الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عن حذيفة بن اليمان قال رسول الله : «تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين قلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض»[رواه مسلم].
بيّن النبي حال القلوب عندما تتعرض للفتن والفتن نوعان فتن الشهوات التي تحول بين العبد وبين طاعة أمر الله ورسوله وفتن الشبهات التي تحول بين العبد وبين تصديق خبر الله ورسوله، فبين أن الفتن تؤثر في القلب كتأثير أعواد الحصير في جنب النائم عليه، فالقلب الذي أُشْرب الفتنة أي تخللته الفتنة كما يتخلل الشراب في الإسفنج ظهرت عليه علامة سوداء ثم ظلت هذه العلامات السود تزداد حتى يصبح هذا القلب أسود وفي لونه رُبْدة وهي لون بين السواد والغبرة كالكوز المقلوب لا ينفذ إلى داخله نور ولا ضياء، وأما القلب الذي أنكر الفتنة ورفضها واعتصم بالله تعالى فإنه تظهر عليه علامة بيضاء ثم تزداد هذه العلامات البيض حتى يتحول قلبه إلى قلب أبيض منير لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض.
عن أبي هريرة قال رسول الله : «إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتةٌ سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستعتب صُقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي قال تعالى: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون»[رواه الترمذي والنسائي].
وعن أبي سعيد الخدري قال رسول الله : «القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر وقلبٌ أغلف مربوطٌ على غلافه وقلب منكوس وقلب مصفح فأما القلب الأجرد فقلب مؤمن فسراجه فيه نوره وأما القلب الأغلف فقلب الكافر وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص عرف ثم أنكر وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه» [رواه أحمد وحسنه ابن كثير في تفسيره 1/87].
قال تعالى: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً [الإسراء:2].
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال رسول الله : «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» [رواه البخاري ومسلم].
وقد بين الله سبحانه في كتابه الكريم أن القلوب على ثلاثة أقسام :
أ- القلب السليم: الذي سلم من أمراض الشبهات ومن أمراض الشهوات وهو القلب الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من جاء به قال تعالى: يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم [الشعراء:88-89]. وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: إذ جاء ربه بقلب سليم [الصافات].
ب-القلب الميت وهو قلب الكافر وقد صار عليه غلاف يمنع وصول الحق إليه، قال تعالى: وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً وهو القلب القاسي، قال تعالى: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة [البقرة].
ج- القلب المريض بمرض الشهوات كما في قوله تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب].
أو بمرض الشبهات كما في قوله تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [النور].
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
إن لمرض القلوب أعراضاً وعلامات منها: تقديم العبد حظه وشهوته على طاعة ربه ومحبته قال تعالى: أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً [الفرقان:43]. قال بعض السلف هو الذي كلما هوى شيئاً ركبه.
ومن العلامات: أن صاحبه لا تؤلمه جراحات المعاصي كما قيل: وما لجرح بميت إيلام، فالقلب الصحيح السليم يتوجع بالمعصية ويتألم كما قال تعالى: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون[الأعراف:201].
ومنها: الإعراض عن الأغذية النافعة للقلب كتلاوة القرآن وذكر الله وطاعته والعلم النافع واستبدالها بالسموم القاتلة للقلب كسماع الغناء والمحرمات والنظر إلى ما حرم الله.
أيها المسلمون: إن الإنسان إذا مرض قلبه فلم يبادر بالعلاج وتناول الدواء واستمر على تعاطي ما يزيد في مرضه يوشك أن يموت قلبه.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم آمين والحمد لله رب العالمين.
|