شرح الملخص الفقهي لفضيلة الشيخ صالح الفوزان - شرح فضيلة الشيخ د.وليد بن إدريس المنيسي كتاب أحكام الآنية وثياب الكفار إلى باب في آداب قضاء الحاجة
باب
في أحكام الآنية وثياب الكفار
الآنية هي الأوعية التي يحفظ فيها الماء وغيره , سواء كانت من الحديد أو الخشب أو الجلود أو غير ذلك .
والأصل فيها الإباحة , فيباح استعمال واتخاذ كل إناء طاهر , ما عدا نوعين هما :
1: إناء الذهب والفضة , والإناء الذي فيه ذهب أو فضة , طلاء أو تمويها أو غير ذلك من أنواع جعل الذهب والفضة في الإناء , ما عدا الضبة اليسيرة من الفضة تجعل في الإناء للحاجة إلى إصلاحه . ودليل تحريم إناء الذهب والفضة قوله صلى الله عليه وسلم :“ لا تشربوا في آنية الذهب والفضة , ولا تأكلوا في صحافهما ; فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة“ رواه الجمـاعة , وقوله صلى الله عليه وسلم :“ الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم“ متفق عليه , والنهي عن الشيء يتناوله خالصا أو مجزءا , فيحرم الإناء المطلي أو المموه بالذهب أو الفضة أو الذي فيه شيء من الذهب والفضة , ما عدا الضبة اليسيرة من الفضة كما سبق ; بدليل حديث أنس رضي الله عنه :“ أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر , فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة“ رواه البخاري .
قال النووي رحمه الله : " انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب فيها , وجميع أنواع الاستعمال في معنى الأكل والشرب بالإجماع " . انتهى .
وتحريم الاستعمال والاتخاذ يشمل الذكور والإناث ; لعموم الأخبار , وعدم المخصص , وإنما أبيح التحلي للنساء لحاجتهن إلى التزين للزوج .
وتباح آنية الكفار التي يستعملونها ما لم تعلم نجاستها , فإن علمت نجاستها ; فإنها تغسل وتستعمل بعد ذلك .
2: جلود الميتة يحرم استعمالها ; إلا إذا دبغت ; فقد اختلف العلماء في جواز استعمالها بعد الدبغ , والصحيح الجواز , وهو قول الجمهور ; لورود الأحاديث الصحيحة بجواز استعماله بعد الدبغ , ولأن نجاسته طارئة , فتزول بالدبغ ; كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :“ يطهره الماء والقرظ “وقوله صلى الله عليه وسلم :“ دباغ الأديم طهوره“
وتباح ثياب الكفار إذا لم تعلم نجاستها ; لأن الأصل الطهارة ; فلا تزول بالشك , ويباح ما نسجوه أو صبغوه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يلبسون ما نسجه الكفار وصبغوه . والله تعالى أعلم .
باب
فيما يحرم على المحدث مزاولته من الأعمال
هناك بعض من الأعمال التي يحرم على المسلم إذا لم يكن على طهارة أن يزاولها لشرفها ومكانتها , وهذه الأعمال نبينها لك بأدلتها ; لتكون منك على بال ; فلا تقدم على واحد منها إلا بعد التهيؤ له بالطهارة المطلوبة .
اعلم يا أخي أن هناك أشياء تحرم على المحدث , سواء كان حدثه أكبر أو أصغر , وهناك أشياء يختص تحريمها بمن هو محدث حدثا أكبر . فالأشياء التي تحرم على المحدث أي الحدثين :
1 - مس المصحف الشريف ; فلا يمسه المحدث بدون حائل ; لقوله تعالى :“ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ“ أي : المتطهرون من الحدث جنابة أو غيرها , على القول بأن المراد بهم المطهرون من البشر , وهناك من يرى أن المراد بهم الملائكة الكرام . وحتى لو فسرت الآية بأن المراد بهم الملائكة ; فإن ذلك يتناول البشر بدلالة الإشارة , وكما ورد في الكتاب الذي كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم ; قوله :“ لا يمس المصحف إلا طاهر “رواه النسائي وغيره متصلا .
قال ابن عبد البر : " إنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول " . قال شيخ الإسلام عن منع مس المصحف لغير المتطهر : " هو مذهب الأئمة الأربعة " .
وقال ابن هبيرة في " الإفصاح " : " أجمعوا ( يعني : الأئمة الأربعة ) أنه لا يجوز للمحدث مس المصحف " انتهى .
ولا بأس أن يحمل غير المتطهر المصحف في غلاف أو كيس من غير أن يمسه , وكذلك لا بأس أن ينظر فيه ويتصفحه من غير مس .
2 - ويحرم على المحدث الصلاة فرضا أو نفلا وهذا بإجماع أهل العلم , إذا استطاع الطهارة ; لقوله تعالى :“ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا“ الآية , وقال النبي صلى الله عليه وسلم :“ لا يقبل الله صلاة بغير طهورا“ رواه مسلم وغيره , وحديث :“ لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ“ فلا يجوز له أن يصلي من غير طهارة مع القدرة عليها , ولا تصح صلاته , سواء كان جاهلا أو عالما , ناسيا أو عامدا , لكن العالم العامد إذا صلى من غير طهارة ; يأثم ويعزر , وإن كان جاهلا أو ناسيا ; فإنه لا يأثم , لكن ; لا تصح صلاته .
3 - يحرم على المحدث الطواف بالبيت العتيق لقوله صلى الله عليه وسلم :“ الطواف بالبيت صلاة ; إلا أن الله أباح فيه الكلام“ وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم للطواف , وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه منع الحائض من الطواف بالبيت حتى تطهر , كل ذلك مما يدل على تحريم الطواف على المحدث حتى يتطهر .
ومما يدل على تحريمه على المحدث حدثا أكبر قوله :“ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا“ أي : لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا ماري طريق ; فمنعه من دخول المسجد للبقاء فيه يقتضي منعه من الطواف من باب أولى . وهذه الأعمال تحرم على المحدث سواء كان حدثه أكبر أو أصغر .
وأما الأشياء التي تحرم على المحدث حدثا أكبر خاصة فهي :
1 - يحرم على المحدث حدثا أكبر قراءة القرآن , لحديث علي رضي الله عنه :“ لا يحجبه ( يعني : النبي صلى الله عليه وسلم ) عن القرآن شيء , ليس الجنابة“ رواه الترمذي وغيره , ولفظ الترمذي : " يقرئنا القرآن ما لم يكن جنبا " ; فهذا يدل على تحريم قراءة القرآن على الجنب وبمعناه الحائض والنفساء , ولكن رخص بعض العلماء - كشيخ الإسلام - للحائض أن تقرأ القرآن إذا خشيت نسيانه .
ولا بأس أن يتكلم المحدث بما وافق القرآن إن لم يقصد القرآن بل على وجه الذكر ; مثل : بسم الله الرحمن الرحيم , والحمد لله رب العالمين , لحديث عائشة رضي الله عنها :“ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه“
2 - ويحرم على المحدث حدثا أكبر من جنابة أو حيض أو نفاس اللبث في المسجد بغير وضوء , لقوله تعالى :“ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا“ أي : لا تدخلوا المسجد للبقاء فيه , ولقوله صلى الله عليه وسلم :“ لا أحل المسجد لحائض ولا جنب“ رواه أبو داود من حديث عائشة , وصححه ابن خزيمة .
فإذا توضأ من عليه حدث أكبر ; جاز له اللبث في المسجد ; لقول عطاء :“ رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة “والحكمة من هذا الوضوء تخفيف الجنابة .
وكذلك يجوز للمحدث حدثا أكبر أن يمر بالمسجد لمجرد العبور منه من غير جلوس فيه ; لقوله تعالى :“ إلا عابري سبيل“ أي : متجاوزين فيه للخروج منه , والاستثناء من النهي إباحة , فيكون ذلك مخصصا لعموم قوله صلى الله عليه وسلم :“ لا أحل المسجد لحائض ولا جنب“ وكذلك مصلى العيد لا يلبث فيه من عليه حدث أكبر بغير وضوء , ويجوز له المرور منه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :“ وليعتزل الحيض المصلى“