى الله عليه
وسلم: «نفس
المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه»
رواه أحمد والترمذي وحسنه، أي: مطالبة به، عليه من الدين محبوسة، ففي هذا الحث على
الإسراع في قضاء الدين عن الميت وهذا فيمن له مال يقضى منه دينه، ومن لا مال له
ومات عازما على القضاء، فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله يقضي عنه.
ثالثا: تغسيل الميت
ومن أحكام الجنازة وجوب تغسيل
الميت على من علم به وأمكنه تغسيله،
«قال
صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته: اغسلوه بماء وسدر...»
الحديث متفق عليه، وقد تواتر تغسيل الميت في الإسلام قولا وعملا، وغسل النبي صلى
الله عليه وسلم وهو الطاهر المطهر، فكيف بمن سواه، فتغسيل الميت فرض كفاية على من
علم بحاله من المسلمين.
والرجل يغسله الرجل، والأولى
والأفضل أن يختار لتغسيل الميت ثقة عارف بأحكام التغسيل، لأنه حكم شرعي له صفة
مخصوصة، لا يتمكن من تطبيقها إلا عالم بها على الوجه الشرعي، ويقدم قي تولي تغسيل
الميت وصيه، فإذا كان الميت قد أوصى أن يغسله شخص معين، وهذا المعين عدل ثقة، فإنه
يقدم في تولي تغسيله وصيه بذلك؛ لأن
«أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس» فالمرأة يجوز أن تغسل زوجها، كما أن الرجل يجوز أن يغسل زوجته، «وأوصى أنس رضي الله عنه أن يغسله محمد بن سيرين» ثم يلي الوصي في تغسيل الميت أبو الميت، فهو أولى بتغسيل ابنه،
لاختصاصه بالحنو والشفقة على ابنه، ثم جده، لمشاركته للأب في المعنى المذكور، ثم
الأقرب فالأقرب من عصباته، ثم الأجنبي منه، وهذا الترتيب في الأولوية إذا كانوا
كلهم يحسنون التغسيل وطالبوا به، وإلا، فإنه يقدم العالم بأحكام التغسيل على من لا
علم له.
والمرأة تغسلها النساء، والأولى
بتغسيل المرأة الميتة وصيتها، فإن كانت أوصت أن تغسلها امرأة معينة، قدمت على غيرها
إذا كان فيها صلاحية لذلك، ثم بعدها تتولى تغسيلها القربى فالقربى من نسائها.
فالمرأة تتولى تغسيلها النساء
على هذا الترتيب، والرجل يتولى تغسيله الرجال على ما سبق، ولكل واحد من الزوجين غسل
صاحبه، فالرجل له أن يغسل زوجته والمرأة لها أن تغسل زوجها؛ لأن
«أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله زوجته» ولأن
«عليا رضي الله عنه غسل فاطمة» وورد مثل ذلك عن غيرهما من الصحابة.
ولكل من الرجال والنساء غسل من
له دون سبع سنين ذكرا كان أو أنثى، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن المرأة
تغسل الصبي الصغير" ا هـ؛ ولأنه لا عورة له في الحياة، فكذا بعد الموت،
«ولأن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساء» وليس لامرأة غسل ابن سبع سنين فأكثر، ولا لرجل غسل ابنة سبع سنين
فأكثر.
ولا يجوز لمسلم أن يغسل كافرا
أو يحمل جنازته أو يكفنه أو يصلي عليه أو يتبع جنازته، لقوله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾..
فالآية الكريمة تدل بعمومها
على تحريم تغسيله وحمله واتباع جنازته..
وقال تعالى:
﴿وَلَا
تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ
إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ﴾..
وقال تعالى:﴿مَا
كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾..
ولا يدفنه، لكن إذا لم يوجد من
يدفنه من الكفار، فإن المسلم يواريه، بأن يلقيه في حفرة، منعا للتضرر بجثته،
ولإلقاء قتلى بدر في القليب، وكذا حكم المرتد كتارك الصلاة عمدا وصاحب البدعة
المكفرة، وهكذا يجب أن يكون موقف المسلم من الكافر حيا وميتا، موقف التبري
والبغضاء:
قال تعالى حكاية عن خليله إبراهيم والذين معه:
﴿إِذْ
قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ
وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾..
وقال تعالى:
﴿لَا
تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ
حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ
إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾..
وذلك لما بين الكفر والإيمان من العداء، ولمعاداة الكفار لله ولرسله
ولدينه، فلا تجوز موالاتهم أحياء ولا أمواتا.
نسأل الله أن يثبت قلوبنا على
الحق، وأن يهدينا صراطه المستقيم.
ويشترط أن يكون الماء الذي يغسل
به طهورا مباحا، والأفضل أن يكون باردا، إلا عند الحاجة لإزالة وسخ على الميت أو في
شدة برد، فلا بأس بتسخينه.
ويكون التغسيل في مكان مستور عن
الأنظار ومسقوف من بيت أو خيمة ونحوها إن أمكن.
ويستر ما بين سرة الميت وركبته
وجوبا قبل التغسيل ثم يجرد من ثيابه، ويوضع على سرير الغسل منحدرا نحو رجليه، لينصب
عنه الماء وما يخرج منه.
ويحضر التغسيل الغاسل ومن يعينه على الغسل، ويكره لغيرهم حضوره.
ويكون التغسيل بأن يرفع الغاسل رأس الميت إلى قرب جلوسه، ثم يمر يده
على بطنه ويعصره برفق، ليخرج منه ما هو مستعد للخروج، ويكثر صب الماء حينئذ، ليذهب
بالخارج، ثم يلف الغاسل على يده خرقة خشنة، فينجي الميت، وينقي المخرج بالماء، ثم
ينوي التغسيل، ويسمي، ويوضئه كوضوء الصلاة، إلا في المضمضة والاستنشاق، فيكفي عندنا
مسح الغاسل أسنان الميت ومنخريه بإصبعيه مبلولتين أو عليهما خرقة مبلولة بالماء،
ولا يدخل الماء فمه ولا أنفه، ثم يغسل رأسه ولحيته برغوة سدر أو صابون، ثم يغسل
ميامن جسده، وهي صفحة عنقه اليمنى، ثم يده اليمنى وكتفه، ثم شق صدره الأيمن وجنبه
الأيمن وفخذه الأيمن وساقه وقدمه الميامن، ثم يقلبه على جنبه الأيسر، فيغسل شق ظهره
الأيمن، ثم يغسل جانبه الأيسر كذلك، ثم يقلبه على جنبه الأيمن، فيغسل شق ظهره
الأيسر، ويستعمل السدر مع الغسل أو الصابون،
ويستحب أن يلف على يده خرقة حال
التغسيل.
والواجب غسله واحدة إن حصل الإنقاء، والمستحب ثلاث غسلات، وإن لم
يحصل الإنقاء، زاد في الغسلات حتى ينقي إلى سبع غسلات، ويستحب أن يجعل في الغسلة
الأخيرة كافورا؛ لأنه يصلب بدن الميت، ويطيبه، ويبرده، فلأجل ذلك، يجعل في الغسلة
الأخيرة، ليبقي أثره.
ثم ينشف الميت بثوب ونحوه، ويقص
شاربه، وتقلم أظافره إن طالت، ويؤخذ شعر إبطيه، ويجعل المأخوذ معه في الكفن، ويضفر
شعر رأس المرأة ثلاثة قرون، ويسدل من ورائها.
وأما إذا تعذر غسل الميت لعدم
الماء، أو خيف تقطعه بالغسل كالمجذوم والمحترق، أو كان الميت امرأة مع رجال ليس
فيهم زوجها، أو رجلا مع نساء ليس فيهم زوجته، فإن الميت في هذه الأحوال ييمم
بالتراب، بمسح وجهه وكفيه من وراء حائل على يد الماسح، وإن تعذر غسل بعضا الميت،
غسل ما أمكن غسله منه، ويمم عن الباقي.
ويستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل بعد تغسيله، وليس ذلك بواجب.
رابعا: أحكام التكفين
وبعد تمام الغسل والتجفيف يشرع
تكفين الميت ويشترط في الكفن أن يكون ساترا، يستحب أن يكون أبيض نظيفا، سواء كان
جديدا - وهو الأفضل - أو غسيلا.
ومقدار الكفن الواجب ثوب يستر
جميع الميت، والمستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف، وتكفين المرأة في خمسة أثواب،
إزار وخمار وقميص ولفافتين، ويكفن الصغير في ثوب واحد، ويباح في ثلاثة أثواب، وتكفن
الصغيرة في قميص ولفافتين، ويستحب تجمير الأكفان بالبخور بعد رشها بماء، الورد
ونحوه، لتعلق بها رائحة البخور.
ويتم تكفين الرجل بأن تبسط
اللفائف الثلاث بعضها فوق بعض، ثم يؤتى بالميت مستورا وجوبا بثوب ونحوه ويوضع فوق
اللفائف مستلقيا، ثم يؤتى بالحنوط وهو الطيب ويجعل منه في قطن بين أليتي الميت،
ويشد فوقه خرقة، ثم يجعل باقي القطن المطيب على عينيه ومنخريه وفمه وأذنيه وعلى
مواضع سجوده: جبهته، وأنفه، ويديه، وركبتيه، وأطراف قدميه، ومغابن البدن: الإبطين،
وطي الركبتين وسرته، ويجعل من الطيب بين الأكفان وفي رأس الميت، ثم يرد طرف اللفافة
العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم طرفها الأيمن على شقه الأيسر، ثم
الثانية كذلك ثم الثالثة كذلك، ويكون الفاضل من طول اللفائف عند رأسه أكثر مما عند
رجليه، ثم يجمع الفاصل عند رأسه ويرد على وجهه، ويجمع الفاضل عند رجليه فيرد على
رجليه، ثم يعقد على اللفائف أحزمة، لئلا تنتشر وتحل العقد في القبر.
وأما المرأة فتكفن في خمسة أثواب إزار تؤزر به، ثم تلبس قميصا، ثم تخمر بخمار على
رأسها، ثم تلف بلفافتين.