HTML Editor - Full Version
شرح كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ صالح الفوزان - شرح فضيلة الشيخ د.وليد بن إدريس المنيسي من النظرية المادية للحياة ومفاسد هذه النظرية إلى بيان حكم الحلف بغير الله والتوسل والاستغاثة والاستعانة بالمخلوق
الفصل التاسع
النظرية المادية للحياة ومفاسد هذه النظرية
هناك نظرتان للحياة، نظرة مادية للحياة ونظرة صحيحة، ولكل من النظرتين آثارها.
أ- فالنظرة المادية للحياة معناها:
أن يكون تفكير الإنسان مقصورا في تحصيل ملذاته العاجلة ويكون عمله محصورا في نطاق ذلك، فلا يتجاوز تفكيره ما وراء ذلك من العواقب ولا يعمل له ولا يهتم بشأنه ولا يعلم أن الله جعل هذه الحياة الدنيا مزرعة للآخرة، فجعل الدنيا دار عمل وجعل الآخرة دار جزاء. فمن استغل دنياه بالعمل الصالح ربح الدارين ومن ضيع دنياه ضاعت آخرته: (خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) فالله لم يخلق هذه الدنيا عبثا بل خلقها لحكمة عظيمة، قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) وقال تعالى: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا).
أوجد سبحانه في هذه الحياة من المتع العاجلة والزينة الظاهرة من الأموال والأولاد والجاه والسلطان وسائر المستلذات مالا يعلمه إلا الله.
فمن الناس- وهم الأكثر- من قصر نظره على ظاهرها ومفاتنها ومتع نفسه بها ولم يتأمل في سرها، فانشغل بتحصيلها وجمعها والتمتع بها عن العمل لما بعدها. بل أنكر أن يكون هناك حياة غيرها كما قال تعالى (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين). وقد توعد الله تعالى من هذه نظرته للحياة فقال تعالى: (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون . أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون)
وقال تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون).
وهذا الوعيد يشمل أصحاب هذه النظرة سواء كانوا من الذين يعملون عمل الآخرة يريدون به الحياة الدنيا كالمنافقين والمرائين بأعمالهم أو كانوا من الكفار الذين لا يؤمنون ببعث ولا حساب كحال أهل الجاهلية والمذاهب الهدامة من رأسمالية وشيوعية وعلمانية إلحادية، وأولئك لم يعرفوا قدر الحياة ولا تعدو نظرتهم لها أن تكون كنظرة البهائم. بل هم أضل سبيلا، لأنهم ألغوا عقولهم وسخروا طاقاتهم وضيعوا أوقاتهم فيما لا يبقى لهم ولا يبقون له، ولم يعملوا لمصيرهم الذي ينتظرهم ولابد لهم منه. والبهائم ليس لها مصير ينتظرها وليس لها عقول تفكر بها بخلاف أولئك، ولهذا يقول تعالى فيهم:(أم تحب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) وقد وصف الله أهل هذه النظرة بعدم العلم قال تعالى:(ولكن أكثر الناس لا يعلمون . يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) فهم وان كانوا أهل خبرة في المخترعات والصناعات فهم جهال لا يستحقون أن يوصفوا بالعلم لأن علمهم لم يتجاوز ظاهر الحياة الدنيا. وهذا علم ناقص لا يستحق أصحابه أن يطلق عليهم هذا الوصف الشريف فيقال العلماء، وإنما يطلق هذا على أهل معرفة الله وخشيته، كما قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)
ومن النظرة المادية للحياة الدنيا ما ذكره الله في قصة قارون وما آتاه الله من الكنوز:
(فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لما مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم)
فتمنوا مثله وغبطوه ووصفوه بالحظ العظيم بناء على نظرتهم المادية، وهذا كما هو الحال الآن في الدول الكافرة وما عندها من تقدم صناعي واقتصادي فان ضعاف الإيمان من المسلمين ينظرون إليهم نظرة إعجاب دون نظر إلى ما هم عليه من الكفر وما ينتظرهم من سوء المصير فتبعثهم هذه النظرة الخاطئة إلى تعظيم الكفار واحترامهم في نفوسهم والتشبه بهم في أخلاقهم وعاداتهم السيئة، ولم يقلدوهم في الجد وإعداد القوة والشيء النافع من المخترعات والصناعات.
ب- النظرة الثانية للحياة ـ النظرة الصحيحة:
وهي أن يعتبر الإنسان ما في هذه الحياة من مال وسلطان وقوى مادية وسيلة يستعان بها لعمل الآخرة.فالدنيا في الحقيقة لا تذم لذاتها، وإنما يتوجه المدح والذم إلى فعل العبد فيها فهي قنطرة ومعبر للآخرة ومنها زاد الجنة. وخير عيش يناله أهل الجنة إنما حصل لهم بما زرعوه في الدنيا. فهي دار الجهاد والصلاة والصيام والإنفاق في سبيل الله ومضمار التسابق إلى الخيرات. يقول الله تعالى لأهل الجنة: (كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم في الأيام الخالية) يعني الدنيا.
الفصل العاشر
في الرقى والتمائم
1ـ الرقى
جمع رقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات ويسمونها العزائم وهي على نوعين:
النوع الأول: ما كان خاليا من الشرك بأن يُقرأ على المريض شيء من القرآن أو يعوذ بأسماء الله وصفاته فهذا مباح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رقى وأمر بالرقية وأجازها، فعن عوف ابن مالك قال: كنا نرقى في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعرضوا على رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا". قال السيوطي: وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله أو بأسماء الله وصفاته. وأن تكون باللسان العربي وما يعرف معناه، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها. بل بتقدير الله تعالى [فتح المجيد 135]. وكيفيتها: أن يقرأ وينفث عل المريض، أو يقرأ في ماء ويسقاه المريض، كما جاء في حديث ثابت بن قيس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ترابا من بطحان فجعله في قدح ثم نفث عليه بماء وصبه عليه).
النوع الثاني: ما لم يخل من الشرك وهي الرقى التي يستعان فيها بغير الله من دعاء غير الله والاستغاثة والاستعاذة به، كالرقى بأسماء الجن أو بأسماء الملائكة والأنبياء والصالحين.فهذا دعاء لغير الله وهو شرك أكبر. أو يكون بغير اللسان العربي أو بما لا يعرف معناه لأنه يخشى أن يدخلها كفر أو شرك ولا يعلم عنه فهذا النوع من الرقية ممنوع.
2ـ التمائم
وهي جمع تميمة وهي: ما يعلق بأعناق الصبيان لدفع العين وقد يعلق على الكبار من الرجال والنساء وهو على نوعين:
النوع الأول هن التمائم:
ما كان من القرآن- بأن يكتب آيات من القرآن، أو من أسماء الله وصفاته ويعلقها للاستشفاء بها فهذا النوع قد اختلف العلماء في حكم تعليقه على قولين:
القول الأول: الجواز وهو قول عبد الله بن عمر بن العاص وهو ظاهر ما روي عن عائشة وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد بن حنبل في رواية عنه وحملوا الحديث الوارد في المنع من تعليق التمائم على التمائم التي فيها شرك.
القول الثاني: المنع من ذلك وهو قول ابن مسعود وابن عباس وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم، وبه قال جماعة من التابعين منهم أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه وجزم بها المتأخرون واحتجوا بما رواه ابن مسعود رضى الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن في الرقى والتمائم والتولة شرك). التولة: شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته.
وهذا هو الصحيح لوجوه ثلاثة:
الأول: عموم النهي ولا مخصص للعموم.
الثاني: سد الذريعة فإنها تفضي إلى تعليق ما ليس مباحا.
الثالث: أنه إذا علق شيئا من القرآن فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك [فتح المجيد 136].
النوع الثاني من التمائم:
التي تعلق على الأشخاص ما كان من غير القرآن- كالخرز والعظام والودع والخيوط والنعال والمسامير وأسماء الشياطين والجن والطلاسم، فهذا محرم قطعا وهو من الشرك لأنه تعلق على غير الله سبحانه وأسمائه وصفاته وآياته، وفي الحديث: (من تعلق شيئا وكل إليه) أي وكله الله إلى ذلك الشيء الذي تعلقه، فمن تعلق بالله والتجأ إليه وفوض أمره إليه كفاه وقرب إليه كل بعيد وشر له كل عسير، ومن تعلق بغيره من المخلوقين والتمائم والأدوية والقبور وكله الله إلى ذلك الذي لا يغني عنه شيئا ولا يملك له ضرا ولا نفعا فخسر عقيدته وانقطعت صلته بربه وخذله الله. والواجب على المسلم المحافظة على عقيدته مما يفسدها أو يخل بها فلا يتعاطى مالأ يجوز من الأدوية ولا يذهب إلى المخرفين والمشعوذين ليتعالج عندهم من الأمراض لأنهم يمرضون قلبه وعقيدته، ومن توكل على الله كفاه. وبعض الناس يعلق هذه الأشياء على نفسه وهو ليس في مرض حسي وإنما فيه مرض وهمي وهو الخوف من العين والحسد، أو يعلقها على سيارته أو دابته أو باب بيته أو دكانه. وهذا كله من ضعف العقيدة وضعف توكله على الله وان ضعف العقيدة هو المرض الحقيقي الذي يجب علاجه بمعرفة التوحيد والعقيدة الصحيحة.