صفحة جديدة 8
باب في صفة الصلاة
بعد أن بينا أركان الصلاة
وواجباتها وسننها القولية والفعلية نريد أن نذكر صفة الصلاة المشتملة على تلك
الأركان والواجبات والسنن حسبما وردت به النصوص من صفة صلاة النبي صلى الله عليه
وسلم، لتكون قدوة للمسلم؛ عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا
كما رأيتموني أصلي»
وإليك سياق ذلك:
-
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة؛ استقبل القبلة، ورفع يديه،
واستقبل ببطون أصابعها القبلة، وقال: "الله أكبر".
-
ثم يمسك شماله بيمينه، ويضعهما على صدره.
-
ثم يستفتح، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يداوم على استفتاح واحد؛ فكل الاستفتاحات
الثابتة عنه يجوز الاستفتاح بها، ومنها؛ "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى
جدك، ولا إله غيرك".
-
ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
-
ثم يقرأ فاتحة الكتاب، فإذا ختمها؛ قال: "آمين".
-
ثم يقرأ بعد ذلك سورة طويلة تارة وقصيرة تارة ومتوسطة تارة، وكان يطيل قراءة الفجر
أكثر من سائر الصلوات، وكان يجهر بالقراءة في الفجر والأوليين من المغرب والعشاء
ويسر القراءة فيما سوى ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم يطيل الركعة الأولى من كل صلاة
على الثانية.
-
ثم يرفع يديه كما رفعهما في الاستفتاح، ثم يقول: "الله أكبر"، ويخر راكعا، ويضع
يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويمكنهما، ويمد ظهره، ويجعل رأسه حياله، لا يرفعه
ولا يخفضه، ويقول: "سبحان ربي العظيم".
-
ثم يرفع رأسه قائلا: "سمع الله لمن حمده"، ويرفع يديه كما يرفعهما عند الركوع.
-
فإذا اعتدل قائما؛ قال: "ربنا لك الحمد"، وكان يطيل هذا الاعتدال.
-
ثم يكبر، ويخر ساجدا، ولا يرفع يديه، فيسجد على جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وأطراف
قدميه، ويستقبل بأصابع يديه ورجليه القبلة، ويعتدل في سجوده، ويمكن جبهته وأنفه من
الأرض، ويعتمد على كفيه، ويرفع مرفقيه، ويجافي عضديه عن جنبيه، ويرفع بطنه عن
فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وكان يقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى".
-
ثم يرفع رأسه قائلا: "الله أكبر"، ثم يفرش رجله اليسرى، ويجلسه عليها، وينصب
اليمنى، ويضع يديه على فخذيه، ثم يقول: "اللهم اغفر لي، وارحمني، واجبرني، واهدني،
وارزقني".
-
ثم يكبر ويسجد، ويصنع في الثانية مثل ما صنع في الأولى.
-
ثم يرفع رأسه مكبرا، وينهض على صدور قدميه، معتمدا على ركبتيه وفخذيه.
-
فإذا استتم قائما؛ أخذ في القراءة، ويصلي الركعة الثانية كالأولى.
-
ثم يجلس للتشهد الأول مفترشا كما يجلس بين السجدتين، ويضع يده اليمنى على فخذه
اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، ويضع إبهام يده اليمنى على أصبعه الوسطى
كهيئة الحلقة، ويشير بأصبعه السبابة، وينظر إليها، ويقول: " التحيات لله، والصلوات،
والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، أشهد أن لا إنه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله "،
وكان صلى الله عليه وسلم يحفف هذه الجلسة.
-
ثم ينهض مكبرا، فيصلي الثالثة والرابعة، ويخففهما عن الأوليين، ويقرأ فيهما بفاتحة
الكتاب.
-
ثم يجلس في تشهده الأخير متوركا؛ يفرش رجله اليسرى، بأن يجعل ظهرها على الأرض،
وينصب رجله اليمنى، ويخرجهما عن يمينه، ويجعل أليتيه على الأرض.
-
ثم يتشهد التشهد الأخير، وهو التشهد الأول، ويزيد عليه: "اللهم صل على محمد وعلى آل
محمد، كما صليت على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وباك على محمد وعلى آل محمد، كما
باركت على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد".
-
ويستعيذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة
المسيح الدجال، ويدعو بما ورد من الأدعية في الكتاب والسنة.
-
ثم يسلم عن يمينه، فيقول: "السلام عليكم ورحمة الله"، وعن يساره كذلك، يبتدئ السلام
متوجها إلى القبلة، وينهيه مع تمام الالتفات.
-
فماذا سلم، قال: "استغفر الله (ثلاثا)، اللهم إنك أنت السلام، ومنك السلام، تباركت
يا ذا الجلال والإكرام"، ثم يذكر الله بما ورد.
أيها المسلم!
هذه جملة مختصرة في صفة الصلاة
حسبما ورد في النصوص؛ فعليك أن تهتم بصلاتك غاية الاهتمام، وأن تكون صلاتك متفقة
حسب الإمكان مع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم!، فقد قال الله تعالى:
﴿لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ ونسأل الله للجميع التوفيق والقبول.
باب في بيان ما يكره في الصلاة
يكره في الصلاة الالتفات بوجهه وصدره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وهو
اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد»
رواه البخاري؛ إلا أن يكون ذلك لحاجة؛ فلا بأس به؛ كما في حالة الخوف، أو كان لغرض
صحيح. فإن استدار بجميع بدنه، أو استدبر الكعبة في غير حالة الخوف؛ بطلت صلاته؛
لتركه الاستقبال بلا عذر.
فتبين بهذا أن الالتفات في
الصلاة في حالة الخوف لا بأس به؛ لأن ذلك من
ضروريات القتال، وإن كان في غير حالة الخوف، فإن كان بالوجه والصدر فقط دون بقية
البدن، فإن كان لحاجة؛ فلا بأس، وإن كان لغير حاجة؛ فهو مكروه، وإن كان بجميع
البدن؛ بطلت صلاته.
ويكره في الصلاة رفع بصره إلى السماء، فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من
يفعل ذلك؛ فقال: «ما
بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟!» واشتد قوله في ذلك، حتى قال:
«لينتهن
أو لتخطفن أبصارهم»
رواه البخاري.
وقد سبق أنه ينبغي أن يكون نظر
المصلي إلى موضع سجوده؛ فلا ينبغي له أن يسرح بصره فيما أمامه من الجدران والنقوش
والكتابات ونحو ذلك؛ لأن ذلك يشغله عن صلاته.
ويكره في الصلاة تغميض عينيه لغير حاجة؛ لأن ذلك من فعل اليهود، لأن كان التغميض
لحاجة، كأن يكون أمامه ما يشوش عليه صلاته؛ كالزخارف والتزويق؛ فلا يكره إغماض
عينيه عنه، هذا معنى ما ذكره ابن القيم رحمه الله.
ويكره في الصلاة إقعاؤه في الجلوس، وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه؛ لقوله صلى
الله عليه وسلم: «إذا
رفعت رأسك من السجود؛ فلا تقع كما يقعي الكلب» رواه ابن ماجه، وما جاء بمعناه من الأحاديث.
ويكره في الصلاة أن يستند إلى جدار ونحوه حال القيام؛ إلا من حاجة؛ لأنه يزيل مشقة
القيام، فإن فعله لحاجة - كمرض ونحوه؛ فلا بأس.
ويكره في الصلاة افتراش ذراعيه حال السجود؛ بأن يمدهما على الأرض مع إلصاقهما بها،
قال صلى الله عليه وسلم:
«تدلوا في السجود، ولا يبسط
أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» متفق عليه..
وفي حديث آخر: «ولا
يفترش ذراعيه افتراش الكلب»
ويكره في الصلاة العبث - وهو اللعب - وعمل ما لا فائدة فيه بيد أو رجل أو لحية أو
ثوب أو غير ذلك، ومنه مسح الأرض من غير حاجة.
ويكره في الصلاة التخصر، وهو وضع اليد على الخاصرة، وهي الشاكلة ما فوق رأس الورك
من المستدق، وذلك لأن التخصر فعل الكفار والمتكبرين، وقد نهينا عن التشبه بهم، وقد
ثبت في الحديث المتفق عليه النهي عن أن يصلي الرجل متخصرا.
ويكره في الصلاة فرقعة أصابعه وتشبيكها.
ويكره أن يصلي وبين يديه ما يشغله ويلهيه؛ لأن ذلك يشغله عن إكمال صلاته.
وتكره الصلاة في مكان فيه
تصاوير؛ لما فيه من التشبه بعبادة الأصنام، سواء
كانت الصورة منصوبة أو غير منصوبة على الصحيح.
ويكره
أن يدخل في الصلاة وهو مشوش الفكر بسبب وجود شيء يضايقه؛ كاحتباس
بول، أو غائط، أو ريح، أو حالة برد أو حر شديدين، أو جوع أو عطش مفرطين؛ لأن ذلك
يمنع الخشوع.
وكذا يكره دخوله في الصلاة بعد حضور طعام يشتهيه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا
صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان»
رواه مسلم.
وذلك كله رعاية لحق الله تعالى
ليدخل العبد في العبادة بقلب حاضر مقبل على ربه.
ويكره للمصلي أن يخص جبهته بما يسجد عليه؛ لأن ذلك من شعار الرافضة؛ ففي ذلك
الفعل تشبه بهم.
ويكره في الصلاة مسح جبهته وأنفه مما علق بهما من أثر السجود، ولا بأس بمسح ذلك بعد
الفراغ من الصلاة.
ويكره في الصلاة العبث بمس لحيته وكف ثوب وتنظيف أنفه ونحو ذلك؛ لأن ذلك يشغله عن
صلاته.
والمطلوب من المسلم أن يتجه إلى صلاته بكليته، ولا يتشاغل عنها بها ليس منها، يقول
الله سبحانه:
﴿حَافِظُوا
عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ فالمطلوب إقامة الصلاة بحضور القلب والخشوع، والإتيان بما يشرع
لهما، وترك ما ينافيهما أو ينقصهما من الأقوال والأفعال؛ لتكون صلاة صحيحة مبرئة
لذمة فاعلها، ولتكون صلاة في صورتها وحقيقتها، لا في صورتها فقط وفق الله الجميع
لها فيه الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.