صفحة جديدة 6
باب في أحكام السلم
·
السلم أو السلف تعريفه:
هو تعجيل الثمن، وتأجيل المثمن، ويعرفه الفقهاء رحمهم الله
بأنه عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد.
·
وهذا النوع من التعامل جائز بالكتاب والسنة والإجماع: - قال الله تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
فَاكْتُبُوهُ﴾ قال ابن عباس رضي الله
عنهما: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه ، ثم
قرأ هذه الآية.
-
ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث،
قال: «من
أسلف في شيء» (وفي لفظ: في ثمر)؛«فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» متفق عليه، فدل هذا الحديث على جواز السلم بهذه الشروط.
- وقد حكى ابن المنذر وغيره إجماع العلماء على جوازه. وحاجة
الناس داعية إليه؛ لأن أحد المتعاقدين يرتفق بتعجيل الثمن، والآخر يرتفق برخص
المثمن.
* ويشترط لصحة السلم شروط خاصة زائدة على شروط
البيع:
الشرط الأول: انضباط صفات السلعة المسلم فيها؛ لأن ما لا يمكن ضبط صفاته يختلف
كثيرا، فيفضي إلى المنازعة بين الطرفين؛ فلا يصح السلم فيما تختلف صفاته؛ كالبقول،
والجلود، والأواني المختلفة، والجواهر.
الشرط الثاني: ذكر جنس المسلم فيه ونوعه، فالجنس كالبر، والنوع كالسلموني مثلا،
وهو نوع من البر.
الشرط الثالث: ذكر قدر المسلم فيه بكيل أو وزن أو ذرع، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من
أسلف في شيء؛ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» متفق عليه، ولأنه إذا جهل مقدار المسلم فيه؛ تعذر الاستيفاء.
الشرط الرابع: ذكر أجل معلوم، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إلى
أجل معلوم» وقوله تعالى:﴿إِذَا
تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾
فدلت الآية الكريمة والحديث الشريف على اشتراط التأجيل في السلم، وتحديد الأجل بحد
يعلمه الطرفان.
الشرط الخامس: أن يوجد المسلم فيه غالبا في وقت حلول أجله؛ ليمكن تسليمه في وقته،
فإن كان المسلم فيه لا يوجد في وقت الحلول؛ لم يصح السلم؛ كما لو أسلم في رطب وعنب
إلى الشتاء.
الشرط السادس: أن يقبض الثمن تاما معلوم المقدار في مجلس العقد، لقوله صلى الله
عليه وسلم: «من
أسلف في شيء، فليسلف في كيل معلوم...» الحديث؛ أي: فليعط. قال الإمام الشافعي رحمه الله: لأنه لا يقع
اسم السلف فيه حتى يعطيه ما أسلفه قبل أن يفارق من أسلفه، ولأنه إذا لم يقبض الثمن
في المجلس، صار بيع دين بدين، وهذا لا يجوز.
الشرط السابع: أن يكون المسلم فيه غير معين، بل يكون دينا في الذمة، فلا يصح
السلم في دار وشجرة، لأن المعين قد يتلف قبل تسليمه، فيفوت المقصود، ويكون الوفاء
وتسليم السلعة المسلم فيها في مكان العقد إن كان يصلح لذلك، فإن كان لا يصلح، كما
لو عقدا في بر أو بحر، فلا بد من ذكر مكان الوفاء، وحيث تراضيا على مكان التسليم،
جاز ذلك، وإن اختلفا؛ رجعنا إلى محل العقد حيث كان يصلح لذلك كما سبق.
* ومن أحكام المسلم أنه لا يجوز
بيع السلعة المسلم فيها قبل قبضها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى
يقبضه، ولا تصح الحوالة عليه، لأن الحوالة لا تصح إلا على دين مستقر، والسلم عرضة
للفسخ.
* ومن أحكام السلم أنه إذا تعذر
وجود المسلم فيه وقت حلوله، كما لو أسلم في ثمرة، فلم تحمل الشجر تلك السنة؛ فلرب
السلم الصبر إلى أن يوجد المسلم فيه فيطالب به، أو الفسخ ويطالب برأس ماله؛ لأن
العقد إذا زال وجب رد الثمن، فإن كان الثمن تالفا؛ رد بدله إليه، والله أعلم.
وإباحة هذه المعاملة من يسر هذه الشريعة الإسلامية وسماحتها؛ لأن في هذه المعاملة
تيسيرا على الناس وتحقيقا لمصالحهم، مع خلوها من الربا وسائر المحذورات، قلله الحمد
على تيسيره.
باب في أحكام القرض
بسم الله الرحمن الرحيم
·
القرض لغة: القطع؛ لأن المقرض يقطع شيئا
من ماله يعطيه للمقترض، وتعريفه شرعا: أنه دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله. وهو من
باب الإرفاق، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم منيحة؛ لأنه ينتفع به المقترض، ثم
يعيده إلى المقرض.
·
والإقراض مستحب، وفيه أجر عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: «ما
من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين، إلا كان كصدقة مرة» رواه ابن ماجه، وقد قيل: إن القرض أفضل من الصدقة؛ لأنه لا يقترض
إلا محتاج، وفي الحديث الصحيح: «من
نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» فالقرض فعل معروف، وفيه تفريج
للضائقة عن المسلم، وقضاء لحاجته. وليس الاقتراض من المسألة المكروهة؛ فقد اقترض
النبي صلى الله عليه وسلم.
* ويشترط لصحة القرض أن يكون
المقرض ممن يصح تبرعه؛ فلا يجوز لولي اليتيم مثلا أن يقرض من مال اليتيم، وكذلك
يشترط معرفة قدر المال المدفوع في القرض، ومعرفة صفته؛ ليتمكن من رد بدله إلى
صاحبه، فالقرض يصبح دينا في ذمة المقترض، يجب عليه رده إلى صاحبه عندما يتمكن من
ذلك، من غير تأخير.
·
ويحرم على المقرض أن يشترط على المقترض زيادة في القرض؛ فقد أجمع العلماء على أنه
إذا شرط عليه زيادة، فأخذها، فهو ربا؛ فما تفعله البنوك اليوم من الإقراض بالفائدة
ربا صريح، سواء كان قرضا استهلاكيا أو إنمائيا كما يسمونه، فلا يجوز للمقرض - سواء
كان بنكا أو فردا أو شركة - أن يأخذ زيادة في القرض مشترطة، بأي اسم سمى هذه
الزيادة، وسواء سميت هذه الزيادة ربحا أو فائدة أو هدية أو سكن دار أو ركوب سيارة،
ما دام أن هذه الزيادة أو هذه الهدية أو هذه المنفعة جاءت عن طريق المشارطة، وفي
الحديث: «كل قرض جر نفعا؛ فهو ربا»
وفي الحديث عن أنس مرفوعا:«إذا
أقرض أحدكم قرضا؛ فأهدى إليه، أو حمله على الدابة، فلا يركبها، ولا يقبله؛ إلا أن
يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك»
رواه ابن ماجه، وله شواهد كثيرة، وقد ثبت عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه، أنه
قال: «إذا كان لك على رجل حق، فأهدى إليك حمل تبن؛ فلا
تأخذه؛ فإنه ربا»، وهذا له حكم الرفع؛ فلا يجوز
لمقرض قبول هدية ولا غيرها من المنافع من المقترض إذا كان هذا بسبب القرض؛ للنهي عن
ذلك، ولأن القرض إنما هو عقد إرفاق بالمحتاج، وقربة إلى الله، فإذا شرط فيه الزيادة
أو تحراها وقصدها وتطلع إليها؛ فقد أخرج القرض عن موضوعه الذي هو التقرب إلى الله
بدفع حاجة المقترض إلى الربح من المقترض؛ فلا يصير قرضا. فيجب على المسلم أن ينتبه
لذلك ويحذر منه ويخلص النية في القرض وفي غيره من الأعمال الصالحة، فإن القرض ليس
القصد منه النماء الحسي، وإنما القصد منه النماء المعنوي، وهو التقرب إلى الله؛
بدفع حاجة المحتاج، واسترجاع رأس المال، فإذا كان هذا هو القصد في القرض؛ فإن الله
ينزل في المال البركة والنماء الطيب.
* هذا؛ وينبغي أن يُعلم أن
الزيادة الممنوع أخذها في القرض هي الزيادة المشترطة؛ كأن يقول: أقرضك كذا وكذا
بشرط أن ترد علي المال بزيادة كذا وكذا، أو أن تسكنني دارك أو دكانك، أو تهدي إلي
كذا وكذا، أو لا يكون هناك شرط ملفوظ به، ولكن هناك قصد للزيادة وتطلع إليها، فهذا
هو الممنوع المنهي عنه.
أما لو بذل المقترض الزيادة من
ذات نفسه وبدافع منه، بدون اشتراط من المقرض، أو تطلع وقصد، فلا مانع من أخذ
الزيادة حينئذ؛ لأن هذا يعتبر من حسن القضاء، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف
بكرا فرد خيرا منه، وقال: «خيركم
أحسنكم قضاء» وهذا من مكارم الأخلاق المحمودة عرفا وشرعا، ولا يدخل في القرض
الذي يجر نفعا، لأنه لم يكن مشروطا في القرض من المقرِض ولا متواطأ عليه، وإنما ذلك
تبرع من المستقرض.
وكذلك إذا بذل المقترض للمقرض نفعا معتادا بينهما قبل القرض؛
بأن كان من عادة المقترض بذل هذا النفع، ولم يكن الدافع إليه هو القرض، فلا مانع من
قبوله، لانتفاء المحذور.
·
ثم إنه يجب على المقترض الاهتمام بأداء ما عليه من دين القرض ورده إلى صاحبه؛ من
غير مماطلة ولا تأخير؛ حينما يقدر على الوفاء، لقول الله تعالى:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}.
* وبعض الناس يتساهل في الحقوق عامة، وفي شأن الديون خاصة،
وهذه خصلة ذميمة، جعلت كثيرا من الناس يحجمون عن بذل القروض والتوسعة على
المحتاجين، مما قد يلجئ المحتاج إلى الذهاب إلى بنوك الربا والتعامل معها بما حرم
الله؛ لأنه لا يجد من يقرضه قرضا حسنا، والمقرض لا يجد من يسدد له قرضه تسديدا
حسنا، حتى ضاع المعروف بين الناس.