صفحة جديدة 19
باب في أحكام الصيد
الصيد مصدر صاد يصيد صيدا، وهو
اقتناص حيوان حلال متوحش طبعا غير مقدور عليه، ويطلق على المصيد، فيقال للحيوان:
صيد، تسمية للمفعول باسم الصدر.
وحكم الاصطياد: أنه إذا كان لحاجة الإنسان؛ فهو جائز من غير كراهة، وأما إذا كان
للهو واللعب لا لأجل الحاجة؛ فهو مكروه، وإن ترتب عليه ظلم للناس بالاعتداء على
زروعهم وأموالهم، فهو حرام.
والدليل على جوازه في غير
الحالة الأخيرة:
قوله تعالى:
﴿وَإِذَا
حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾
وقوله تعالى:
﴿وَمَا
عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ
اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«إذا
أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه، فكل» متفق عليه..
والصيد بعد إصابته وإمساكه له
حالتان
الحالة الأولى: أن يدرك وهو حي حياة مستقرة؛ فهذا لا بد من ذكاته الذكاة الشرعية
التي سبق بيانها، ولا يحل بالاصطياد.
الحالة الثانية: أن يدرك مقتولا بالاصطياد، أو حيا حياة غير مستقرة؛ ففي هذه الحالة
يكون حلالا
إذا توفرت فيه شروط
الشرط الأول: أن يكون الصائد من أهل الذكاة؛ أي: ممن تحل ذبيحته. لأن الصائد
بمنزلة المذكي، فيشترط فيه الأهلية. بأن يكون عاقلا مسلما أو كتابيا؛ فلا يحل ما
صاده مجنون أو سكران، لعدم العقلية، ولا ما صاده مجوسي أو وثني ونحوه من سائر
الكفار، كما لا تحل ذكاتهم.
الشرط الثاني: الآلة،
وهي نوعان
الأول: محدد يشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح، بأن ينهر الدم، ويكون غير
سن وظفر، وأن يجرح الصيد بحده لا بثقله، فإذا كانت الآلة التي قتل بها الصيد غير
محددة، كالحصاة والعصا والفخ والشبكة وقطع الحديد، فإنه لا يحل ما قتل به من الصيد؛
إلا الرصاص الذي يطلق من البنادق اليوم، فيحل ما قتل به من الصيد؛ لأن فيه قوة
الدفع التي تخرق وتنهر الدم كالمحدد وأشد.
الثاني: الجارحة من الكلاب والطيور التي يصاد بها، فيباح ما قتلته من الصيد
إن كانت معلمة، سواء كانت مما يصيد بنابه كالكلب أو بمخلبه كالطير؛ لقوله تعالى:
﴿وَمَا
عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ
اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ ومعنى قوله:
﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ
مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ أي: تؤدبونهن آداب أخذ الصيد من العلم الذي علمكم الله، وتعليم
الجارح: أنه إذا أرسله؛ استرسل، وإذا أشلاه، استشلى، وإذا أخذ الصيد؛ أمسكه على
صاحبه حتى يجيء إليه، ولا يمسكه لنفسه.
الشرط الثالث: أن يرسل الآلة قاصدا للصيد.، لقوله صلى الله عليه وسلم:
«إذا
أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه، فكل»
متفق عليه، فدل الحديث على أن إرسال الجارحة بمنزلة الذبح، فيشترط له القصد، فلو
سقطت الآلة من يده، فقتلت صيدا؛ لم يحل؛ لعدم القصد منه، وكذا لو استرسل الكلب من
نفسه، فقتل صيدا، لم يحل؛ لعدم إرسال صاحبه له، وعدم قصده، ومن رمى صيدا، فأصاب
غيره، بأن قتل جماعة من الصيود، حل الجميع؛ لوجود القصد.
الشرط الرابع: التسمية عند إرسال السهم أو الجارحة؛ بأن يقول: بسم الله، لقوله
تعالى:
﴿وَلَا
تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ وقوله تعالى:
﴿فَكُلُوا
مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ وقال النبي صلى الله
عليه وسلم:
«إذا
أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه؛ فكل» متفق عليه -.
فإن ترك التسمية؛ لم يحل الصيد،
لمفهوم الآية والأحاديث.
ويسن أن يقول مع التسمية: الله
أكبر، كما يقال ذلك في الذكاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح، يقول:
«بسم
الله، والله أكبر»
تنبيهان:
التنبيه الأول: هناك حالات يحرم فيها الصيد:
فيحرم على المحرم قتل صيد البر
أو اصطياده والإعانة على صيده بدلالة أو إشارة أو غير ذلك؛ لقوله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾
ويحرم عليه الأكل مما صاده أو
كان له تأثير في اصطياده أو صيد من أجله؛ لقوله تعالى:﴿وَحُرِّمَ
عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾
وكذلك هناك محل يحرم فيه الصيد، فيحرم قتل صيد الحرم على المحرم وغير المحرم
بالإجماع، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم فتح مكة:
«إن
هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم
القيامة؛ لا يعضد شوكه، ولا يختلى خلاه، ولا ينفر صيده...» الحديث.
التنبيه الثاني: يحرم اقتناء الكلب لغير ما رخص فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو
أحد ثلاثة أمور: إما لصيد، أو لحراسة ماشية، أو لحراسة زرع، قال النبي صلى الله
عليه وسلم:
«من
اتخذ كلبا؛ إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع؛ انتقص من أجره كل يوم قيراط» متفق عليه..
وبعض الناس لا يبالى بهذا
الوعيد، فيقتني الكلب لغير هذه الأغراض الثلاثة التي رخص فيها الرسول صلى الله عليه
وسلم؛ لأجل المفاخرة وتقليد الكفار، ولا يبالي بنقصان الأجر الذي يترتب على ذلك،
لكن لو كان ينقص في دنياه شيئا؛ لما صبر عليه؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه الكلب،
والصورة؛ فليتق المسلم ربه، ولا يظلم نفسه بإيقاعها في الإثم وحرمانها من الأجر.
والله المستعان.