صفحة جديدة 1
وَكَمَا أَنَّهُمْ يَسْتَشْهِدُونَ وَيَعْتَبِرُونَ بِحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ «سُوءُ
حِفْظٍ»، فَإِنَّهُمْ أَيْضاً يُضَعِّفُونَ مِنْ حَدِيثِ: «الثِّقَةِ، الصَّدُوقِ،
الضَّابِطِ»، أَشْيَاءَ تَبَيَّنَ لَهُمْ غَلَطُهُ فِيهَا، بِأُمُورٍ
يَسْتَدِلُّونَ بِهَا -وَيُسَمُّونَ هَذَا: «عِلْمَ عِلَلِ الحَدِيثِ»، وَهُوَ مِنْ
أَشْرَفِ عُلُومِهِمْ- بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ «ثِقَةٌ ضَابِطٌ»
وَغَلِطَ فِيهِ، وَغَلَطُهُ فِيهِ عُرِفَ إِمَّا بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ، كَمَا عَرَفُوا:
«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ [حَلَالٌ]»،
وَأَنَّهُ «صَلَّى فِي البَيْتِ رَكْعَتَيْنِ»، وَجَعَلُوا رِوَايَةَ ابْنِ
عَبَّاسٍ لِتَزَوُّجِهَا [وَهُوَ مُحْرِمٌ]، وَلِكَوْنِهِ لَمْ يُصَلِّ؛ مِمَّا
وَقَعَ فِيهِ الغَلَطُ.
وَكَذَلِكَ أَنَّهُ «اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ»، وَعَلِمُوا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ
عُمَرَ: «إِنَّهُ اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ» مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الغَلَطُ.
وَعَلِمُوا أَنَّهُ تَمَتَّعَ وَهُوَ «آمِنٌ» فِي «حَجَّةِ الوَدَاعِ»، وَأَنَّ
قَوْلَ عُثْمَانَ لِعَلِيٍّ: «كُنَّا يَوْمَئِذٍ خَائِفِينَ»، مِمَّا وَقَعَ فِيهِ
الغَلَطُ. وَأَنَّ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ «البُخَارِيِّ»: «أَنَّ النَّارَ
لَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يُنْشِئَ اللهَ لَهَا خَلْقاً آخَرَ»، مِمَّا وَقَعَ فِيهِ
الغَلَطُ. وَهَذَا كَثِيرٌ.
وَالنَّاسُ فِي هَذَا البَابِ طَرَفَانِ: طَرَفٌ مِنْ «أَهْلِ الكَلَامِ»
وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ هُوَ بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفَةِ «الْحَدِيثِ» وَأَهْلِهِ، لَا
يُمَيِّزُ بَيْنَ «الصَّحِيحِ» وَ«الضَّعِيفِ»، فَيَشُكُّ فِي صِحَّةِ أَحَادِيثَ،
أَوْ فِي القَطْعِ بِهَا، مَعَ كَوْنِهَا مَعْلُومَةً، مَقْطُوعاً بِهَا عِنْدَ
أَهْلِ العِلْمِ بِهِ.
وَطَرَفٌ مِمَّنْ يَدَّعِي اتِّبَاعَ الْحَدِيثِ وَالْعَمَلَ بِهِ، كُلَّمَا وَجَدَ
لَفْظاً فِي حَدِيثٍ قَدْ رَوَاهُ «ثِقَةٌ»، أَوْ رَأَى حَدِيثاً بِإِسْنَادٍ
ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ، يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا جَزَمَ أَهْلُ
العِلْمِ بِصِحَّتِهِ، حَتَّى إِذَا عَارَضَ «الصَّحِيحَ» المَعْرُوفَ أَخَذَ
يَتَكَلَّفُ لَهُ التَّأْوِيلَاتِ البَارِدَةَ، أَوْ يَجْعَلُهُ دَلِيلاً لَهُ فِي
مَسَائِلِ الْعِلْمِ، مَعَ أَنَّ أَهْلَ العِلْمِ بِالحَدِيثِ يَعْرِفُونَ أَنَّ
مِثْلَ هَذَا غَلَطٌ.
وَكَمَا أَنَّ عَلَى الحَدِيثِ أَدِلَّةً يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهُ صِدْقٌ، وَقَدْ
يُقْطَعُ بِذَلِكَ؛ فَعَلَيْهِ أَدِلَّةٌ يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهُ كَذِبٌ،
وَيُقْطَعُ بِذَلِكَ؛ مِثْلُ مَا يُقْطَعُ بِكَذِبِ مَا يَرْوِيهِ الوَضَّاعُونَ
مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالغُلُوِّ فِي «الفَضَائِلِ»؛ مِثْلُ حَدِيثِ «يَوْمِ
عَاشُورَاءَ»، وَأَمْثَالِهِ مِمَّا فِيهِ «أَنَّ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ
لَهُ كَأَجْرِ كَذَا وَكَذَا نَبِيّاً».
وَفِي «التَّفْسِيرِ» مِنْ هَذِهِ المَوْضُوعَاتِ قِطْعَةٌ كَبِيرَةٌ، مِثْلُ
الحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ «الثَعْلَبِيُّ»، وَ«الوَاحِدِيُّ»، وَ«الزَّمَخْشَرِيُّ»
فِي «فَضَائِلِ سُوَرِ القُرْآنِ»، سُورَةً سُورَةً؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ
بِاتِّفَاقِ أَهْل الحديث.
وَ«الثَّعْلَبِيُّ» هُوَ فِي نَفْسِهِ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ وَدِينٌ، [وَلَكِنَّهُ]
كَانَ حَاطِبَ لَيْلٍ يَنْقُلُ مَا وُجِدَ فِي كُتُبِ «التَّفْسِيرِ» مِنْ
«صَحِيحٍ» وَ«ضَعِيفٍ» وَ«مَوْضُوعٍ».
وَ«الوَاحِدِيُّ» صَاحِبُهُ كَانَ أَبْصَرَ مِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ، لَكِنْ هُوَ
أَبْعَدُ عَنْ السَّلَامَةِ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ.
وَ«البَغَوِيُّ» تَفْسِيرُهُ مُخْتَصَرٌ مِنَ الثَّعْلَبِيِّ، لَكِنَّهُ صَانَ
تَفْسِيرَهُ عَنْ الأَحَادِيثِ المَوْضُوعَةِ وَالآرَاءِ المُبْتَدَعَةِ.
وَ«المَوْضُوعَاتُ» فِي «كُتُبِ التَّفْسِيرِ» كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا الأَحَادِيثُ
الكَثِيرَةُ الصَّرِيحَةُ فِي «الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ»، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ
الطَّوِيلُ فِي «تَصَدُّقِهِ بِخَاتَمِةِ فِي الصَّلَاةِ»، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ
بِاتِّفَاقِ أَهْلِ العِلْمِ. وَمِثْلُ مَا رُوِيَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾
[الرعد: 7] إِنَّهُ عَلِيٌّ. ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾
[الحاقة: 12]: أُذُنُكَ يَا عَلِيُّ.