صفحة جديدة 1
باب من هزل بشيء فيه ذكر
الله أو القرآن أو الرسول
وقول الله تعالى:
﴿وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ..﴾[التوبة:65]
الآية.
عن ابن عمر، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة – دخل حديث بعضهم
في بعض -: أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قُرَّائنا هؤلاء أرغب بطوناً،
ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء ـ يعني الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
القرّاء ـ فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله
صلى الله عليه وسلم. فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن
قد سبقه. فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته،
فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب، نقطع به عنا الطريق. قال ابن
عمر
رضي الله عنهما: كأني أنظر إليه متعلقاً
بنسـعة ناقة رســول الله
صلى الله عليه وسلم، وإن الحجارة تنكب رجليه – وهو
يقول: إنما كنا نخوض ونلعب – فيقول له رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ﴾[التوبة:65]،
ما يتلفت إليه وما يزيده عليه.
فيه مسائل:
الأولى: وهي العظيمة: أن مَن هزل بهذا فهو كافر.
الثانية: أن هذا تفسير الآية فيمن فعل ذلك كائناً مَن كان.
الثالثة: الفرق بين النميمة والنصيحة لله ورسوله
صلى الله عليه وسلم.
الرابعة: الفرق بين العفو الذي يحبه الله وبين الغلظة على أعداء الله.
الخامسة: أن من الاعتذار ما لا ينبغي أن يُقبل.
باب ما جاء في قول الله تعالى:
﴿وَلَئِنْ
أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا
لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي
عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾[فصلت:50]
قال مجاهد: هذا بعملي وأنا محقوق به. وقال ابن عباس: يريد من عندي.
وقوله:
﴿قَالَ
إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾[القصص:78]؛
قال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب.
وقال آخرون: على علم من الله
أني له أهل. وهذا معنى قول مجاهد: أوتيته على شرف.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن
ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم
ملكاً، فأتى الأبرص، فقال: فأي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني
الذي قد قذرني الناس به قال: فمسحه، فذهب عنه قذره، فبقيا لوناً حسناً وجلداً
حسناً، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبـل أو البقر ـ شك إسحاق ـ فأُعطي ناقة
عشراء، فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع، فقال أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر
حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس به فمسحه، فذهب عنه، وأُعطي شعراً حسناً، قال:
أي المال أحب إليك؟ قال: البقر، أو الإبل، فأُعطي بقرة حاملاً، قال: بارك الله لك
فيها. فأتى الأعمى، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري؛ فأُبصر به
الناس، فمسحه، فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأُعطي
شاة والداً؛ فأنتج هذان وولَّد هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر،
ولهذا وادٍ من الغنم، قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين،
وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال في سفري هذا، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك،
أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال بعيراً أتبلغ به في سفري،
فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيراً فأعطاك
الله المال؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر، قال: إن كنت كاذباً فصيّرك
الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأقرع في صورته وهيئته، فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ
عليه مثل ما ردّ عليه هذا، فقال: إن كنت كاذباً فصيّرك الله إلى ما كنت. قال وأتى
الأعمى في صورته، وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال في سفري،
فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك بالذي ردّ عليك بصرك شاة أتبلغ بها في
سفري، فقال: قد كنت أعمى فردّ الله إليَّ بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا
أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك،
وسخط على صاحبيك» أخرجاه.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير الآية.
الثانية: ما معنى:
﴿لَيَقُولَنَّ
هَذَا لِي﴾[فصلت:50].
الثالثة: ما معنى قوله:
﴿إِنَّمَا
أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾[القصص:78].
الرابعة: ما في هذه القصة العجيبة من العبر العظيمة.