صفحة جديدة 24
باب في القسمة بين الشركاء
دليل القسمة بين الشركاء من
الكتاب والسنة والإجماع:
قال الله تعالى:
﴿وَنَبِّئْهُمْ
أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾ وقال تعالى:﴿وَإِذَا
حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى﴾ الآية.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«الشفعة فيما لم يقسم» وكان صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم.
وذكر الإجماع عليها غير واحد مق
العلماء.
والحاجة داعية إليها؛ إذ لا
سبيل إلى إعطاء ذوي الحقوق حقوقهم من الشيء المشترك إلا بالقسمة.
والقسمة إفراز الأنصباء بعضا عن
بعض.
وهي نوعان: قسمة تراض، وقسمة إجبار
النوع الأول: قسمة التراضي هي التي لا بد أن يتفق عليها جميع الشركاء، ولا تجوز
بدون رضاهم، وهي التي لا تمكن إلا بحصول ضرر، ولو على بعض الشركاء، أو برد عوض من
أحد الشركاء على الآخر، وتكون في الدور الصغار والدكاكين الضيقة والأرض المختلفة
أجزاؤها بسبب بناء أو شجر في بعضها أو كون بعضها يتعلق به رغبة تخصه دون البعض
الآخر.
فهذا النوع من المشترك لا تجوز
قسمته إلا باتفاق الشركاء وتراضيهم؛ لقوله:
«لا
ضرر ولا ضرار» رواه أحمد وغيره؛ فهو يدل بعمومه على عدم جواز قسم ما لا ينقسم إلا
بضرر إلا بالتراضي.
وهذه القسمة تأخذ حكم البيع،
برد ما فيه عيب، ويدخلها خيار المجلس والشرط ونحوه، ولا يجبر من امتنع من قبولها من
الشركاء، لكن متى طلب أحد الشركاء بيع هذا المشترك؛ أجبر الممتنع، فإن أبى؛ باعه
الحاكم عليهما، وقسم الثمن بينها على قدر حصصهما.
وضابط الضرر الذي يمنع هذه
القسمة هو نقص القيمة بالقسمة، سواء انتفعوا به مقسوما أم لا؛ فلا يعتبر ضرر كونهما
لا ينتفعان به مقسوما.
النوع الثاني: قسمة الإجبار وهى ما لا ضرر في قسمته، ولا رد عوض في قسمته، سميت
بذلك لأن الحاكم يجبر الممتنع منهما إذا كملت شروطها، وذلك. كالقرية والبستان
والدار الكبيرة والأرض الواسعة والدكاكين الواسعة والمكيل والموزون من جنس واحد.
ويشترط لإجبار الممتنع من هذه القسمة ثلاثة شروط
أن يثبت عند الحاكم ملك الشركاء، وأن يثبت أن لا ضرر، وأن يثبت إمكان تعديل السهام
في العين المقسمة من غير شيء يجعل فيها.
فإذا توافرت هذه الشروط، وطلب
أحد الشركاء القسمة، أجبر شريكه الآخر عليها، وإن امتنع من القسمة مع شريكه؛ لأن
القسمة تزيل الضرر الحاصل في الشركة، وتمكن كل واحد من التصرف في نصيبه والانتفاع
به بإحداث الغراس والبناء مما لا يتمكن منه مع بقاء الشركة، وإن كان أحد الشركاء
غير مكلف، قسم عنه وليه، وإن كان غائبا؛ قسم عنه الحاكم بطلب شريكه.
وهذه القسمة في الحقيقة إفراز لحق أحد الشريكين عن الآخر، ولا تأخذ حكم البيع؛
لأنها تخالفه في الأحكام..
ويجوز للشركاء أن يتقاسموا
بأنفسهم أو بقاسم ينصبونه هم أو يسألون الحاكم نصبه.
وتعديل السهام يكون بالأجزاء إن
تساوى المقسوم كالمكيلات والموزونات غير المختلفة، وتعدل بالقيمة إن اختلفت أجزاء
المقسوم في القسمة، فيجعل السهم من الرديء أكثر من السهم من الجيد، فإن لم يمكن
التعديل بالأجزاء ولا بالقيمة، عدلت بالرد؛ بأن يجعل لمن يأخذ الرديء أو القليل
دراهم على من يأخذ الجيد أو الأكثر.
فإذا اقتسموا أو اقترعوا؛ لزمت
القسمة، لأن القاسم كالحاكم، والقرعة كحكم الحاكم، يلزم العمل بها، وكيف اقترعوا
بالحصى أو غيره، جاز، والأحوط القرعة بأن يكتب اسم كل شريك على رقعة، ثم تجمع وتلف
وتدفع إلى شخص لم يحضر ولم يرها، ويؤمر بأن يخرج الرقاع ويضعها على الأسهم، فمن وجد
اسمه على سهم؛ فهو له.
وإن خير أحدهما الآخر؛ لزمت
القسمة برضاهم وتفرقهم.
ومن ادعى غلطا فيما تقاسماه.
بأنفسهما وأشهدا على رضاهما به؛ لم يلتفت إليه؛ لأنه رضي بالقسم على الصورة التي
وقعت، ورضاه بالزيادة في نصيب شريكه يلزمه.
ومن ادعى غلطا فيما قسمه قاسم
حاكم أو قاسم نصباه؛ قبل ببينة، وإلا، حلف منكر له؛ لأن الأصل عدم ذلك، فان أقام
بينة على الغلط؛ قبلت ونقضت القسمة؛ لأن سكوته قد استند إلى ظاهر حال القاسم، فإذا
قامت البينة بغلطه؛ كان له الرجوع فيما غلط به.
وإن ادعى كل من الشريكين شيئا
أنه له؛ تحالفا، ونقضت القسمة، لأن ذلك المدعى به لم يخرج عنهما، ولا مرجح لأحدهما
على الآخر.
ومن ظهر في نصيبه عيب قد جهله؛
خير بين الفسخ والإمساك مع الأرش؛ لأن ظهور العيب في نصيبه نقص، فيخير بين الأرش
والفسخ كالمشتري، والله أعلم.