صفحة جديدة 19
باب في أحكام اللقيط
* أحكام اللقيط لها علاقة كبيرة بأحكام اللقطة، إذ اللقطة تختص بالأموال الضائعة،
واللقيط هو الإنسان الضائع، مما به يظهر شمول أحكام الإسلام لكل متطلبات الحياة،
وسبقه في كل مجال حيوي مفيد، على نحو يفوق ما تعارف عليه عالم اليوم من إقامة دور
الحضانة والملاجئ للحفاظ على الأيتام ومن لا عائل لهم من الأطفال والعجزة، ومن ذلك
عناية الإسلام بأمر اللقيط، وهو الطفل الذي يوجد منبوذا أو يضل عن أهله ولا يعرف
نسبه في الحالين. فيجب على من وجده على تلك الحال أن يأخذه وجوبا كفائيا، إذا قام
به من يكفي، سقط الإثم عن الباقين، وإن تركه الكل، أثموا، مع إمكان أخذهم له؛ لقوله
تعالى:
﴿وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ فعموم
الآية يدل على وجوب أخذ اللقيط؛ لأنه من التعاون على البر والتقوى؛ ولأن في أخذه
إحياء لنفسه، فكان واجبا كإطعامه عند الضرورة وإنجائه من الغرق.
* واللقيط حر في جميع الأحكام؛
لأن الحرية هي الأصل، والرق عارض، فإذا لم يعلم، فالأصل عدمه.
* وما وجد معه من المال أو وجد
حوله؛ فهو له، عملا بالظاهر؛ ولأن يده عليه، فينفق عليه منه ملتقطه بالمعروف،
لولايته عليه، وإن لم يوجد معه شيء؛ أنفق عليه من بيت المال؛ لقول عمر رضي الله عنه
للذي أخذ اللقيط لما وجده: اذهب؛ فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته ومعنى ولاؤه:
ولايته، وقوله: وعلينا نفقته؛ يعني: من بيت مال المسلمين. وفي لفظ أن عمر رضي الله
عنه قال: وعلينا رضاعه ؛ يعني: في بيت المال؛ فلا يجب على الملتقط الإنفاق عليه
ولا رضاعه، بل يجب ذلك في بيت المال، فإن تعذر؛ وجبت نفقته على من علم بحاله من
المسلمين؛ لقوله تعالى:
﴿وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ ولما في
ترك الإنفاق عليه من هلاكه؛ ولأن الإنفاق عليه من باب المواساة، كقرى الضيف.
*
وحكمه من ناحية الدين:
أنه إن وجد في دار الإسلام أو في بلد كفار يكثر فيها المسلمون، فهو مسلم، لقوله صلى
الله عليه وسلم:«كل
مولود يولد على الفطرة» وإن وجد في بلد كفار
خالصة، أو يقل فيها عدد المسلمين، فهو كافر تبعا للدار. وحضانته تكون لواجده إذا
كان أمينا؛ لأن عمر رضي الله عنه أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين علم أنه رجل صالح،
وقال: لك ولاؤه ؛ أي: ولايته، ولسبقه إليه، فكان أولى به.
* وينفق عليه واجده مما وجد معه
من نقد أو غيره؛ لأنه وليه، وينفق عليه بالمعروف.
* فإن كان واجده لا يصلح
لحضانته؛ لكونه فاسقا أو كافرا واللقيط مسلم؛ لم يقر بيده؛ لانتفاء ولاية الفاسق
وولاية الكافر على المسلم؛ لأنه يفتنه عن دينه. وكذلك لا تقر حضانته بيد واجده إذا
كان بدويا يتنقل في الواضع؛ لأن في ذلك إتعابا للصبي، فيؤخذ منه ويدفع إلى المستقر
في البلد؛ لأن مقام الطفل في الحضر أصلح له في دينه ودنياه، وأحرى للعثور على أهله
ومعرفة نسبه.
و ميراث اللقيط إذا مات وديته
إذا جني عليه بما يوجب الدية يكونان لبيت المال إذا لم يكن له من يرثه من ولده، وإن
كان له زوجة؛ فلها الربع. ووليه في القتل العمد العدوان الإمام؛ لأن المسلمين
يرثونه، والإمام ينوب عنهم، فيخير بين القصاص والدية لبيت المال؛ لأنه ولي من لا
ولي له. وإن جني عليه فيما دون النفس عمدا؛ انتظر بلوغه ورشده ليقتص عند ذلك أو
يعفو.
وإن أقر رجل أو أقرت امرأة بأن
اللقيط ولده أو ولدها لحق به؛ لأن في ذلك مصلحة له باتصال نسبه، ولا مضرة على غيره
فيه؛ بشرط أن ينفرد بادعائه نسبه، وأن يمكن كونه منه، وإن ادعاه جماعة؛ قدم ذو
البينة، وإن لم يكن لأحد منهم بينة، أو كانت لهم بينات متعارضة، عرض معهم على
القافة، فمن ألحقته القافة به، لحقه؛ لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك بمحضر من الصحابة
رضي الله عنهم، والقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه، ويكفي قائف واحد، ويشترط فيه أن
يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة.