HTML Editor - Full Version
وفى الصحيحين عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : "احتج آدم وموسى فقال أنت آدم الذى خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجَد لك ملائكته وعلمك اسماء كل شئ فلماذا أخرجتنا ونفسك مكن الجنة فقال آدم أنت موسى الذى اصطفاك الله برسالته وبكلامه فهل وجدت ذلك مكتوبا على قبل ان أخلق قال نعم قال فحَجَّ آدمُ موسى" وآدم عليه السلام لم يحتج على موسى بالقدر ظنا أن المذنب يحتج بالقدر قان هذا لايقوله مسلم ولا عاقل ولو كان هذا عذرا لكان عذرا لابليس وقوم هود وكل كافر ولا موسى لام آدم أيضا لأجل الذنب فان آدم قد تاب إلى ربه فاجتباه وهدى ولكن لامه لأجله المصيبة التى لحقتهم بالخطيئة ولهذا قال فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة فأجابه آدم أنّ هذا كان مكتوبا قبل أن أخلق فكان العمل والمصيبة المترتبة عليه مقدار وما قُدِّر من المصائب يجب الاستسلام له فإنه من تمام الرضا بالله ربّا.
وأمّا الذنوب فليس للعبد ان يذنب وإذا اذنب فعليه ان يستغفر فيتوب من المعائب ويصبر على المصائب قال تعالى: "{فاصبر إنّ وعد الله حق واستغفر لذنبك} وقال تعالى {وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا} وقال {وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور} وقال يوسف {انه من يتّق ويصبر فإنّ الله لا يضيع أجر المحسنين}
فصل:
وجــوب الأمر بالمــــعروف
وكذلك ذنوب العباد يجب على العبد فيها ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بحسب قدرته ويجاهد فى سبيل الله الكفار والمنافقين ويوالي اولياء الله ويعادي اعداء الله ويحب فى الله ويبغض فى الله كما قال تعالى {يا أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون اليهم بالمودة} الى قوله {قد كانت لكم اسوة حسنة فى ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم إنّا بُرآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} وقال تعالى {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله} الى قوله {أولئك كتب فى قلوبهم الايمان وأيّدهم بروح منه} وقال تعالى {أفنجعل المسلمين كالمجرمين} وقال {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض ام نجعل المتقين كالفجّار} وقال تعالى {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} وقال تعالى {وما يستوى الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظلّ ولا الحرور وما يستوى الأحياء ولا الأموات وقال تعالى ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا} وقال تعالى {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء الى قوله بل اكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلا رجلين احدهما ابكم لا يقدر على شيء} الى قوله {وهو على صراط مستقيم} وقال تعالى {لا يستوى اصحاب النار واصحاب الجنة اصحاب الجنة هم الفائزون} ونظائر ذلك مما يفرق الله فيه بين اهل الحق والباطل وأهل الطاعة وأهل المعصية وأهل البر وأهل الفجور وأهل الهدى والضلال وأهل الغيّ والرشاد وأهل الصدق والكذب.
فمن شهد الحقيقة الكونية دون الدينية سوى بين هذه الأجناس المختلفة التى فرق الله بينها غاية التفريق حتى يؤل به الأمر الى ان يسوى الله بالاصنام كما قال تعالى عنهم الله { ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين } بل قد آل الامر بهؤلاء الى أن سَوّوْا الله بكل موجود وجعلوا ما يستحقه من العبادة والطاعة حقا لكل موجود اذ جعلوه هو وجود المخلوقات وهذا من اعظم الكفر والالحاد برب العباد.
وهؤلاء يصل بهم الكفر الى انهم لا يشهدون انهم عباد لا بمعنى انهم معبدون ولا بمعنى انهم عابدون اذ يشهدون انفسهم هي الحق كما صرح بذلك طواغيتهم كابن عربي صاحب الفصوص وامثاله من الملحدين المفترين كابن سبعين وامثاله ويشهدون انهم هم العابدون والمعبودون وهذا ليس بشهود لحقيقة لا كونية ولا دينية بل هو ضلال وعمى عن شهود الحقيقة الكونية حيث جعلوا وجود الخالق هو وجود المخلوق وجعلوا كل وصف مذموم وممدوح نعتا للخالق والمخلوق اذ وجود هذا هو وجود هذا عندهم واما المؤمنون بالله ورسوله عوامهم وخواصهم الذين هم اهل الكتاب كما قال النبى صلى الله عليه وسلم ان لله اهلين من الناس قيل من هم يا رسول الله قال [اهل القرآن هم اهل الله وخاصته] فهؤلاء يعلمون ان الله رب كل شيء ومليكه وخالقه وان الخالق سبحانه مباين للمخلوق ليس هو حالا فيه ولا متحدا به ولا وجوده وجوده.
و النصاري كفرهم بأن قالوا بالحلول والاتحاد بالمسيح خاصة فكيف من جعل ذلك عاما فى كل مخلوق ويعلمون مع ذلك ان الله امر بطاعته وطاعة رسوله ونهى عن معصيته ومعصية رسوله وانه لا يحب الفساد ولا يرضي لعباده الكفر وان على الخلق ان يعبدوه فيطيعوا امره ويستعينوا به على ذلك كما قال { إياك نعبد واياك نستعين } ومن عبادته وطاعته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب الامكان والجهاد فى سبيله لاهل الكفر والنفاق فيجتهدون فى اقامة دينه مستعينين به دافعين مزيلين بذلك ما قدر من السيئات دافعين بذلك ما قد يخاف من ذلك كما يزيل الانسان الجوع الحاضر بالاكل ويدفع به الجوع المستقبل وكذلك اذا آن اوان البرد دفعه باللباس وكذلك كل مطلوب يدفع به مكروه كما قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ارأيت ادوية نتداوى بها ورقى نسترقى بها وتقاة نتقى بها هل ترد من قدر الله شيئا فقال هي من قدر الله وفى الحديث ان الدعاء والبلاء ليلتقيان فيعتلجان بين السماء والارض فهذا حال المؤمنين بالله ورسوله العابدين لله وكل ذلك من العبادة.
وهؤلاء الذين يشهدون الحقيقة الكونية وهي ربوبيته تعالى لكل شيء ويجعلون ذلك مانعا من اتباع امره الدينى الشرعي على مراتب فى الضلال فغلاتهم يجعلون ذلك مطلقا عاما فيحتجون بالقدر فى كل ما يخالفون فيه الشيعة وقول هؤلاء شر من قول اليهود والنصارى وهو من جنس قول المشركين الذين قالوا لو شاء اله ما اشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم.
وهؤلاء من اعظم اهل الارض تناقضا بل كل من احتج بالقدر فانه متناقض فانه لا يمكن ان يقر كل آدمى على ما فعل فلا بد اذا ظلمه ظالم او ظلم الناس ظالم وسعى فى الارض بالفساد واخذ يسفك دماء الناس ويستحل الفروج ويهلك الحرث والنسل ونحو ذلك من انواع الضرر التى لا قوام للناس بها ان يدفع هذا القدر وان يعاقب الظالم بما يكف عدوان امثاله يقال له ان كان القدر حجة فدع كل احد يفعل ما يشاء بك وبغيرك وان لم يكن حجة بطل اصل قولك حجة واصحاب هذا القول الذين يحتجون بالحقيقة الكونية لا يطردون هذا القول ولا يلتزمونه وانما هم بحسب آرائهم واهوائهم كما قال فيهم بعض العلماء انت عند الطاعة قدريّ وعند المعصية جبريّ أيّ مذهبِِ وافق هواك تمذهبتَ به.