HTML Editor - Full Version
والعبادة والطاعة والاستقامة ولزوم الصّراط المستقيم ونحو ذلك الاسماء مقصودها واحد ولها أصلان:
احدهما : ألا يٌعْبَـــدَ إلا اللهُ.
والثاني : أن يُعْبَـــدَ بما أمَرَ وشَرَعَ لا بغير ذلك من البدع
قال تعالى {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} وقال تعالى {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} وقال تعالى {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتّبع ملّة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا} فالعمل الصالح هو الاحسان وهو فعل الحسنات والحسنات هي ما احبه الله ورسوله وهو ما امر به امر ايجاب او استحباب فما كان من البدع في الدين التى ليست مشروعة فان الله لا يحبها ولا رسوله فلا تكون من الحسنات ولا من العمل الصالح كما ان يعمل مالا يجوز كالفواحش والظلم ليس من الحسنات ولا من العمل الصالح.
واما قوله {ولا يشرك بعبادة ربه احدا} وقوله {أسلم وجهه لله} فهو إخلاص الدين لله} وحده وكان عمر بن الخطاب يقول اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه شيئا .
وقال الفضيل بن عياض فى قوله { ليبلوكم أيكم احسن عملا } قال اخلصه واصوبه قالوا يا ابا علي ما اخلصه واصوبه قال ان العمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص ان يكون لله والصواب ان يكون على السنة.
فإن قيل فإذا كان جميع ما يحبه الله داخلا فى اسم العبادة لماذا عطف عليها غيرها كقوله {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} وقوله {فاعبده وتوكل عليه} وقول نوح {اعبدوا الله واتقوه واطيعون} وكذلك قول غيره من الرسل قيل هذا له نظائر كما فى قوله {ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} والفحشاء من المنكر وكذلك قوله {ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي} وايتاء ذي القربى هو من العدل والاحسان كما ان الفحشاء والبغي من المنكر وكذلك قوله {والذين يمسكون بالكتاب واقاموا الصلاة} واقامة الصلاة من أعظم التمسك بالكتاب وكذلك قوله {انهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا} ودعاؤهم رغبا ورهبا من الخيرات وامثال ذلك فى القرآن كثير .
وهذا الباب يكون تارة مع كون احدهما بعض الاخر فيعطف عليه تخصيصا له بالذكر لكونه مطلوبا بالمعنى العام والمعنى الخاص وتارة تكون دلالة الاسم تتنوع بحال الانفراد والاقتران فاذا افرد عم واذا قرن بغيره خص كاسم الفقير والمسكين لما افرد احدهما في مثل قوله {للفقراء الذين احصروا فى سبيل الله} وقوله {او طعام عشرة مساكين} دخل فيه الاخر ولما قرن بينهما فى قوله انما الصدقات للفقراء والمساكين صارا نوعين.
وقد قيل ان الخاص المعطوف على العام لا يدخل فى العام حال اقتران بل يكون من هذا الباب والتحقيق ان هذا ليس لازما قاال تعالى {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} وقال تعالى {واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم}.
وذكر الخاص مع العام يكون لأسباب متنوعة تارة لكونه له خاصية ليست لسائر أفراد العام كما في نوح وابراهيم وموسى وعيسى وتارة لكون العام فيه اطلاق قد لا يفهم منه العموم كما فى قوله {هدى للمتقين} {والذين يؤمنون الغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك} فقوله يؤمنون بالغيب يتناول الغيب الذي يجب الايمان به لكن فيه اجمال فليس فيه دلالة على ان من الغيب ما انزل اليك وما انزل من قبلك وقد يكون المقصود انهم يؤمنون بالمخبر به وهو الغيب وبالاخبار بالغيب وهو ما انزل إليك وما انزل من قبلك ومن هذا الباب قوله تعالى {اتل ما اوحى اليك من الكتاب وأقم الصلاة وقوله والذين يُمَسِّكُون بالكتاب وأقاموا الصلاة} و تلاوة الكتاب هي اتباعه كما قال ابن مسعود فى قوله تعالى {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} قال يحللون حلاله ويحرمون حرامه ويؤمنون بمتشابهة ويعملون بمحكمه فاتباع الكتاب يتناول الصلاة وغيرها لكن خصها بالذكر لمزيتها وكذلك قوله لموسى {إنّني أنا الله لا إله إلاّ أنا فاعبدني وأقم الصّلاة لذكري} واقامة الصلاة لذكره من اجل عبادته وكذلك قوله تعالى {اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} وقوله {اتقوا الله وكونوا مع الصّادقين} فإن هذه الامور هي ايضا من تمام تقوى الله