صفحة جديدة 1
باب في التطوع المطلق
روى أهل السنن:
«أن
النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؛ قال: الصلاة في جوف
الليل».
وقال صلى الله عليه وسلم:«إن
في الليل ساعة، لا يوافقها عبد مسلم، يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة؛ إلا
أعطاه إياه، وذلك كل ليلة».
وقال صلى الله عليه وسلم:«وعليكم
بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة
عن الإثم» رواه الحاكم.
وقد مدح الله القائمين من
الليل: قال تعالى:﴿
إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا
يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.
وقال تعالى:﴿
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ
مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
والنصوص في ذلك كثيرة تدل على
فضل قيام الليل، فالتطوع المطلق أفضله قيام الليل؛ لأنه أبلغ في الإسرار، وأقرب إلى
الإخلاص، ولأنه وقت غفلة الناس، ولما فيه من إيثار الطاعة على النوم والراحة.
ويستحب التنفل بالصلاة في جميع
الأوقات؛ غير أوقات النهي، وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار، لما سبق، وأفضل صلاة
الليل الصلاة في ثلث الليل بعد نصفه؛ لما في "الصحيح" مرفوعا:«أفضل
الصلاة صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه» فكان يريح نفسه بنوم أول الليل، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله
فيه، فيقول:«هل
من سائل فأعطيه سؤله؟» ثم ينام بقية الليل في السدس الأخير، ليأخذ راحته، حتى يستقبل صلاة
الفجر بنشاط، هذا هو الأفضل، وإلا؛ فالليل كله محل القيام.
قال الإمام أحمد رحمه الله:
"قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر".
وعليه؛ فالنافلة بين العشاءين
من قيام الليل، لكن تأخير القيام إلى آخر الليل أفضل كما سبق، قال تعالى:﴿إِنَّ
نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾
والناشئة هي القيام بعد النوم، والتهجد إنما يكون بعد النوم فينبغي للمسلم أن يجعل
له حظا من قيام الليل، يداوم عليه، وإن قل.
- وينبغي أن ينوي قيام الليل.
-
فإذا استيقظ؛ استاك، وذكر الله، وقال: "لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له
الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله،
والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله"، ويقول: "الحمد لله الذي أحياني بعد ما
أماتني وإليه النشور، الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي
بذكره".
-
ويستحب أن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين؛ لحديث أبي هريرة:
«إذا
قام أحدكم من الليل؛ فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين» رواه مسلم وغيره.
-
ويسلم في صلاة الليل من كل ركعتين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
«صلاة
الليل مثنى مثنى» رواه الجماعة، ومعنى: "مثنى
مثنى"؛ أي: ركعتان ركعتان، بتشهد وتسليمتين، فهي ثنائية لا رباعية.
-
وينبغي إطالة القيام والركوع والسجود.
-
وينبغي أن يكون تهجده في بيته؛ فقد اتفق أهل العلم على أن صلاة التطوع في البيت
أفضل، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي في بيته، وقال عليه الصلاة والسلام:
«صلوا
في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته؛ إلا المكتوبة» رواه مسلم، ولأنه أقرب إلى الإخلاص.
-
وصلاة النافلة قائما أفضل من الصلاة قاعدا بلا عذر، لقوله صلى الله عليه وسلم:«من
صلى قائما؛ فهو أفضل، ومن صلى قاعدا؛ فله نصف أجر صلاة القائم» متفق عليه.
-
وأما من صلى النافلة قاعدا لعذر؛ فأجره كأجر القائم، لقوله صلى الله عليه وسلم:
«إذا
مرض العبد أو سافر؛ كتب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم» وجواز التطوع جالسا مع القدرة على القيام مجمع عليه.
-
ويختم صلاته بالوتر؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل آخر صلاته بالليل وترا،
وأمر بذلك في أحاديث كثيرة.
ومن فاته تهجده من الليل؛ استحب
له قضاؤه قبل الظهر؛ لحديث:«من
نام عن حزبه من الليل، أو عن شيء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر؛ كتب
له، كأنما قرأه من الليل».
أيها المسلم!
لا تحرم نفسك من المشاركة في
قيام الليل، ولو بشيء قليل تداوم عليه؛ لتنال من ثواب القائمين المستغفرين
بالأسحار، وربما يدفع بك القليل إلى الكثير، والله لا يضيع أجر المحسنين.
باب في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
سبق أن بينا جملا من أحكام صلاة
التطوع، ويجدر بنا الآن أن ننبه على أن هناك أوقاتا ورد النهي عن الصلاة فيها؛ إلا
ما استثني،
وهي أوقات خمسة:
الأول: من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
«إذا
طلع الفجر؛ فلا صلاة إلا ركعتي الفجر» رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، فإذا طلع الفجر؛ فإنه لا يصلي تطوعا
إلا راتبة الفجر.
الثاني: من طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح في رأي العين.
والثالث: عند قيام الشمس حتى تزول، وقيام الشمس يعرف بوقوف الظل، لا يزيد
ولا ينقص، إلى أن تزول إلى جهة الغرب؛ لقول عقبة بن عامر:«ثلاث ساعات
نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع
الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقول قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تتضيف الشمس للغروب
حتى تغرب» رواه مسلم.
والرابع: من صلاة العصر إلى غروب الشمس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا
صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» متفق عليه.
والخامس: إذا شرعت الشمس في الغروب حتى تغيب.
واعلم أنه يجوز قضاء الفرائض
الفائتة في هذه الأوقات؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:
«من
نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها»
متفق عليه.
يجوز أيضا فعل ركعتي الطواف في
هذه الأوقات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
«لا
تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من ليل أو نهار» رواه الترمذي وصححه؛
فهذا إذن منه صلى الله عليه وسلم بفعلها في جميع أوقات النهي، ولأن الطواف جائز قي
كل وقت؛ فكذلك ركعتاه.
ويجوز أيضا على الصحيح من قولي
العلماء في هذه الأوقات فعل ذوات الأسباب من الصلوات؛ كصلاة الجنازة، وتحية المسجد،
وصلاة الكسوف، للأدلة الدالة على ذلك، وهي تخص عموم النهي عن الصلاة في هذه
الأوقات، فتحمل على ما لا سبب له؛ فلا يجوز فعلها بأن تبتدأ في هذه الأوقات صلاة
تطوع لا سبب لها. ويجوز قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر، وكذا يجوز أن يقضي سنة
الظهر بعد العصر، ولا سيما إذا جمع الظهر مع العصر؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه
وسلم، أنه قضى سنة الظهر بعد العصر.
باب في وجوب صلاة الجماعة وفضلها
شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام،
وهى صلاة الجماعة في المساجد، فقد اتفق المسلمون على أن أداء الصلوات الخمس في
المساجد من أوكد الطاعات وأعظم القربات، بل وأعظم وأظهر شعائر الإسلام.
فقد شرع الله لهذه الأمة
الاجتماع في أوقات معلومة، منها ما هو في اليوم والليلة، كالصلوات الخمس؛ فإن
المسلمين يجتمعون لأدائها في المساجد كل يوم وليلة خمس مرات، ومن هذه الاجتماعات ما
هو في الأسبوع مرة؛ كالاجتماع لصلاة الجمعة، وهو اجتماع أكبر من الاجتماع للصلوات
الخمس، ومنها اجتماع يتكرر كل سنة مرتين، وهو الاجتماع لصلاة العيدين، وهو أكبر من
الاجتماع لصلاة الجمعة، بحيث يشرع فية اجتماع أهل البلد، ومنها اجتماع مرة واحدة في
السنة، وهو الاجتماع في الوقوف بعرفة، وهو أكبر من اجتماع العيدين؛ لأنه يشرع
للمسلمين عموما في كل أقطار الأرض.
وإنما شرعت هذه الاجتماعات
العظيمة في الإسلام؛ لأجل مصالح المسلمين؛ ليحصل التواصل بينهم بالإحسان والعطف
والرعاية، ولأجل التوادد والتحابب بينهم في القلوب، ولأجل أن يعرف بعضهم أحوال بعض،
فيقومون بعيادة المرضى، وتشييع المتوفى، وإغاثة الملهوفين، ولأجل إظهار قوة
المسلمين وتعارفهم وتلاحقهم، فيغيظون بذلك أعداءهم من الكفار والمنافقين، ولأجل
إزالة ما ينسجه بينهم شياطين الجن والإنس من العداوة والتقاطع والأحقاد، فيحصل
الائتلاف واجتماع القلوب على البر والتقوى، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا
تختلفوا؛ فتختلف قلوبكم» ومن فوائد صلاة
الجماعة؛ تعليم الجاهل، ومضاعفة الأجر والنشاط على العمل الصالح عندما يشاهد المسلم
إخوانه المسلمين يزاولون الأعمال الصالحة، فيقتدي بهم.
وفي الحديث المتفق عليه عن
النبي صلى الله عليه وسلم:
«صلاة
الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» وفي رواية: بخمس وعشرين.
فصلاة الجماعة فرض على الرجال
في الحضر والسفر، وفي حال الأمان وحال الخوف، وجوبا عينيا، والدليل على ذلك الكتاب
والسنة وعمل المسلمين قرنا بعد قرن، خلفا عن سلف.
ومن أجل ذلك؛ عمرت المساجد،
ورتب لها الأئمة والمؤذنون، وشرع النداء لها بأعلى صوت: حي على الصلاة، حي على
الفلاح.وقال الله تعالى في حال الخوف:﴿وَإِذَا
كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ﴾
الآية؛ فدلت هذه الآية الكريمة على تأكد وجوب صلاة الجماعة، حيث لم يرخص للمسلمين
في تركها حال الخوف، فلو كانت غير واجبة، لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف؛ فإن
الجماعة في صلاة الخوف يترك لها أكثر واجبات الصلاة، فلولا تأكد وجوبها؛ لم يترك من
أجلها تلك الواجبات الكثيرة؛ فقد اغتفرت في صلاة الخوف أفعال كثيرة من أجلها.
وفي الحديث المتفق عليه عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال:«أثقل
الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما، لأتوهما ولو
حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم انطلق معي
برجال معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار»
ووجه الاستدلال من الحديث على
وجوب صلاة الجماعة من ناحيتين:
الناحية الأولى: أنه وصف المتخلفين عنها بالنفاق، والمتخلف عن السنة لا يعد منافقا؛
فدل على أنهم تخلفوا عن واجب.
والناحية الثانية: أنه صلى الله عليه وسلم هم بعقوبتهم على
التخلف عنها، والعقوبة إنما تكون على ترك واجب، وإنما منعه صلى الله عليه وسلم من
تنفيذ هذه العقوبة من في البيوت من النساء والذراري الذين لا تجب عليهم الجماعة.
وفي "صحيح مسلم"
«أن
رجلا أعمى قال: يا رسول الله! ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأله أن يرخص له أن
يصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى؛ دعاه، فقال: "هل تسمع النداء؟"، قال: نعم، قال:"
فأجب» فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالحضور إلى المسجد لصلاة الجماعة
وإجابة النداء مع ما يلاقيه من المشقة، فدل ذلك على وجوب صلاة الجماعة.
وقد كان وجوب صلاة الجماعة
مستقرا عند المؤمنين من صدر هذه الأمة: قال ابن مسعود رضي الله عنه:
«ولقد
رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين
الرجلين حتى يقام في الصف» فدل ذلك على استقرار وجوبها عند صحابة رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ولم يعلموا ذلك إلا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن كل أمر لا
يتخلف عنه إلا منافق يكون واجبا على الأعيان.
وروى الإمام أحمد وغيره
مرفوعا:
«الجفاء
كل الجفاء، والكفر والنفاق، من سمع المنادي إلى الصلاة، فلا يجيبه»
وثبت حديث بذلك:«يد الله على الجماعة، فمن شذ؛ شذ في النار».
«وسئل ابن عباس عن رجل يقوم الليل
ويصوم النهار ولا يحضر الجماعة، فقال: هو في النار» نسأل الله العافية والتوفيق لمعرفة الحق واتباعه، إنه سميع مجيب.
حكم المتخلف عن صلاة الجماعة وما تنعقد به صلاة الجماعة
إن المتخلف عن صلاة الجماعة إذا
صلى وحده؛
فله حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون معذورا في تخلفه لمرض أو خوف، وليس من عادته التخلف لولا
العذر، فهذا يكتب له أجر من صلى في جماعة لما في الحديث الصحيح:«إذا
مرض العبد أو سافر؛ كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما» فمن كان عازما على الصلاة مع الجماعة عزما جازما، ولكن حال دونه
ودون ذلك عذر شرعي؛ كان بمنزلة من صلى مع الجماعة؛ نظرا لنيته الطيبة.
والحالة الثانية: أن يكون تخالفه عن الصلاة مع الجماعة لغير عذر؛ فهذا إذا صلى وحده،
تصح صلاته عند الجمهور، لكنه يخسر أجرا عظيما وثوابا جزيلا، لأن صلاة الجماعة أفضل
من صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، وكذلك يفقد أجر الخطوات التي يخطوها إلى المسجد،
ومع خسرانه لهذا الثواب الجزيل يأثم إثما عظيما، لأنه ترك واجبا عليه من غير عذر،
وارتكب منكرا يجب إنكاره عليه وتأديبه من قبل ولي الأمر، حتى يرجع إلى رشده.
أيها المسلم!
ومكان صلاة الجماعة هو المساجد،
لإظهار شعار الإسلام، وما شرعت عمارة المساجد إلا لذلك، وفي إقامة الجماعة في غيرها
تعطيل لها:
وقد قال الله تعالى:﴿فِي
بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ
فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ
يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾.
وقال تعالى:﴿إِنَّمَا
يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ
الصَّلَاةَ﴾.
ففي هاتين الآيتين الكريمتين
تنويه بالمساجد وعمارها، ووعد لهم بجزيل -136- الثواب، وفي ضمن ذلك ذم من تخلف عن
الحضور للصلاة فيها.
وقد روي أنه:«لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد»
وعن علي رضي الله عنه مثله، وزاد:«وجار
المسجد من أسمعه المنادي» رواه البيقهي بإسناد صحيح.
قال ابن القيم رحمه الله: "ومن
تأمل السنة حق التأمل؛ تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز
معه ترك الجماعة، فترك حضور المساجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر، وبهذا
تتفق الأحاديث وجميع الآثار..." انتهى.
وقد توعد الله من عطل المساجد
ومنع إقامة الصلاة فيها، فقال تعالى:﴿وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى
فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ
لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾
وفي إقامة صلاة الجماعة خارج المسجد تعطيل للمساجد أو تقليل من المصلين فيها،
وبالتالي يكون في ذلك تقليل من أهمية الصلاة في النفوس، والله تعالى يقول:﴿فِي
بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾
وهذا يشمل رفعها حسيا ومعنويا؛ فكل ذلك مطلوب.
لكن إذا دعت حاجة لإقامة صلاة
الجماعة خارج المسجد، كأن يكون المصلون موظفين في دائرتهم وفي مجمع عملهم، وإذا
صلوا في مكانهم، كان أحزم للعمل، وكان في ذلك إلزام الموظفين بحضور الصلاة
وإقامتها، ولا يتعطل من جراء ذلك المسجد الذي حولهم لوجود من يصلي فيه غيرهم، لعله
في تلك الحال - ونظرا لهذه المبررات - لا يكون عليهم حرج في الصلاة في دائرتهم.
وأقل ما تنعقد به صلاة الجماعة
اثنان؛ دون الجماعة مأخوذة من الاجتماع، والاثنان أقل ما يتحقق به الجمع، ولحديث
أبي موسى مرفوعا:«الاثنان
فما فوقهما جماعة» رواه ابن ماجه، ولحديث:
«من
يتصدق على هذا. فقام رجل فصلى معه، فقال: وهذان جماعة» رواه أحمد وغيره، ولقوله صلى
الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث:«وليؤمكما
أكبركما» وحكي الإجماع على هذا.
يباح للنساء حضور صلاة الجماعة
في المساجد بإذن أزواجهن غير متطيبات وغير متبرجات بزينة مع التستر التام والابتعاد
عن مخالطة الرجال، ويكن وراء صفوف الرجال؛ لحضورهن على عهد النبي صلى الله عليه
وسلم. ويسن حضورهن مجالس الوعظ ومجالس العلم منفردات عن الرجال.
ويسن لهن أن يصلين مع بعضهن
جماعة منفردات عن الرجال، سواء كانت إمامتهن منهن، أو يومهن رجل؛
«لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم ورقة أن تجعل لها مؤذنا، وأمرها أن تؤم أهل دارها» رواه أحمد وأهل السنن، وفعله غيرها من الصحابيات، ولعموم قوله صلى
الله عليه وسلم:
«تفضل
صلاة الجماعة على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجه».