HTML Editor - Full Version
شرح كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ صالح الفوزان - شرح فضيلة الشيخ د.وليد بن إدريس المنيسي من الباب الثاني أقوال وأفعال تنافي التوحيد أو تنقصه إلى تقديم القرابين والنذور والهدايا للمزارات والقبور وتعظيمها
الباب الثاني - أقوال وأفعال تنافي التوحيد أو تنقصه
الفصل الأول
إدعاء علم الغيب و قراءة الكف والفنجان وغيرهما
المراد بالغيب:
ما غاب عن الناس من الأمور المستقبلة والماضية وما لا يرونه، وقد اختص الله تعالى بعلمه، وقال تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله). (65 من سورة النمل)
فلا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وحده، وقد يطلع رسله على ما شاء من غيبه لحكمة ومصلحة، قال تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) (26- 27 من سورة الجن)
أي لا يطلع على شيء من الغيب إلا من اصطفاه لرسالته فيظهره على ما يشاء من الغيب. لأنه يستدل على نبوته بالمعجزات التي منها الإخبار عن الغيب الذي يطلعه الله عليه. وهذا يعم الرسول الملكي والبشري ولا يطلع غيرهما لدليل الحصر. فمن ادعى علم الغيب بأي وسيلة من الوسائل غير من استثناه الله من رسله فهو كاذب كافر- سواء ادعى ذلك بواسطة قراءة الكف أو الفنجان أو الكهانة أو السحر أو التنجيم أو غير ذلك- وهذا الذي يحصل من بعض المشعوذين والدجالين من الأخبار من مكان الأشياء المفقودة والأشياء الغائبة. وعن أسباب بعض الأمراض، فيقولون فلان عمل لك كذا وكذا فمرضت بسببه، إنما هو لاستخدام الجن والشياطين، ويظهرون للناس أن هذا يحصل لهم عن طريق عمل هذه الأشياء من باب الخداع والتلبيس... قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والكهان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيبات بما يسترقه من السمع. وكانوا يخلطون الصدق بالكذب، إلى أن قال: ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة فواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع ومنهم من يطير به المجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيره. انتهى. انظر مجموعة التوحيد (797، 1 0 8).
وقد يكون إخبارهم عن ذلك عن طريق التنجيم- وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كأوقات هبوب الرياح ومجيء المطر وتغير الأسعار وغير ذلك من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها. ويقولون: من تزوج بنجم كذا وكذا حصل له كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا حصل له كذا، ومن ولد بنجم كذا وكذا حصل له كذا من السعود أو النحوس كما يعلن في بعض المجلات الساقطة من الخزعبلات حول البروج وما يجرى فيها من الحظوظ.
وقد يذهب بعض الجهال وضعاف الإيمان إلى هؤلاء المنجمين فيسألهم عن مستقبل حياته وما يجري عليه فيه وعن زواجه وغير ذلك. ومن ادعى علم الغيب أو صدق من يدعيه فهو مشرك كافر، لأنه يدعي مشاركة الله فيما هو من خصائصه. والنجوم مسخرة مخلوقة ليس لها من الأمر شيء ولا تدل على نحوس ولا سعود ولا موت ولا حياة. وإنما هذا كله من أعمال الشياطين الذين يسترقون السمع.
الفصل الثاني
السحر والكهانة والعرافة
كل هذه الأمور أعمال شيطانية محرمة. تخل بالعقيدة أو تناقضها لأنها لا تحصل إلا بأمور شركية.
ا- فالسحر عبارة عما خفي ولطف سببه:
سمي سحرا لأنه يحصل بأمور خفية لا تدرك بالأبصار- وهو: عزائم ورقى وكلام يتكلم به وأدوية وتدخينات. وله حقيقة. ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه وتأثيره بإذن الله الكوني القدري- وهو عمل شيطاني- وكثير منه لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الأرواح الخبيثة بما تحب والتوصل إلى استخدامها بالإشراك بها- ولهذا قرنه الشارع بالشرك حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هي؟ قال: الإشراك بالله والسحر" الحديث. فهو داخل في الشرك من ناحيتين:
الناحية الأولى: ما فيه من استخدام الشياطين والتعلق بهم والتقرب إليهم بما يحبونه ليقوموا بخدمة الساحر. فالسحر من تعليم الشياطين- قال تعالى:(ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر)
الثانية: ما فيه من دعوى علم الغيب ودعوى مشاركة الله في ذلك. وهذا كفر وضلال قال تعالى: (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) أي نصيب وإذا كان كذلك فلا شك أنه كفر وشرك يناقض العقيدة ويجب قتل متعاطيه. كما فعل جماعة من أكابر الصحابة رضى الله عنهم- وقد تساهل الناس في شأن الساحر والسحر وربما عدوا ذلك فنا من الفنون التي يفتخرون بها ويمنحون أصحابها الجوائز والتشجيع. ويقيمون النوادي والحفلات والمسابقات للسحرة ويحضرها آلاف المتفرجين والمشجعين. وهذا من الجهل بالدين والتهاون بشأن العقيدة وتمكين للعابثين بها.
2ـ الكهانة والعرافة
وهما ادعاء علم الغيب ومعرفة الأمور الغائبة كالأخبار بما سيقع في الأرض وما سيحصل. وأين مكان الشيء المفقود. وذلك عن طريق استخدام الشياطين الذين يسترقون السمع من السماء. كما قال تعالى: (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون) وذلك أن الشيطان يسترق الكلمة من كلام الملائكة فيلقيها في أذن الكاهن ويكذب الكاهن مع هذه الكلمة مائة كذبة فيصدقه الناس بسبب تلك الكلمة التي سمعت من السماء. والله المنفرد بعلم الغيب. فمن ادعى مشاركته في شيء من ذلك بكهانة أو غيرها أو صدق من يدعي ذلك فقد جعل لله شريكا فيما هو من خصائصه. والكهانة لا تخلو من الشرك. لأنها تقربٌ إلى الشياطين بما يحبون. فهي شرك في الربوبية من حيث ادعاء مشاركة الله في علمه. وشرك في الألوهية من حيث التقرب إلى غير الله بشيء من العبادة. وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد-صلى الله عليه وسلم ".
ومما يجب التنبيه عليه والتنبه له: أن السحرة والكهان والعرافين يعبثون بعقائد الناس بحيث يظهرون بمظهر الأطباء فيأمرون المرضى بالذبح لغير الله- بأن يذبحوا خروفا صفته كذا وكذا أو دجاجة. أو يكتبون لهم الطلاسم الشركية والتعاويذ الشيطانية بصفة حروز يعلقونها في رقابهم أو يضعونها في صناديقهم أو في بيوتهم. والبعض الآخر يظهر بمظهر المخبر عن المغيبات وأماكن الأشياء المفقودة. بحيث يأتيه الجهال فيسألونه عن الأشياء الضائعة فيخبرهم بها أو يحضرها لهم بواسطة عملائه من الشياطين- وبعضهم يظهر بمظهر الولي الذي له خوارق وكرامات كدخول النار ولا تؤثر فيه. وضرب نفسه بالسلاح. أو وضع نفسه تحت عجلات السيارة ولا تؤثر فيه. أو غير ذلك من الشعوذات التي هي في حقيقتها سحر من عمل الشيطان يجرى على أيدي هؤلاء للفتنة. أوهي أمور تخيلية لا حقيقة لها بل هي حيل خفية يتعاطونها أمام الأنظار كعمل سحرة فرعون بالحبال والعصى- قال شيخ الإسلام في مناظرته للسحرة البطائحية الأحمدية (الرفاعية) قال: (يعني شيخ البطائحية) ورفع صوته: نحن لنا أحوال وكذا وكذا. وادعى الأحوال الخارقة كالنار وغيرها واختصاصهم بها. وأنهم يستحقون تسليم الحال إليها لأجلها- قال شيخ الإسلام: فقلت ورفعت صوتي وغضبت: أنا أخاطب كل أحمدي من مشرق الأرض إلى مغربها. أي شيء فعلوه في النار فأنا أصنع مثل ما تصنعون ومن احترق فهو مغلوب. وربما قلت: فعليه لعنة الله- ولكن بعد أن تغسل جسومنا بالخل والماء الحار- فسألني الأمراء والناس عن ذلك. فقلت: لأن لهم حيلا في الاتصال بالنار يصنعونها من أشياء من دهن الضفادع وقشر النارنج وحجر الطلق فضج الناس بذلك- فأخذ يظهر القدرة على ذلك فقال: أنا وأنت نُلف في بارية بعد أن تطلى جسومنا بالكبريت. فقلت فقم. وأخذت أكرر عليه في القيام إلى ذلك. فمد يده يظهر خلع القميص. فقلت: لا. حتى تغتسل بالماء الحار والخل فأظهر الوهم على عادتهم فقال: من كان يحب الأمير فليحضر خشبا. أو قال حزمة حطب فقلت: هذا تطويل وتفريق للجمع ولا يحصل به مقصود. بل قنديل يوقد وأدخل أصبعي وأصبعك فيه بعد الغسل ومن احترقت أصبعه فعليه لعنة الله أو قلت فهو مغلوب. فلما قلت ذلك تغير وذل- انتهى. والمقصود منه بيان أن هؤلاء الدجالين يكذبون على الناس بمثل هذه الحيل الخفية.[مجموع الفتاوى 11/ 465- 446].