تفسير الإمام ابن كثير سورة لقمان من آية ٢٠ إلى آخر السورة => تفسير ابن كثير ۞ الإستعداد للموت قبل نزوله خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تيسير العلام شرح عمدة الأحكام حديث ٣٣٣ إلى ٣٣٥ كتاب القصاص => تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ۞ القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ٣٦ => القواعد النورانية الفقهية ۞ فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ ثلاث مهلكات وثلات منجيات خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تيسير العلام شرح عمدة الأحكام حديث ٣٣٦ إلى ٣٣٩ كتاب القصاص => تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ۞ القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ٣٧ => القواعد النورانية الفقهية ۞ إجماع الأئمة الأربعة واختلافهم للوزير ابن هبيرة باب المضاربة من المسألة ١٤١٢ إلى ١٤١٨ => اجماع الأئمة الأربعة واختلافهم ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة السجدة من آية ١ إلى ١٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة السجدة من آية ١٨ إلى آخر السورة => تفسير ابن كثير ۞ فضائل عشر ذي الحجة ويوم عرفة خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ خطبة عيد الأضحى ١٤٤٤هـ للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي في ساحة مسجد دار الفاروق بمدينة بلومنتون ولاية مينيسوتا => خطب الجمعة ۞ وافعلوا الخير لعلكم تفلحون خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ إذا كَنَزَ الناسُ الذهَبَ والفِضَّةَ، فاكْنِزوا هؤلاء الكَلِماتِ خطبة الجمعة للشيخ د وليد المنيسي => خطب الجمعة ۞ من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٣٤٠ إلى ٢٤٤ => تفسير سورة البقرة ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٤٠ إلى ٢٤٤ => تفسير ابن كثير ۞ شرح كتاب تفسير للإمام إبن كثير تفسير آية ١٠٠ من سورة الكهف => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ١ إلى ٦ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٧ إلى ١٣ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ١٤ إلى ٢٥ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٢٦ إلى ٢٩ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٣٠ إلى ٣٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب تابع تفسير الآيات من ٣٣ إلى ٣٥ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٣٦ و ٣٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٣٨ إلى ٤٠ => تفسير ابن كثير ۞ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٤١ إلى ٤٤ => تفسير ابن كثير ۞ كل نفس ذائقة الموت خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ المحاضرة الأولى عن الرجاء بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ المحاضرة الثانية عن قسوة القلب بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ المحاضرة الثالثة عن الصدق بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٤٥ إلى ٥٠ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب تابع آية ٥٠ و٥١ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٢ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٣و٥٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٥ و٥٦ => تفسير ابن كثير ۞ إنما المؤمنون إخوة خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ الدرس الأول من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الثاني من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الثالث من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الرابع من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الخامس من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس السادس والأخير من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞

RSS

Twitter

Facebook

Youtube

القائمة الرئيسية
المرئيات الأكثر زيارة
الكتب الأكثر زيارة

16- من قوله: (وقول جهم ومَنْ وافقه) إلى قوله: (وبسط القول فيه في غير هذا الموضع)

16- من قوله: (وقول جهم ومَنْ وافقه) إلى قوله: (وبسط القول فيه في غير هذا الموضع)
608 زائر
21-11-2015
صفحة جديدة 1

وقول جهم ومَنْ وافقه: (إن الإيمان مجرد العلم والتصديق وهو بذلك وحده مُستحِق الثواب والسعادة) يُشبه قول مَنْ قال من الفلاسفة المشائين وأتباعهم: (إن سعادة الإنسان في مجرد أن يعلم الوجود على ما هو عليه)..

كما أن قول الجهمية وهؤلاء الفلاسفة في مسائل الأسماء والصفات ومسائل الجبر والقدر متقاربان، وكذلك في مسائل الإيمان..

وقد بسطنا الكلام على ذلك وبَيّنا بعض ما فيه من الفساد في غير هذا الموضع؛

مثل: أن العلم هو أحد قوتي النفس..

فإن النفس لها قوتان: قوة العلم والتصديق، وقوة الإرادة والعمل..

كما أن الحيوان له قوتان: قوة الحس، وقوة الحركة بالإرادة.

وليس صلاح الإنسان ونفسه في مجرد أن يعلم الحق دون ألا يحبه ويريده ويتبعه، كما أنه ليست سعادته في أن يكون عالماً بالله مُقِرّاً بما يستحقه دون أن يكون مُحِباً لله، عابداً لله، مُطِيعاً لله، بل أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه..

فإذا علم الإنسان الحق وأبغضه وعاداه كان مُستحِقاً من غضب الله وعقابه ما لا يستحقه مَنْ ليس كذلك.

كما أن مَنْ كان قاصداً للحق طالباً له- وهو جاهل بالمطلوب وطريقه- كان فيه من الضلال وكان مُستحقا من اللعنة- التي هي البُعد عن رحمة الله- ما لا يستحقه مَنْ ليس مثله..

ولهذا أمرنا الله أن نقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[الفاتحة:6]

﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ[الفاتحة:7]

والمغضوب عليهم عَلِموا الحق فلم يحبوه ولم يَتّبعوه، والضالون قصدوا الحق لكن بجهل وضلال به وبطريقه؛ فهذا بمنزلة العالم الفاجر، وهذا بمنزلة العابد الجاهل؛ وهذا حال اليهود فإنه مغضوب عليهم، وهذا حال النصارى فإنهم ضالون كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون».

والمتفلسفة أسوأ حالاً من اليهود والنصارى؛ فإنهم جمعوا بين جَهْل هؤلاء وضلالهم وبين فجور هؤلاء وظُلمهم، فصار فيهم من الجهل والظلم ما ليس في اليهود ولا النصارى؛ حيث جعلوا السعادة في مجرد أن يعلموا الحقائق حتى يصير الإنسان عالماً معقولاً مُطابقاً للعالم الموجود، ثم لم ينالوا من معرفة الله وأسمائه وصفاته وملائكته وكتبه ورسله وخَلْقه وأَمْره إلا شيئاً نزراً قليلاً، فكان جهلهم أعظم من علمهم، وضلالهم أكبر من هُداهم، وكانوا مترددين بين الجهل البسيط والجهل الْمُرَكّب..

فإن كلامهم في الطبيعات والرياضيات لا يفيد كمال النفس وصلاحها، وإنما يحصل ذلك بالعلم الإلهي، وكلامهم فيه لحم جَمَلٍ غَثٍّ على رأس جبل وَعْرٍ، لا سهل فيُرْتَقَى ولا سمين فيُنْتَقَل، فإن كلامهم في واجب الوجود ما بين حق قليل وباطل فاسد كثير..

وكذلك كلامهم في العقول والنفوس التي تزعم أتباعهم من أهل الملل أنها الملائكة التي أخبرت بها الرسل؛ وليس الأمر كذلك بل زَعْمهم أن هؤلاء هم الملائكة من جنس زعمهم أن واجب الوجود هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، مع اعترافهم بأن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون إلا في الأذهان..

وكذلك كلامهم في العقول والنفوس يعود عند التحقيق إلى أمور مقدرة في الأذهان لا حقيقة لها في الأعيان..

ثم فيه من الشرك بالله وإثبات رب مبدع لجميع العالم سواه- لكنه معلول له-، وإثبات رب مبدع لكل ما تحت فلك القمر هو معلول الرب فوقه، ذلك الرب معلول لرب فوقه ما هو أقبح من كلام النصارى في قولـهم: إن المسيح ابن الله بكثير كثير كما بسط في غير هذا الموضع.

وليس لمقدميهم كلام في النبوات البتة، ومتأخروهم حائرون فيها؛ فمنهم مَنْ يكذب بها كما فَعَل ابن زكريا الرازي وأمثاله مع قولـهم بحدوث العالم، أثبتوا القدماء الخمسة، وأخذوا من المذاهب ما هو شَرّها وأَفْسَدُها.

ومنهم مَنْ يُصَدّق بها مع قولـه بِقِدَم العالَم كابن سينا وأمثاله، لكنهم يجعلون النبي بمنزلة مَلِكٍ عادل، ويجعلون النبوة كلها من جنس ما يحصل لبعض الصالحين من الكشف والتأثير والتخييل؛

فيجعلون خاصة النبي ثلاثة أشياء:

- قوة الحدس الصائب؛ التي يسمونها القوة القدسية.

- وقوة التأثير في العالم.

- وقوة الحس؛ التي بها يَسمع ويُبْصر المعقولات مُتَخَيَّلَة في نفسه..

فكلام الله عندهم: هو ما في نفسه من الأصوات، وملائكته: هي ما في أنفسهم من الصُّور والأنوار، وهذه الخصال تحصل لغالب أهل الرياضة والصفاء؛ فلهذا كانت النبوة عندهم مُكتسبة.

وصار كل مَنْ سَلَكَ سبيلهم- كالسهروردي المقتول وابن سبعين المغربي وأمثالهما- يطلب النبوة ويطمع أن يقال له: (قم فأنذر)، هذا يقول: (لا أموت حتى يقال لي: قم فأنذر)، وهذا يجاور بمكة ويعمر غار حراء ويطلب أن ينزل عليه فيه الوحي كما نزل على المزمل المدثر مثله..

وكل منهما ومن أمثالهما يسعى بأنواع السيمياء- التي هي من السحر- ويتوهم أن معجزات الأنبياء كانت من جنس السحر السيميائي.

ومَنْ لم يُمكنه طلب النبوة وادعاؤها- لعلمه بقول الصادق المصدوق: «لا نبي بعدي» أو غير ذلك، كابن عربي وأمثاله- طلب ما هو أعلى من النبوة في زعمه، وأن خاتم الأولياء أعظم من خاتم الأنبياء، وأن الولي يأخذ عن الله بلا واسطة، والنبي يأخذ بواسطة الملك..

وبُني ذلك على أصل متبوعيه الفلاسفة؛ فإن عندهم ما يُتَصَوّر في نَفْس النبي أو الولي هي الملائكة من الأشكال النورانية الخيالية، فالملائكة عندهم: ما يتخيله في نفسه، والنبي عندهم: ما يَتَلَقّى بواسطة هذا التخيل، والولي يتلقى المعارف العقلية بدون هذا التخيل، ولا ريب أن مَنْ تَلَقّى المعارف بلا تخيل كان أكمل ممَّنْ تلقاها بتخيل.

فلما اعتقدوا في النبوة ما يعتقده هؤلاء المتفلسفة صاروا يقولون: (إن الولاية أعظم من النبوة) كما يقول كثير من الفلاسفة: (إن الفيلسوف أعظم من النبي)؛ فإن هذا قول الفارابي ومُبَشِّر بن فاتك وغيرهما..

وهؤلاء يقولون: (النبوة أفضل الأمور عند الجمهور، لا عند الخاصة).

ويقولون: (خاصة النبي جودة التخييل والتخيل)..

فجاء هؤلاء الذين أخرجوا الفلسفة في قالب الولاية وعَبّروا عن المتفلسف بالولي، وأخذوا معاني الفلاسفة وأبرزوها في صورة الْمُكاشَفة والْمُخاطَبة، وقالوا: (إن الولي أعظم من النبي؛ لأن المعاني المجردة يأخذها عن الله بلا واسطة تَخَيُّل لشيء في نفسه، والنبي يأخذها عن الله بواسطة ما يتخيل في نفسه من الصور والأصوات)!!

ولم يكفهم هذا البهتان حتى ادّعوا أن جميع الأنبياء والرسل يستفيدون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء؛ الذي هو مِن أجهل الخَلق بالله، وأبعدهم عن دين الله..

والعلم بالله عندهم: بأنه الوجود الْمُطلَق الساري في الكائنات، فوجود كل موجود هو عين وجود واجب الوجود؛

وحقيقة هذا القول قول الدُّهرية الطبيعية الذين ينكرون أن يكون للعالَم مُبدع أبدعه، وهو واجب الوجود بنفسه؛ بل يقولون: (العالم نفسه واجب الوجود بنفسه).

فحقيقة قول هؤلاء شر من قول الدهرية الإلهيين- وهو يعود عند التحقق إلى قول الدهرية الطبيعيين-..

وقد حدثونا: أن ابن عربي تنازع هو والشيخ أبو حفص السهروردي: هل يمكن كل وقت تجلي الحق لعبد مخاطبته له أم لا؟

فقال الشيخ أبو حفص السهروردي: نعم يمكن ذلك.

فقال ابن عربي: لا يمكن ذلك..

وأظن الكلام كان في غيبة كل منهما عن صاحبه..

فقيل لابن عربي: إن السهروردي يقول: (كذا وكذا).

فقال: مسكين! نحن تكلمنا في مشاهدة الذات، وهو يتكلم في مشاهدة الصفات.

وكان كثير من أهل التصوف والسلوك الطالبين لطريق التحقيق والعِرفان- مع أنهم يظنون أنهم متابعون للرسول، وأنهم مُنفون للبدع المخالفة له- يقولون هذا الكلام ويُعَظِّمونه، ويُعَظِّمون ابن عربي لقولـه مثل هذا، ولا يعلمون أن هذا الكلام بناه على أصله الفاسد في الإلحاد الذي يجمع بين التعطيل والاتحاد..

فإن حقيقة الرب عنده: وجود مُجَرّد، لا اسم له ولا صفة، ولا يمكن أن تُرَى ذاته لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا له كلام قام به، ولا عِلْم، ولا غير ذلك، ولكن يُرَى ظاهراً في المخلوقات، مُتَجَلياً في المصنوعات.

وهو عنده: عين وجود الموجودات، وَشَبّهه تارة بظهور الكلي في جزئياته- كظهور الجنس في أنواعه-، والنوع في الخاصية- كما تظهر الحيوانية في كل حيوان، والإنسانية في كل إنسان-..

وهذا بناه على غلط أسلافه المنطقيين اليونانيين؛ حيث ظنوا أن الموجودات العينية تُقارنها جواهر عقلية بحسب ما يُحْمَل عليها من الكُلّيات، فيظنون أن في الإنسان المعين إنساناً عقلياً، وحيواناً عقلياً، وناطقاً عقلياً، وحساساً عقلياً، وجسماً عقلياً، وذاك هو الماهية التي يعرض لها الوجود؛ وتلك الماهية مُشْتَرَكة بين جميع الْمُعَيّنات..

وهذا الكلام له روعة عند مَنْ لم يفهمه ويتدبره، فإذا فَهِمَ حقيقته تَبَيّن له أنه بكلام المجانين أشبه منه بكلام العقلاء، وإنما ذلك لمخالفةٌ للحس والعقل، وإنما أُتِي فيه هؤلاء من حيث إنهم تصوروا في أنفسهم معاني كلية مطلقة، فظنوا أنها موجودة في الخارج..

فضلالهم في هذا عكس ضلالهم في أَمْر الأنبياء؛ فإن الأنبياء شاهدت أموراً خارجة عن أنفسهم فزعم هؤلاء الملاحدة أن تلك كانت في أنفسهم، وهؤلاء الملاحدة شهدوا في أنفسهم أموراً كلية مُطْلقة فظنوا أنها في الخارج وليست إلا في أنفسهم؛ فجعلوا ما في أنفسهم في الخارج وليس فيه، وجعلوا ما أخبرت به الأنبياء في أنفسهم وإنما هو في الخارج؛ فلهذا كانوا مُكَذّبين بالغيب التي أخبرت به الأنبياء..

ثم جعلوا وجود الرب الخالق للعالمين البائن عن مخلوقاته أجمعين هو من جنس وجود الإنسانية في الأناسي، والحيوانية في الحيوان أو ما أشبه ذلك- كوجود الوجود في الثبوت عند مَنْ يقول: (المعدوم شيء)- فإنهم أرادوا أن يجعلوه شيئاً موجوداً في المخلوقات مع مغايرته لها، فضربوا له مثلاً تارة بالكليات، وتارة بالمادة والصورة، وتارة بالوجود المغاير للثبوت، وإذا مَثّلوه بالمحسوسات مَثّلوه بالشُّعاع في الزجاج، أو بالهواء في الصوفة؛ فضربوا لرب العالمين الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً..

وهُم في هذه الأمثال ضالون من وجوه:

أحدها: أن ما مَثّلوا به من المادة مع الصورة، والكليات مع الجزئيات، والوجود مع الثبوت؛ كل ذلك يرجع عند التحقيق إلى شيء واحد لا شيئين، فجعلوا الواحد اثنين كما جعلوا الاثنين واحداً، في مثل صفات الله: يجعلون العلم هو العالم، والعلم هو المعلوم، والعلم هو القدرة، والعلم هو الإرادة..

وأنواع هذه الأمور التي إذا تَدَبّرها العاقل تَبَيّن له أن هؤلاء من أجهل الناس بأمور الإلهية، وأعظم الناس قولاً للباطل، مع ما في نفوسهم ونفوس أتباعهم من الدعاوي الهائلة الطويلة العريضة، كما يدّعي إخوانهم القرامطة الباطنية (أنهم أئمة معصومون مثل الأنبياء) وَهُم من أجهل الناس وأضلهم وأكفرهم.

الثاني: أنهم على كل تقدير من هذه التقديرات يجعلون وجوده مشروطاً بوجود غيره الذي ليس هو مُبتدعاً له؛ فإن وجود الكليات في الخارج مشروط بوجود الجزئيات، ووجود المادة مشروط بالصورة، وكذلك بالعكس، ووجود الأعيان مشروط بثبوتها المستقر في العدم؛ فيلزمهم على كل تقدير أن يكون واجب الوجود مشروطاً بما ليس هو من مبدعاته، وما كان وجوده موقوفاً على غيره الذي ليس هو مصنوعاً له لم يكن واجب الوجود بنفسه وهذا بَيِّن.

الثالث: أن هذا الكلام يعود عند التحقيق إلى أن يكون وجود الخالق عين وجود المخلوقات، وَهُم يُصَرِّحون بذلك، لكن يَدّعون المغايرة بين الوجود والثبوت أو بين الوجود والماهية، وبين الكل والجزء وهو المغايرة بين المطلق والمعين؛ فلهذا كانوا يقولون: بالحلول تارة يجعلون الخالق حالاً في المخلوقات، وتارة محلاً لها، وإذا حقق الأمر عليهم بعدم المغايرة كان حقيقة قولـهم: (أن الخالق هو نفس المخلوقات، فلا خالق ولا مخلوق، وإنما العالم واجب الوجود بنفسه).

الرابع: أنهم يُقِرّون بما يزعمونه من التوحيد عند التعدد في صفاته الواجبة، وأسمائه، وقيام الحوادث به، وعن كونه جسماً، أو جوهراً، ثم هُم عند التحقيق يجعلونه عين الأجسام الكائنة الفاسدة المستقذرة، ويصفونه بكل نَقْص، كما صَرّحوا بذلك قالوا: ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات؟ وأخبر بذلك عن نفسه وبصفات النقص؛ وبصفات الذم، وقالوا: العلي لذاته هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية، والنسب العدمية سواء كانت محمودة عُرفاً وعقلاً وشرعاً أو مذمومة عُرفاً وعقلاً وشرعاً، وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة، فهو مُتّصف عندهم بكل صفة مذمومة كما هو متصف بكل صفة محمودة، وقد بُسِط الكلام على هؤلاء في غير هذا الموضع، فإن أَمْرهم أعظم من أن يُبْسَط هنا.

ولكن المقصود: التنبيه على تشابه رؤوس الضلال، حتى إذا فَهِم المؤمن قول أحدهم أعانه على فَهْم قول الآخر؛ واحترز منهم، وبَيّن ضلالهم لكثرة ما أوقعوا في الوجود من الضلالات..

فابن عربي بزعمه: إنما تجلي الذات عنده شهود مطلق، هو وجود الموجودات مُجَرّدا مُطلقاً، لا اسم له ولا نعت، ومعلوم أن مَنْ تَصَوّر هذا لم يمكن أن يحصل له عنه خطاب؛ فلهذا زعم أن عند تجلي الذات لا يحصل خطاب.

وأمّا أبو حفص السهروردي فكان أعلم بالسُّنة وأَتْبع للسُّنة من هذا وخيراً منه؛ وقد رأى أن ما جاءت به الأحاديث من أن الله يتجلى لعباده ويُخاطبهم حين تجليه لهم فآمن بذلك..

لكن ابن عربي في فلسفته أشهر من هذا في سُنته، ولهذا كان أتباعهما يُعَظِّمون ابن عربي عليه، مع إقرارهم بأن السهروردي أَتْبع للسُّنة..

كما حَدَّثني الشيخ الْمُلَقَّب بـ (حسام الدين) القادم علينا، السالك طريق ابن حموية الذي يلقبه أصحابه سلطان الأقطاب، وكان عنده من التعظيم لابن عربي وابن حموية والغلو فيهما أَمْر عظيم، فَبَيَّنْتُ له كثيراً مما يشتمل عليه كلامهما من الفساد والإلحاد والأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وجرى في ذلك فصول لما كان عنده من التعظيم مع عدم فَهْم حقيقة أقوالهما وما تضمنته من الضلالات..

وكان ممَّنْ حَدَّثني عن شيخه الطاووسي الذي كان بهمدان عن سعد الدين بن حموية أنه قال: (محيي الدين ابن عربي بحر لا تُكَدِّره الدِّلاء، ولكن نور المتابعة النبوية التي على وجه الشيخ شهاب الدين السهروردي شيء آخر)..

فقلت له: هذا كما يقال: (كان هولاكو مَلِك الكفار مَلِكاً عظيماً، لكن نور الإسلام الذي على شهاب الدين غازي صاحب مَيّافارقين شيء آخر)..

فإنهم كانوا يُعَظِّمون ابن عربي ذلك لأن الشيخ شهاب الدين لم يكن مُتمكناً من معرفة السُّنة ومتابعتها وتحقيق ما جاءت به الرسل كَتَمَكُّن ابن عربي في طريقه التي سَلَكَها وجَمَعَ فيها بين الفلسفة والتصوف.

وهؤلاء إنما يقطع دابرهم الْمُبايَنة لله بين الخالق والمخلوق، وإثبات تَعَيُّنه مُنفصلاً عن المخلوق، تُرْفَع إليه الأيدي بالدعاء، وإليه كان معراج خاتم الأنبياء..

وقد ذكر السهروردي في عقيدته المشهورة قولـه: (بلا إشارة ولا تعيين) وهذه هي التي استطال بها عليه هؤلاء؛ فإنه متى نُفيت الإشارة والتعيين لم يبق إلا العدم المحض والتعطيل أو الإلحاد والوَحدة والحلول.

وابن سبعين وأمثاله من هؤلاء الملاحدة يقول هكذا: (لا إشارة ولا تعيين؛ بل عين ما تَرى ذات لا تَرى، وذات لا ترى عين ما ترى)..

ويقولون في أذكارهم: (ليس إلا الله) بدل قول المسلمين: (لا إله إلا الله)؛ لأن معتقدهم أنه وجود كل موجود؛ فلا موجود إلا هو، والمسلمون يعلمون أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وأنه ليس هو المخلوقات ولا جزءاً منها؛ ولا صفة لها، بل هو بائن عنها..

ويقولون: (إن الله تعالى هو الإله الذي يستحق العبادة دون ما سواه من الموجودات فلا إله إلا هو)..

كما قال تعالى: ﴿فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ[الشعراء:213].

وكما قال تعالى: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ[الزمر:64].

وقال تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ[الأنعام:14].

وهؤلاء الملاحدة ما عندهم (غَيْرٌ) يمكن أن يُعْبَد، ولا (غَيْر) يمكن أن يُتّخَذ ولياً ولا إلهاً، بل هو العابد والمعبود، والمصلي والْمُصَلّى له، كما قال شاعرهم ابن الفارض في قصيدته «نَظْم السلوك»:

لها صلواتي بالمقام أقيمها

وأشهد فيها أنها لي صَلَّتِ

كلانا مُصَلٍّ واحد ساجد إلى حقيقته

بالجمع في كل سجدة

إلى قولـه:

وما كان لي صلى سواي ولم تكن

صلاتي لغيري في أدا كل ركعةِ

إليَّ رسولا كنت مني مُرْسِلاً

وذاتي بآياتي علي استدلتِ

وقولـه:

ومازلت إياها وإياي لم تزل

ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت

فهؤلاء الجهمية من المتكلمة والصوفية في قولـهم: (إن الإيمان هو مجرد المعرفة والتصديق) يقولون: (المعروف هو الموجود الموصوف بالسلب والنفي) كقولـهم: (لا هو داخل العالم، ولا خارجه، ولا مباين العالم ولا محايث)، ثم يعودون فيجعلونه حالاً في المخلوقات أو محلاً لها أو هو عينها؛ أو يُعَطِّلونه بالكلية؛ فَهُم في هذا نظير المتفلسفة المشّائين الذين يجعلون كمال الإنسان بالعلم..

والعلم الأعلى عندهم والفلسفة الأولى عندهم: النظر في الوجود ولواحقه.

ويجعلون واجب الوجود وجوداً مُطلقاً بشرط الإطلاق.

لكن أولئك يُغَيّرون العبارات، ويُعَبّرون بالعبارات الإسلامية القرآنية عن الإلحادات الفلسفية واليونانية، وهذا كله قد قُرِّرَ، وَبُسِطَ القول فيه في غير هذا الموضع.

| حفظ | Download , استماع | Play |
 
من الآية ٣٤٠ إلى ٢٤٤ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ - تفسير سورة البقرة
المجلس 17 - أثر الاختلاف في القواعد الأصولية