صفحة جديدة 1
فصل
وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ
وَالْجَمَاعَةِ سَلاَمَةُ قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ لأَصْحَابِ
رَسُولِ الله
صلى الله عليه وسلم، كَمَا
وَصَفَهُمُ اللهُ بِهِ فِي قَوْلــــِهِ تعالى:
﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا
غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر:10]
وَطَاعَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي
فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهُ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ
ذَهَباً مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ».
وَيَقْبَلُونَ مَا جَاءَ
بِهِ الْكِتَابُ
وَالسَّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ مِنْ فَضَائِلِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ، وَيُفَضِّلُونَ
مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ـ وَهُوَ صُلْحُ
الْحُدَيْبِيَةِ ـ وَقَاتَلَ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْد وَقَاتَلَ.
وَيُقَدِّمُونَ
الْمُهَاجِرِينَ عَلَى الأَنْصَارِ وَيُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ
قَالَ لأَهْلِ بَدْرٍ ـ وَكَانُوا ثَلاثَ مِائَةٍ وَبِضْعَةَ
عَشَرَـ:
«اعْمَلُوا
مَا شِئْتُم فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»
وَبِأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ
بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ؛
كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم،
بَلْ لَقَدْ رَضَيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ
أَلْفٍ وَأَرْبَعِ ماِئَة.
وَيَشْهَدُونَ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ شَـــهِدَ لَهُ
رَسُولُ الله
صلى الله عليه وسلم، كَالْعَشَرَةِ، وثَابِتِ بْنِ قِيْسِ بنِ
شَمَّاسٍ رضي الله عنه، وَغَيْرِهِم مِّنَ الصَّحَابَةِ
رضي الله عنهم
وَيُقِرُّونَ بِمَا
تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ
نَبِيِّهـَا: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَيُثَلِّثُونَ
بِعُثْمَانَ،
وَيُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ؛
كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثَارُ،
وكما أجمع الصَّحَابَةُ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانُ
فِي الْبَيْعَةِ مَعَ
أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ
كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ
بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَدَّمَ قَوْمٌ عُثْمَانَ
وَسَكَتُوا، أَوْ
رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ، وَقَدَّم
قَوْمٌ عَلِيّاً، وَقَوْمٌ تَوَقَّفُوا لَكِنِ
اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ، ثُمَّ عَلِيٍّ،
وَإِنْ كَانَتْ هَذِه الْمَسْأَلَةُ ـ مَسْأَلَةُ عُثْمَانَ
وَعَلِيٍّ ـ لَيْسَتْ
مِنَ الأُصُولِ الَّتِي
يُضَلَّلُ الْمُخَالِفُ فِيهَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنِ المسألة
الَّتِي يُضَلَّلُ فِيهَا: مَسْأَلَةُ الْخِلاَفَةِ، وَذَلِك
أنهم يُؤْمِنُونَ
أَنَّ الْخَلِيفَةَ بَعْدَ رَسُولِ الله
صلى الله عليه وسلم:
أبو بَكْرٍ، وعُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، وَمَنْ طَعَنَ فِي
خِلاَفَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاءِ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ
أَهْلِه.
وَيُحِبُّونَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ الله
صلى الله عليه وسلم،
وَيَتَوَلَّوْنَهُمْ،
وَيَحْفَظُونَ فِيهِمْ وَصِيَّةِ رَسُولِ الله
صلى الله عليه وسلم؛
حَيْثُ قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ:
«أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي
أَهْلِ
بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي
أَهْلِ
بَيْتِي»
وَقد قَالَ أَيْضاً لِلْعَبَّاسِ عَمِّه ـ وَقَدِ شكا إِلَيْهِ
أَنَّ
بَعْضَ قُرَيْشٍ يَجْفُو بَنِي هَاشِمٍ ـ فَقَالَ
صلى الله عليه وسلم:
«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ للهِ وَلِقَرَابَتِي»
وَقَالَ
صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّ اللهَ
اصْطَفَى إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إسْمَاعِيلَ كِنَانَةَ،
وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ
قُرَيْشاً، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ،
وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»
وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْوَاجَ النبي
صلى الله عليه وسلم
أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُؤْمِنُونَ بَأَنَّهُنَّ
أَزْوَاجُهُ فِي الآخِرَةِ: خُصُوصاً خَدِيجَةَ أُمَّ
أَكْثَرِ أَوْلاَدِهِ، وَأَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَعَاَضَدَهُ عَلَى أَمْرِه،
وَكَانَ لَهَا مِنْهُ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ وَالصِّدِّيقَةَ
بِنْتَ
الصِّدِّيقِ الَّتِي قَالَ
فِيهَا النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم:
«فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى
سَائِرِ
الطَّعَامِ»
وَيَتَبَرَّؤُونَ مِنْ طَرِيقَةِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ
يُبْغِضُونَ الصَّحَابَةَ وَيَسُبُّونَهُمْ وَطَرِيقَةِ
النَّوَاصِبِ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ أَهْلَ الْبَيْتِ
بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ
وَيُمْسِكُونَ عَمَّا شَجَرَ
بَيْنَ الصَّحَابَةِ،
وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي
مَسَاوِئهِمْ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَمَنْهَا مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ
وَغُيِّرَ عَنْ وَجْهِهِ، وَعامة الصَّحِيحُ مِنْهُ هُمْ فِيهِ
مَعْذُورُونَ: إِمَّا
مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ،
وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ
وَهُم مَّعَ ذَلِكَ
لاَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ
عَنْ كَبَائِرِ
الإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ؛ بَلْ
يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ
وَلَهُم مِّنَ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا صدر
مِنْهُمْ ـ إِنْ صَدَرَ ـ، حَتَّى إنَّهُمْ يُغْفَرُ لَهُم مِّنَ
السَّيِّئَاتِ مَا
لاَ يُغْفَرُ لِمَنْ
بَعْدَهُمْ؛ لأَنَّ لَهُم مِّنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو
السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ
وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ الله
صلى الله عليه وسلم
أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ، وَأَنَّ الْمُدَّ مِنْ أَحَدِهِمْ
إذَا تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَباً
مِمَّن
بَعْدَهُمْ.
ثُمَّ إِذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ عنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ؛ فَيَكُونُ
قَدْ
تَابَ مِنْهُ، أَوْ أَتَى بَحَسَنَاتٍ تَمْحُوهُ، أَو غُفِرَ لَهُ بِفَضْلِ
سَابِقَتِهِ، أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ
صلى الله عليه وسلم
الَّذِي هُمْ أَحَقُّ
النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ، أَوْ ابْتُلِيَ بِبَلاَءٍ فِي الدُّنْيَا
كُفِّرَ بِهِ
عَنْهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي
الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ؛ فَكَيْفَ الأُمُورُ
الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجْتَهِدِينَ: إنْ أَصَابُوا فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِنْ
أخطئوا فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَالْخَطَأُ مغْفُورٌ
ثُمَّ إن الْقَدْرَ
الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِهِمْ قَلِيلٌ نَزْرٌ مَغْفُورٌ فِي جَنْبِ
فَضَائِلِ الْقَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ، مِنَ الإِيمَانِ بِالله،
وَرَسُولِهِ
صلى الله عليه وسلم،
وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالنُّصْرَةِ، وَالْعِلْمِ
النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَمَن نظَرَ فِي سِيرَةِ
الْقَوْمِ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَمَا مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم بِهِ مِنَ
الْفَضَائِلِ؛ عَلِمَ يَقِيناً
أَنَّهُمْ خِيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ؛ لاَ كَانَ وَلا يَكُونُ
مِثْلُهُمْ، وَأَنَّهُمُ الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الأُمَّةِ
الَّتِي هِيَ
خَيْرُ الأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا
عَلَى الله.
وَمِنْ أُصًولِ أَهْلِ
السُّنَّةِ: التَّصْدِيقُ بِكَرَامَاتَ الأَوْلِيَاءِ وَمَا يُجْرِي اللهُ عَلَى
أَيْدِيهِم مِّنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ فِي أَنْوَاعِ الْعُلُومِ
وَالْمُكَاشَفَاتِ وَأَنْوَاعِ الْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرَاتِ،
كالْمَأْثُورِ عَنْ
سَالِفِ الأُمَمِ فِي سُورَةِ
الْكَهْفِ وَغَيْرِهَا، وَعَنْ صَدْرِ هَذِهِ
الأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ قُرُونِ الأُمَّةِ، وَهِيَ
مَوْجُودَةٌ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
فصل
ثم مِنْ
طَرِيقَ أَهْلِ السُّنَّةِ
وَالْجَمَاعَةِ اتِّبَاعُ رَسُولِ الله
صلى الله عليه وسلم
بَاطِناً وَظَاهِراً، وَاتِّبَاعُ سَبِيلِ السَّابِقِينَ
الأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَاتِّبَاعُ
وَصِيَّةِ رَسُولِ
الله
صلى الله عليه وسلم، حَيثُ قَالَ:
«عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي
وَسُنَّةِ
الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ
الْمَهْدِيْينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا،
وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛
فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ»
وَيَعْلَمُونَ أَنَّ أَصْدَقَ الْكَلامِ كَلامُ
الله، وَخَيْرَ الْهَدْيِ
هَدْيُ مُحَمَّدٍ
صلى الله عليه وسلم، ويُؤْثِرُونَ
كَلاَمَ الله عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كَلامِ أَصْنَافِ النَّاسِ،
وَيُقَدِّمُونَ
هَدْيَ مُحَمَّدٍ
صلى الله عليه وسلم
عَلَى هَدْيِ كُلِّ أَحَدٍ؛
وَلِهَذَا سُمُّوا
أَهْلَ الْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ، وَسُمُّوا أَهْلَ الْجَمَاعَةِ؛ لأَنَّ
الْجَمَاعَةَ هِيَ الاِجْتِمَاعُ، وَضِدُّهَا الْفُرْقَةُ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ
الْجَمَاعَةِ قَدْ صَارَ اسْماً لِنَفْسِ الْقَوْمِ
الْمُجْتَمِعِينَ
وَالإِجِمَاعُ
هُوَ الأَصْلُ الثَّالِثُ الَّذِي يُعْتَمَدُ عليه فِي الْعِلْمِ
وَالدينِ، وَهُمْ يَزِنُونَ بِهَذِه الأُصُولِ الثَّلاثَةِ جَمِيعَ
مَا عَلَيْهِ
النَّاسُ مِنْ أَقْوَالٍ
وَأَعْمَالٍ بَاطِنَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ مِمَّا لَهُ
تَعَلُّقٌ بِالدِّينِ
وَالإِجْمَاعُ الَّذِي يَنْضَبِطُ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ
السَّلَفُ الصَّالِحُ؛ إِذْ بَعْدَهُمْ كَثُرَ الاخْتِلاَفُ، وَانْتَشَرَ في
الأُمَّة.
فصل
ثُمَّ هُم مَّعَ هّذِهِ الأُصُولِ يَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَونَ عَنِ الْمُنْكَرِ عَلَى مَا تُوجِبُهُ
الشَّرِيعَة:
وَيَرَوْنَ إِقَامَةَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْجُمَعِ
وَالأَعْيَادِ مَعَ
الأُمَرَاءِ أَبْرَاراً كَانُوا
أَوْ فُجَّاراً، وَيُحَافِظُونَ عَلَى
الْجَمَاعَاتِ وَيَدِينُونَ بِالنَّصِيحَةِ للأُمَّةِ، وَيَعْتَقِدُونَ مَعْنَى
قَوْلِهِ
صلى الله عليه وسلم:
«الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ
الْمَرْصُوصِ؛ يَشُدُّ بَعْضَهُ بَعْضاً»، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ
صلى الله عليه وسلم
وَقَوْلِهِ
صلى الله عليه وسلم:
«مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ
وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ
عُضْوٌ؛ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بُالْحُمَّى وَالسَّهَرِ»
وَيَأْمُرُونَ
بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلاءِ، وَالشُّكْرِ عِنْدَ الرَّخَاءِ
وَالرِّضَا بِمُرِّ
الْقَضَاءِ وَيَدْعُونَ إِلَى
مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَمَحَاسِنِ الأَعْمَالِ،
وَيَعْتَقِدُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ
صلى الله عليه وسلم:
«أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ
إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً»، وَيَنْدُبُونَ إِلَى أَنْ
تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ،
وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ،
وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَيَأْمُرُونَ بِبِرِّ
الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالإِحْسِانِ إلَى
الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالرِّفْقِ
بِالْمَمْلُوكِ،
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْفَخْرِ،
وَالْخُيَلاءِ، وَالْبَغْيِ، وَالاسْتِطَالَةِ عَلَى
الْخَلْقِ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيَأْمُرُونَ بِمَعَالِي
الأَخْلاَقِ،وَيَنْهَوْنَ عَنْ سَفْسَاِفِهَا
وَكُلُّ مَا يَقُولُونَهُ
وَيَفْعَلُونَهُ مِنْ هَذَا فَإِنَّمَا هُمْ فِيهِ مُتَّبِعُونَ
لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَطَرِيقَتُهُمْ هِيَ دِينُ الإسْلاَمِ الَّذِي بَعَثَ
اللهُ بِهِ مُحَمَّداً
صلى الله عليه وسلم
لَكِنْ لَمَّا أَخْبَرَ
النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم
أَنَّ أُمَّتُهُ سَتَفْتَرِقُ
عَلَى ثَلاثٍ
وَسَبْعِينَ فِرْقَةً؛ كُلُّهَا
فِي النَّار إلاَّ وَاحِدَةً، وَهِيَ
الْجَمَاعَةُ وَفِي حَدِيثٍ عَنْهُ
صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:
«هُمْ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ
مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَومَ وَأَصْحَابِي»صَارَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِالإسْلامِ
الْمَحْضِ الْخَالِصِ عَنِ الشَّوْبِ هُمُ أَهْلُ السُّنَّةِ
وَالْجَمَاعَةِ
وَفِيهِمُ الصِّدِّيقُونَ، وَالشُّهَدَاءِ، وَالصَّالِحُونَ،
وَمِنْهُمُ أَعْلامُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى، أُولو
الْمَنَاقِبِ
الْمَأْثُورَةِ، وَالْفَضَائِلِ
الْمَذْكُورَةِ، وَفِيهِمُ الأَبْدَالُ، وفيهم أئمة الدين الَّذِينَ أَجْمَعَ
أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ، وَهُمُ الطَّائِفَةُ
الْمَنْصُورَةُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمُ
النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم:
«لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ
أُمَّتِي عَلَى
الحق منصورة، لاَ يَضُرُّهُم
مَّنْ خَالَفَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَذَلَهُمْ؛
حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»
فنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُمْ وَأَنْ لاَ
يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا، وَأن يَهَبَ لَنَا مِن
لَّدُنْهُ
رَحْمَةً إِنَّهُ هُوَ
الوَهَّابُ
والحمد لله رب العالمين، وصلواته على خير خلقه محمد وآله وصحبه
وسلم.