صفحة جديدة 1
باب في أحكام إزالة النجاسة
فكما أنه مطلوب من المسلم أن
يكون طاهرا من الحدث إذا أراد الصلاة؛ فكذلك مطلوب منه طهارة البدن والثوب والبقعة
من النجاسة..
قال تعالى:﴿وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ﴾ وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بغسل دم الحيض من ثوبها.
لما كان الأمر كذلك، تطلب منا
أن نلقي الضوء على هذا الموضوع، وهو موضوع إزالة النجاسة، عارضين لأهم أحكامه، رجاء
أن ينتفع بذلك من يقرؤه من إخواننا المسلمين.
ولقد كان الفقهاء رحمهم الله
يعقدون لهذا الموضوع بابا خاصا، يسمونه: باب إزالة النجاسة؛ أي: تطهير موارد
النجاسة، التي تطرأ على محل طاهر من الثياب والأواني والفرش والبقاع ونحوها.
والأصل الذي تزال به النجاسة
هو: الماء؛ فهو الأصل في التطهير؛ لأن الله وصفه
بذلك؛ كما في قوله تعالى:﴿وَيُنَزِّلُ
عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾.
والنجاسة التي تجب إزالتها -
إما أن تكون على وجه الأرض وما اتصل بها من الحيطان والأحواض والصخور: فهذه يكفي في
تطهيرها غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة؛ بمعنى أنها تغمر بالماء بصبه عليها مرة
واحدة؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بصب الماء على بول الأعرابي الذي بال في المسجد،
وكذا إذا غمرت بماء المطر والسيول، فإذا زالت بصب الماء عليها أو بماء المطر النازل
أو الجاري عليها؛ كفى ذلك في تطهيرها.
- وإن كانت النجاسة على غير
الأرض وما اتصل بها: فإن كانت من كلب أو خنزير وما تولد منهما؛ فتطهيرها بسبع
غسلات، إحداهن بالتراب؛ بأن يجعل التراب مع إحدى الغسلات؛ لقوله صلى الله عليه
وسلم: «إذا
ولغ الكلب في إناء أحدكم؛ فليغسله سبعا أولاهن بالتراب» رواه مسلم وغيره، وهذا الحكم عام في الإناء وغيره؛ كالثياب والفرش.
وإن كانت نجاسة غير كلب أو
خنزير؛ كالبول والغائط والدم ونحوها؛ فإنها تغسل بالماء مع الفرك والعصر، حتى تزول؛
فلا يبقى لها عين ولا لون.
فالمغسولات على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ما يمكن عصره، مثل الثوب؛ فلا بد من عصره.
النوع الثاني: ما لا يمكن عصره، ويمكن تقليبه؛ كالجلود ونحوها؛ فلا بد من تقليبه.
النوع الثالث: ما لا يمكن عصره ولا تقليبه؛ فلا بد من دقه وتثقيله؛ بأن يضع عليه
شيئا ثقيلا، حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء.
- وإن خفي موضع نجاسة في بدن أو
ثوب أو بقعة صغيرة كمصلى صغير؛ وجب غسل ما احتمل وجود النجاسة فيه، حتى يجزم
بزوالها، وإن لم يدر في أي جهة منه؛ غسله جميعه.
- ويكفي في تطهير بول الغلام الذي لم يأكل الطعام رشه بالماء؛ لحديث أم قيس؛ أنها
أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه في
حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فنضحه ولم يغسله. متفق عليه.
وإن كان يأكل الطعام لشهوة
واختيار؛ فبوله مثل بول الكبير، وكذا بول الأنثى الصغيرة مثل بول الكبيرة، وفي جميع
هذه الأحوال يغسل كغسل سائر النجاسات.
فالنجاسات على ثلاثة أنواع:
نجاسة
مغلظة: وهي نجاسة الكلب ونحوه.
ونجاسة مخففة: وهي نجاسة الغلام الذي لا يأكل الطعام.
ونجاسة بين ذلك:
وهي بقية النجاسات.
ويجب أن نعرف ما هو طاهر وما هو
نجس من أرواث وأبوال الحيوانات؛
فما كان يحل أكل لحمه منها؛ فبوله وروثه طاهر؛ كالإبل والبقر والغنم ونحوها؛ لأن النبي صلى
الله عليه وسلم «أمر العرنين أن يلحقوا بإبل
الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها».
متفق عليه.
فدل على طهارة بولها؛ لأن النجس
لا يباح التداوي به وشربه، فإن قيل: إنما أبيح للضرورة؛ قلنا: لم يأمرهم النبي صلى
الله عليه وسلم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة.
وفي " الصحيح " أن النبي صلى
الله عليه وسلم: «كان
يصلي في مرابض الغنم وأمر بالصلاة فيها» وهي لا شك تبول فيها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"الأصل في الأرواث الطهارة، إلا ما استثنى..." انتهى.
وسؤر ما يؤكل لحمه طاهر وهو
بقية طعامه وشرابه. وسؤر الهرة طاهر؛ لحديث أبي قتادة في الهرة؛ قال: «إنها
ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات»
رواه الترمذي وغيره وصححه، شبهها بالمماليك من خدم البيت الذين يطوفون على أهله
للخدمة ولعدم التحرز منها؛ ففي ذلك رفع للحرج والمشقة.
وألحق بعض العلماء بالهرة ما
كان دونها في الخلقة من طير وغيره؛ فسؤره طاهر كسؤر الهرة؛ بجامع الطواف. وما عدا
الهرة وما ألحق بها مما لا يؤكل لحمه؛ فروثه وبوله وسؤره نجس.
أيها المسلم!
عليك أن تهتم بالطهارة ظاهرا
وباطنا؛
باطنا:
بالتوحيد والإخلاص لله في القول والعمل.
وظاهرا: بالطهارة من الحدث والأنجاس.
فإن ديننا دين الطهارة
والنظافة والنزاهة من الأقذار الحسية والمعنوية؛ فالمسلم طاهر نزيه ملازم للطهارة،
وقال صلى الله عليه وسلم:«الطهور
شطر الإيمان..» .
فعليك يا عبد الله بالاهتمام
بالطهارة، والابتعاد عن الأنجاس؛ فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عامة
عذاب القبر من البول حينما لا يتحرز منه الإنسان، فإذا أصابك نجاسة؛ فبادر إلى
تطهيرها ما أمكنك؛ لتبقى طاهرا، لا سيما عندما تريد الصلاة؛ فتفقد حالك من جهة
الطهارة، وعندها تريد الدخول في المسجد؛ فانظر في نعليك، فإن وجدت فيهما أذى؛
فامسحهما ونقهما ولا تدخل بهما أو تدخلهما في المسجد وفيهما نجاسة... وفق الله
الجميع لما يحبه ويرضاه من القول والعمل.
باب في أحكام الحيض والنفاس
أولا: الحيض وأحكامه قال الله تعالى:
﴿وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ﴾.
والحيض: هو دم طبيعة وجبلة، يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة.
خلقه الله لحكمة غذاء الولد في
بطن أمه؛ لافتقاره إلى الغذاء، إذ لو شاركها في غذائها لضعفت قواها، فجعل الله له
هذا الغذاء.
لذلك قل أن تحيض الحامل، فإذا
ولدت قلبه الله لبنا يدر من ثدييها ليتغذى به ولدها.
ولذلك قل أن تحيض المرضع، فإذا
خلت المرأة من حمل ورضاع، بقي لا مصرف له؛ ليستقر في مكان من رحمها.
ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة أيام، وقد يزيد عن ذلك أو يقل، ويطول
شهر المرأة ويقصر حسبما ركبه الله من الطباع.
وللحائض خلال حيضها وعند نهايته
أحكام مفصلة في الكتاب والسنة:
- من هذه الأحكام:
أن الحائض لا تصلي، ولا تصوم
حال حيضها، قال عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت أبي حبيش:
«إذا
أقبلت الحيضة، فدعي الصلاة»..
فلو صامت الحائض أو صلت حال
حيضها لم يصح لها صوم ولا صلاة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاها عن ذلك، والنهي
يقتضي عدم الصحة، بل تكون بذلك عاصية لله ولرسوله.
- فإذا طهرت من حيضها فإنها
تقضي الصوم دون الصلاة بإجماع أهل العلم، قالت عائشة رضي الله عنها: «كنا
نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء
الصلاة» متفق عليه.
-
ومن أحكام الحائض
أنها لا يجوز لها أن تطوف بالبيت، ولا تقرأ القرآن، ولا تجلس في المسجد، ويحرم على
زوجها وطؤها في الفرج حتى ينقطع حيضها وتغتسل: قال تعالى:
﴿وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾..
ومعنى الاعتزال: ترك الوطء.
وقال النبي صلى الله عليه
وسلم: «اصنعوا
كل شيء إلا النكاح» رواه الجماعة إلا البخاري، وفي
لفظ: إلا الجماع.
- ويجوز لزوج الحائض أن يستمتع
منها بغير الجماع في الفرج، كالقبلة واللمس ونحو ذلك.
- ولا يجوز لزوجها أن يطلقها
وهي حائض، قال تعالى:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾..
أي: طاهرات من غير جماع، وقد
أمر النبي صلى الله عليه وسلم من طلق امرأته وهي حائض أن يراجعها ثم يطلقها حال
طهرها إن أراد.
والطهر: هو انقطاع الدم، فإذا انقطع دمها فقد طهرت، وانتهت فترة حيضها؛
فيجب عليها الاغتسال، ثم تزاول ما منعت منه بسبب الحيض، وإن رأت بعد الطهر كدرة أو
صفرة؛ لم تلتفت إليها؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: «كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا» رواه أبو داود وغيره، وله حكم الرفع؛ لأنه تقرير منه صلى الله عليه
وسلم.
تنبيه هام:
إذا طهرت الحائض أو النفساء
قبل غروب الشمس لزمها أن تصلي الظهر والعصر من هذا اليوم، ومن طهرت منهما قبل طلوع
الفجر؛ لزمها أن تصلي المغرب والعشاء من هذه الليلة؛ لأن وقت الصلاة الثانية وقت
للصلاة الأولى في حال العذر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله في "الفتاوى"
(22 43): ولهذا كان جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد إذا طهرت الحائض في آخر
النهار صلت الظهر والعصر جميعا، وإذا طهرت في آخر الليل؛ صلت المغرب والعشاء جميعا؛
كما نقل ذلك عن عبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وابن عباس؛ لأن الوقت مشترك بين
الصلاتين في حال العذر، فإذا طهرت في آخر النهار؛ فوقت الظهر باق، فتصليها قبل
العصر، ماذا طارت في آخر الليل، فوقت المغرب باق في حال العذر، فتصليها قبل العشاء
انتهى.
وأما إذا دخل عليها وقت صلاة،
ثم حاضت أو نفست قبل أن تصلي، فالقول الراجح أنه لا يلزمها قضاء تلك الصلاة التي
أدركت أول وقتها ثم حاضت أو نفست قبل أن تصليها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله في "مجموع الفتاوى"
(23 335) في هذه المسألة: والأظهر في الدليل مذهب أبي حنيفة ومالك؛ أنها لا يلزمها
شيء؛ لأن القضاء إنما يجب بأمر جديد، ولا أمر هنا يلزمها بالقضاء، ولأنها أخرت
تأخيرا جائزا؛ فهي غير مفرطة، وأما النائم أو الناسي، وإن كان غير مفرط أيضا؛ فإن
ما يفعله ليس قضاء، بل ذلك وقت الصلاة في حقه حين يستيقظ ويذكر انتهى.