صفحة جديدة 9
رَوَى اِبْنُ عُمَرَ أَنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ
اَلسَّلَامُ- قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
«مَا اَلْإِيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ،
وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ اَلْآخِرِ، وَبِالْقَدَرِ
خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَقَالَ جِبْرِيلُ صَدَقْتَ»
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
«آمَنْتُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ».
وَمِنْ دُعَاءِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اَلَّذِي عَلَّمَهُ
اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَدْعُو بِهِ فِي قُنُوتِ اَلْوِتْرِ:
«وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ».
وَلَا نَجْعَلُ قَضَاءَ اَللَّهِ وَقَدَرَهُ حُجَّةً لَنَا فِي تَرْكِ
أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيه، بَلْ يَجِبُ أَنْ نُؤْمِنَ وَنَعْلَمَ أَنَّ
لِلَّهِ عَلَيْنَا اَلْحُجَّةَ بِإِنْزَالِ اَلْكُتُبِ، وَبِعْثَةِ اَلرُّسُلِ.
قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى:
﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾[النساء:165].
وَنَعْلَمَ أَنَّ اَللَّهَ -سُبْحَانَهُ- مَا أَمَرَ وَنَهَى إِلَّا
اَلْمُسْتَطِيعَ لِلْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُجْبِرْ أَحَداً عَلَى
مَعْصِيَةٍ، وَلَا اِضْطَرَّهُ إِلَى تَرْكِ طَاعَةٍ.
قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى:
﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾[البقرة:286].
وَقَالَ اَللَّهُ تَعَالَى:
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن:16].
وَقَالَ تَعَالَى:
﴿الْيَوْمَ
تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾[غافر:17].
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلاً وَكَسْباً، يُجْزَى عَلَى
حُسْنِهِ بِالثَّوَابِ، وَعَلَى سَيِّئِهِ بِالْعِقَابِ، وَهُوَ وَاقِعٌ بِقَضَاءِ
اَللَّهِ وَقَدَرِهُ.
فَصْلٌ
حَقِيقَةُ اَلْإِيمَان
وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ وَعَقْدٌ
بِالْجَنَانِ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْعِصْيَانِ..
قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا
أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ
وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾[البينة:5]
فَجَعَلَ عَبَادَةَ اَللَّهِ تَعَالَى، وَإِخْلَاصَ اَلْقَلْبِ،
وَإِقَامَ اَلصَّلَاةِ، وَإِيتَاءَ اَلزَّكَاةِ كُلَّهُ مِنْ اَلدِّينِ وَقَالَ
رَسُولُ اَللَّهِ
r: اَلْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلَاهَا شَهَادَةُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ اَلْأَذَى عَنْ
اَلطَّرِيقِ فَجَعَلَ اَلْقَوْلَ وَالْعَمَلَ مِنْ اَلْإِيمَانِ..
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾[آل عمران:173]
وَقَالَ:
﴿لِيَزْدَادُوا
إِيمَانًا﴾[الفتح:4]
وَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ
r:
«يَخْرُجُ مِنْ اَلنَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ
وَفِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ بُرَّةٍ، أَوْ خَرْدَلَةٍ، أَوْ ذَرَّةٍ مِنْ
اَلْإِيمَانِ» فَجَعَلَهُ مُتَفَاضِلاً.
فَصْلٌ
وُجُوبُ اَلْإِيمَانِ بِكُلِّ
مَا أَخْبَرَ بِهِ اَلنَّبِيُّ
r
وَيَجِبَ اَلْإِيمَانُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ اَلنَّبِيُّ
r وَصَحَّ بِهِ اَلنَّقْلُ عَنْهُ فِيمَا شَاهَدْنَاهُ، أَوْ غَابَ
عَنَّا، نَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا عَقِلْنَاهُ
وَجَهِلْنَاهُ، وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ، مِثْلَ حَدِيثِ
اَلْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ وَكَانَ يَقَظَةً لَا مَنَاماً، فَإِنَّ قُرَيْشاً
أَنْكَرَتُهُ وَأَكْبَرَتَهُ، وَلَمْ تُنْكِرْ اَلْمَنَامَاتِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ
مَلَكَ اَلْمَوْتِ لَمَّا جَاءَ إِلَى مُوسَى -عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ- لِيَقْبِضَ
رُوحِهِ لَطَمَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ
عَيْنَهُ.