الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
بعد أيام قلائل سوف تنقل الصحف والإذاعات من معظم البلاد الإسلامية أحداث احتفالات تجري في سرادقات ضخمة تقام لإحياء ذكرى مولد رسول الله في الثاني عشر من شهر ربيع الأول كما يحدث كل عام.
إذا نظرنا إلى هذه الاحتفالات بميزان الشرع الحنيف وجدنا أنها من البدع والضلالات التي لا يجوز للمسلم أن يشارك فهي للأسباب التالية:
1- أنه لم يفعله النبي في حياته قط ولا احتفل الصحابة رضي الله عنهم بمولده بعد وفاته .
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف.
- · قال الله تعالى: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً [الملك]. قال الفضيل بن عياض أحسن عملاً أي أخلصه وأصوبه، إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، والصواب أن يكون على السنة، والخالص أن يكون لله، وقرأ: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً [الكهف].
- · وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
- · وروى أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني عن العرباض بن سارية أن النبي قال: «إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة».
- · وقال عبد الله بن مسعود : اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.
- · وقال مالك رحمه الله: السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
- · قال شاه الكرماني رحمه الله: من عمّر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بالمراقبة، وتنزه عن أكل الحرام لم تخطئ له فراسة. وكان شاه لا تخطئ له فراسة.
2- أنها ليس لها أساس من التاريخ لأن كتب السيرة حكت اختلاف المؤرخين في يوم مولده قيل هو يوم 2 أو 8 أو 10 أو 12 أو 17 أو 22 وليس لأحد هذه الآراء ما يرجحه على الآراء الأخرى بل الحساب الفلكي الذي يتعصب له هؤلاء المحتفلون بالمولد ويرون أنه قطعي في صيام رمضان، الحساب الفلكي يؤكد أن يوم الاثنين في شهر مولده عام الفيل يوافق 2 أو 9 أو 16 أو 23 وقد ولد قطعاً يوم اثنين فلا يمكن أن يكون ولد يوم 12 (راجع الرحيق المختوم).
وهذا الاختلاف الكبير في تاريخ المولد دليل قطعي على أن النبي وأصحابه لم يعيروا هذه المناسبة أي اهتمام عندما تمر كل سنة.
3- النبي قد توفي في الثاني عشر من ربيع الأول 11هـ، فهذا اليوم الذي يحتفلون فيه بالمولد هو نفس ذكرى وفاته وليس الفرح في هذه المناسبة بأولى من الحزن فيها.
4- أن الاحتفال بالموالد عادة نصرانية وقد قال : «من تشبه بقوم فهو منهم».
فالنصارى هم الذين يحتفلون بأعياد الميلاد، وانتقلت هذه العادة النصرانية إلى المسلمين عندما ضعف تمسكهم بدينهم وفشا فيهم التشبه بأعدائهم.
5- هذه الاحتفالات تشتمل على الكثير من المحظورات الشرعية، وعلى رأسها الشرك بالله تعالى حيث ينشدون قصيدة البردة للبوصيري والتي يقول فيها:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللـوح والقلم
وغير ذلك من الأبيات الشركية التي فيها الاستغاثة بالنبي وادعاء أنه يعلم الغيب، مع أن الله تعالى قال له: قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء[الأعراف:188].
وقال : «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم، وإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» [صحيح البخاري ومسلم عن عمر].
بالإضافة إلى ما يكون في هذه الاحتفالات من الرقص والطبل والزمر وأنواع اللهو واختلاط النساء بالرجاء، فشابهوا بذلك الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً.
6- كل بدعة تميت سنة: وبدعة الاحتفال بالمولد قد أماتت السنن، لأن الذين يحتفلون بهذه الموالد يظنون بذلك أنهم قد أدوا واجبهم نحو رسول الله ، فتجدهم بعد ذلك يتركون الصلوات ويقعون في الفواحش والمنكرات ويتركون واجبهم الحقيقي تجاه رسول الله .
أيها المسلمون: للنبي حقوق على أمته، وهذه الحقوق هي جزء من شكرنا له تجاه ما أسداه إلى أمته من تبليغ ما أمر به، فقد كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً كما وصفه ربه سبحانه وقد فتح الله تعالى به قلوباً غلفاً وآذاناً صماً وأعيناً عمياً، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، قال الله تعالى: كما أرسلنا فيكم رسولاً يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون [البقرة:151].
ومن حقوقه على أمته:
1- الإيمان به وتعزيره وتوقيره، والتعزير هو النصر، والتوقير هو الاحترام والإجلال.
2- تصديقه فيما أخبر وعدم الشك في شيء مما ثبت أنه أخبر به لأنه الصادق الأمين، وقد شهد له أعداؤه بالصدق وقالوا: ما جربنا عليك كذباً قط، وقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله تعالى.
قال حسان بن ثابت:
لو لم يكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تأتيك بالخبر
أي دلائل صدقه لا تنحصر في المعجزات لأن النبي أصدق الصادقين، ومن ادعى النبوة بعده فهو أكذب الكاذبين ولا يلتبس أصدق الصادقين بأكذب الكاذبين إلا على أجهل الجاهلين قال عثمان : (ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على، صفحات وجهه وفلتات لسانه).
|