صفحة جديدة 10
باب في شروط وجوب الحج على المرأة وأحكام النيابة
الحج يجب على المسلم ذكرا كان
أم أنثى، لكن يشترط لوجوبه على المرأة زيادة عما سبق من الشروط وجود المحرم الذي
يسافر معها لأدائه؛ لأنه لا يجوز لها السفر لحج ولا لغيره بدون محرم: لقوله صلى
الله عليه وسلم:
«لا
تسافر المرأة إلا مع محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم» رواه أحمد بإسناد صحيح.
«وقال
رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أريد أن أخرج في جيش كذا، وامرأتي تريد الحج،
فقال:" اخرج معها»..
وفي "الصحيحين":«إن
امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا، قال: "انطلق فحج معها"»..
وفي "الصحيح" وغيره:
«لا
يحل لامرأة تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم»..
فهذه جملة نصوص عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم تحرم على المرأة أن تسافر بدون محرم يسافر معها، سواء كان السفر
للحج أو لغيره، وذلك لأجل سد الذريعة عن الفساد والافتتان منها وبها.
قال الإمام أحمد رحمه الله:
(المحرم من السبيل، فمن لم يكن لها محرم، لم يلزمها الحج بنفسها ولا بنائبها)..
ومحرم المرأة هو: زوجها، أو من
يحرم عليه نكاحها تحريما مؤبدا بنسب، كأخيها وأبيها وعمها وابن أخيها وخالها، أو
حرم عليه بسبب مباح، كأخ من رضاع أو بمصاهرة كزوج أمها وابن زوجها..
لما في "صحيح مسلم":
«لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تسافر إلا ومعها
أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها» ونفقة محرمها في السفر عليها، فيشترط لوجوب الحج عليها أن تملك ما
ينفق عليها وعلى محرمها ذهابا وإيابا.
ومن وجدت محرما، وفرطت بالتأخير
حتى فقدته مع قدرتها المالية، انتظرت حصوله، فإن أيست من حصوله، استنابت من يحج
عنها.
ومن وجب عليه الحج ثم مات قبل
الحج، أخرج من تركته من رأس المال المقدار الذي يكفي للحج، واستنيب عنه من يؤديه
عنه..
لما روى البخاري عن ابن عباس:
«أن
امرأة قالت: يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها، قال:
نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيته، اقضوا الله، فالله أحق
بالوفاء»..
فدل الحديث على أن من مات
وعليه حج، وجب على ولده أو وليه أن يحج عنه أو يجهز من يحج عنه من رأس مال الميت،
كما يجب على وليه قضاء ديونه، وقد أجمعوا على أن دين الآدمي يقضى من رأس ماله، فكذا
ما شبه له في القضاء..
وفي حديث آخر:
«إن
أختي نذرت أن تحج»..
وفي "سنن الدارقطني":
«إن
أبى مات وعليه حجة الإسلام» وظاهره أنه لا فرق بين الواجب
بأصل الشرع والواجب بإيجابه على نفسه، سواء أوصى به أم لا.
والحج عن الغير يقع عن المحجوج
عنه كأنه فعله بنفسه، ويكون الفاعل بمنزلة الوكيل، والنائب ينوي الإحرام عنه، ويلبي
عنه، ويكفيه أن ينوي النسك عنه، ولو لم يسمه في اللفظ، وإن جهل اسمه أو نسبه، لبى
عمن سلم إليه المال ليحج عنه به.
ويستحب للمسلم أن يحج عن أبويه
إن كانا ميتين أو حيين عاجزين عن الحج، ويقدم أمه؛ لأنها أحق بالبر.
باب في فضل الحج والاستعداد له
الحج فيه فضل عظيم وثواب جزيل:
روى الترمذي وصححه عن ابن مسعود
مرفوعا:
«تابعوا
بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب
والفضة، وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة».
وفي "الصحيح" عن عائشة، قالت:
«نرى
الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد، قال:
لكن أفضل الجهاد حج مبرور»..
والحج المبرور هو الذي لا
يخالطه شيء من الإثم، وقد كملت أحكامه، فوقع على الوجه الأكمل، وقيل: هو المتقبل.
فإذا استقر عزمه على الحج،
فليتب من جميع المعاصي، ويخرج من المظالم بردها إلى أهلها، ويرد الودائع والعواري
والديون التي عنده للناس، ويستحل من بينه وبينه ظلامة، ويكتب وصيته، ويوكل من يقضي
ما لم يتمكن من قضائه من الحقوق التي عليه، ويؤمن لأولاده ومن تحت يده ما يكفيهم من
النفقة إلى حين رجوعه، ويحرص أن تكون نفقته حلالا، ويأخذ من الزاد والنفقة ما
يكفيه، ليستغني عن الحاجة إلى غيره ويكون زاده طيبا..
قال تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾..
ويجتهد في تحصيل رفيق صالح
عونا له على سفره وأداء نسكه، يهديه إذا ضل، ويذكره إذا نسي. ويجب تصحيح النية بأن
يريد بحجه وجه الله، ويستعمل الرفق وحسن الخلق، ويجتنب المخاصمة ومضايقة الناس في
الطرق، ويصون لسانه عن الشتم والغيبة وجميع ما لا يرضاه الله ورسوله.
باب في مواقيت الحج
المواقيت: جمع ميقات.
وهو لغة:
الحد.
وشرعا: هو موضع العبادة أو زمنها.
وللحج مواقيت زمنية ومكانية:
فالزمنية ذكرها الله بقوله:
﴿الْحَجُّ
أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ
وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾..
وهذه الأشهر هي: شوال، وذو
القعدة، وعشر من ذي الحجة، أي: من أحرم بالحج في هذه الأشهر، فعليه أن يتجنب ما يخل
بالحج من الأقوال والأفعال الذميمة، وأن يشتغل في أفعال الخير، ويلازم التقوى.
-
وأما المواقيت المكانية: فهي الحدود التي لا
يجوز للحاج أن يتعداها إلى مكة بدون إحرام، وقد بينها رسول الله صلى الله عليه
وسلم، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال:
«وقت
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل
نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد
الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك، فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة» متفق عليه..
ولمسلم من حديث جابر:
«ومهل أهل العراق ذات عرق»
والحكمة من ذلك أنه لما كان بيت الله الحرام معظما مشرفا، جعل الله له حصنا وهو
مكة، وحمى وهو الحرم، وللحرم حرم وهو المواقيت التي لا يجوز تجاوزها إليه إلا
بإحرام، تعظيما لبيت الله الحرام.
وأبعد هذه المواقيت ذو الحليفة،
ميقات أهل المدينة، فبينه وبين مكة مسيرة عشرة أيام، وميقات أهل الشام ومصر والمغرب
الجحفة قرب رابغ، وبينها وبين مكة ثلاث مراحل، وبعضهم يقول أكثر من ذلك، وميقات أهل
اليمن يلملم، بينه وبين مكة مرحلتان، وميقات أهل نجد قرن المنازل، ويعرف الآن
بالسيل، وهو مرحلتان عن مكة، وميقات أهل العراق وأهل المشرق ذات عرق، بينه وبين مكة
مرحلتان.
فهذه المواقيت يحرم منها أهلها
المذكورون، ويحرم منها من مر بها من غيرهم وهو يريد حجا أو عمرة.
ومن كان منزله دون هذه
المواقيت، فإنه يحرم من منزله للحج والعمرة، ومن حج من أهل مكة، فإنه يحرم من مكة،
فلا يحتاجون إلى الخروج للميقات للإحرام منه بالحج، وأما العمرة، فيخرجون للإحرام
بها من أدنى الحل.
ومن لم يمر بميقات في طريقه من
تلك المواقيت، أحرم إذا علم أنه حاذى أقربها منه، يقول عمر رضي الله عنه:
«انظروا إلى حذوها من طريقكم»
رواه البخاري.
وكذا من ركب طائرة، فإنه يحرم
إذا حاذى أحد هذه المواقيت من الجو، فينبغي له أن يتهيأ بالاغتسال والتنظف قبل ركوب
الطائرة، فإذا حاذى الميقات، نوى الإحرام، ولبى وهو في الجو، ولا يجوز له تأخير
الإحرام إلى أن يهبط في مطار جدة، فيحرم من جدة أو من بحرة كما يفعل بعض الحجاج،
فإن جدة ليست ميقاتا وليست محلا للإحرام، إلا لأهلها أو من نوى الحج أو العمرة
منها، فإن أحرم منها من غيرهم، فقد ترك واجبا هو الإحرام من الميقات، فيكون عليه
فدية.
وهذا مما يخطئ فيه كثير من
الناس، فيجب التنبيه عليه، فبعضهم يظن أنه لا بد من الاغتسال للإحرام، فيقول: أنا
لا أتمكن من الاغتسال في الطائرة، ولا أتمكن من كذا وكذا...
والواجب أن يعلم هؤلاء بأن
الإحرام معناه نية الدخول في المناسك مع تجنب محظورات الإحرام حسب الإمكان،
والاغتسال والتطيب ونحوهما إنما هي سنن، وبإمكان المسلم أن يفعلها قبل ركوب
الطائرة، وإن أحرم بدونها، فلا بأس، فينوي الإحرام، ويلبي وهو على مقعده قي الطائرة
إذا حاذى الميقات أو قبله بقليل، ويعرف ذلك بسؤال الملاحين والتحري والتقدير، فإذا
فعل ذلك، فقد أدى ما يستطيع، لكن إذا تساهل ولم يبال، فقد أخطأ وترك الواجب من غير
عذر، وهذا ينقص حجه وعمرته.
باب في مواقيت الحج
(تابع)
ويجب على من تعدى الميقات بدون
إحرام أن يرجع إليه ويحرم منه؛ لأنه واجب يمكنه تداركه، فلا يجوز تركه، فإن لم
يرجع، فأحرم من دونه من جدة أو غيرها، فعليه فدية، بأن يذبح شاة، أو يأخذ سبع بدنة،
أو سبع بقرة، ويوزع ذلك على مساكين الحرم، ولا يأكل منه شيئا.
فيجب على المسلم أن يهتم بأمور
دينه، بأن يؤدي كل عبادة على الوجه المشروع، ومن ذلك الإحرام للحج والعمرة، يجب أن
يكون من المكان الذي عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتقيد به المسلم، ولا
يتعداه غير محرم.