تفسير الإمام ابن كثير سورة لقمان من آية ٢٠ إلى آخر السورة => تفسير ابن كثير ۞ الإستعداد للموت قبل نزوله خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تيسير العلام شرح عمدة الأحكام حديث ٣٣٣ إلى ٣٣٥ كتاب القصاص => تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ۞ القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ٣٦ => القواعد النورانية الفقهية ۞ فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ ثلاث مهلكات وثلات منجيات خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تيسير العلام شرح عمدة الأحكام حديث ٣٣٦ إلى ٣٣٩ كتاب القصاص => تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ۞ القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ٣٧ => القواعد النورانية الفقهية ۞ إجماع الأئمة الأربعة واختلافهم للوزير ابن هبيرة باب المضاربة من المسألة ١٤١٢ إلى ١٤١٨ => اجماع الأئمة الأربعة واختلافهم ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة السجدة من آية ١ إلى ١٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة السجدة من آية ١٨ إلى آخر السورة => تفسير ابن كثير ۞ فضائل عشر ذي الحجة ويوم عرفة خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ خطبة عيد الأضحى ١٤٤٤هـ للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي في ساحة مسجد دار الفاروق بمدينة بلومنتون ولاية مينيسوتا => خطب الجمعة ۞ وافعلوا الخير لعلكم تفلحون خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ إذا كَنَزَ الناسُ الذهَبَ والفِضَّةَ، فاكْنِزوا هؤلاء الكَلِماتِ خطبة الجمعة للشيخ د وليد المنيسي => خطب الجمعة ۞ من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٣٤٠ إلى ٢٤٤ => تفسير سورة البقرة ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٤٠ إلى ٢٤٤ => تفسير ابن كثير ۞ شرح كتاب تفسير للإمام إبن كثير تفسير آية ١٠٠ من سورة الكهف => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ١ إلى ٦ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٧ إلى ١٣ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ١٤ إلى ٢٥ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٢٦ إلى ٢٩ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٣٠ إلى ٣٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب تابع تفسير الآيات من ٣٣ إلى ٣٥ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٣٦ و ٣٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٣٨ إلى ٤٠ => تفسير ابن كثير ۞ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٤١ إلى ٤٤ => تفسير ابن كثير ۞ كل نفس ذائقة الموت خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ المحاضرة الأولى عن الرجاء بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ المحاضرة الثانية عن قسوة القلب بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ المحاضرة الثالثة عن الصدق بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٤٥ إلى ٥٠ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب تابع آية ٥٠ و٥١ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٢ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٣و٥٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٥ و٥٦ => تفسير ابن كثير ۞ إنما المؤمنون إخوة خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ الدرس الأول من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الثاني من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الثالث من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الرابع من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الخامس من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس السادس والأخير من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞

RSS

Twitter

Facebook

Youtube

القائمة الرئيسية
المرئيات الأكثر زيارة
الكتب الأكثر زيارة

التاسع عشر: الفقرة من 511-571

التاسع عشر: الفقرة من 511-571
880 زائر
29-11-2015
صفحة جديدة 17

511 – ومن هذا الباب حديث ذكره موسى بن عبد الرحمن الصنعاني صاحب التفسير بإسناده عن ابن عباس مرفوعاً أنه قال: «من سره أن يوعيه الله حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم، فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف، أو في صحف قوارير بعسل وزعفران وماء مطر، وليشربه على الريق، وليصم ثلاثة أيام، وليكن إفطاره عليه، ويدعو به في أدبار صلواته/: اللهم إني أسألك بأنك مسئول، لم يسأل مثلك ولا يسأل، وأسألك بحق محمد نبيك، وإبراهيم خليلك، وموسى نجيك، وعيسى روحك وكلمتك ووجيهك». وذكر تمام الدعاء.

وموسى بن عبد الرحمن هذا من الكذابين، قال أبوأحمد بن عدي فيه: منكر الحديث.

وقال أبوحاتم ابن حبان: دجال يضع الحديث، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير جمعه من كلام الكلبي ومقاتل.

512 – ويروى نحو هذا – دون الصوم – عن ابن مسعود من طريق موسى بن إبراهيم المروزي حدثنا وكيع عن عبيدة عن شقيق عن ابن مسعود.

وموسى بن إبراهيم هذا قال فيه يحيى بن معين: كذاب، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن حبان: كان مغفلاً يلقن فيتلقن فاستحق الترك.

ويروى هذا عن عمر بن عبد العزيز عن مجاهد بن جبر عن ابن مسعود بطريق أضعف من الأول.

513 – ورواه أبوالشيخ الأصبهاني من حديث أحمد بن إسحاق الجوهري: حدثنا أبوالأشعث، حدثنا زهير بن العلاء العتبي، حدثنا يوسف بن يزيد عن الزهري، ورفع الحديث قال: «من سره أن يَحفظ فليصم سبعة أيام، وليكن إفطاره في آخر هذه الأيام السبعة على هؤلاء الكلمات».

قلت: وهذه أسانيد مظلمة لا يثبت بها شيء.

514 – وقد رواه أبوموسى المديني في أماليه، وأبوعبد الله المقدسي، على عادة أمثالهم في رواية ما يروى في الباب سواء كان صحيحاً أو ضعيفاً، كما اعتاده أكثر المتأخرين من المحدثين، أنهم يروون ما روي به الفضائل، ويجعلون العهدة في ذلك على الناقل، كما هي عادة المصنفين في فضائل الأوقات والأمكنة والأشخاص والعبادات والعادات.

515 – كما يرويه أبوالشيخ الأصبهاني في فضائل الأعمال وغيره، حيث يجمع أحاديث كثيرة لكثرة روايته، وفيها أحاديث كثيرة قوية صحيحة وحسنة، وأحاديث كثيرة ضعيفة موضوعة وواهية.

وكذلك ما يرويه خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة.

وما يرويه أبونعيم الأصبهاني في فضائل الخلفاء في كتاب مفرد، وفي أول حلية الأولياء.

وما يرويه أبو الليث السمرقندي وعبد العزيز الكناني وأبوعلي بن البناء وأمثالهم من الشيوخ، وما يرويه أبوبكر الخطيب وأبوالفضل بن ناصر وأبوموسى المديني وأبوالقاسم بن عساكر والحافظ عبد الغني وأمثالهم ممن له معرفة بالحديث، فإنهم كثيراً ما يروون في تصانيفهم ما روي مطلقاً على عادتهم الجارية؛ ليعرف ما روي في ذلك الباب لا ليحتج بكل ما روي، وقد يتكلم أحدهم على الحديث ويقول: غريب، ومنكر، وضعيف. وقد لايتكلم.

516 – وهذا بخلاف أئمة الحديث الذين يحتجون به ويبنون عليه دينهم مثل مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأبي داود، ومحمد بن نصر المروزي، وابن خزيمة، وابن المنذر، وداود بن علي، ومحمد بن جرير الطبري، وغير هؤلاء، فإن هؤلاء الذين يبنون الأحكام على الأحاديث يحتاجون أن يجتهدوا في معرفة صحيحها وضعيفها وتمييز رجالها.

517 – وكذلك الذين تكلموا في الحديث والرجال ليميزوا بين هذا وهذا لأجل معرفة الحديث كما يفعل أبو أحمد بن عدي، وأبوحاتم البستي، وأبوالحسن الدارقطني وأبوبكر الإسماعيلي، وكما قد يفعل ذلك، أبوبكر البيهقي، وأبوإسماعيل الأنصاري، وأبوالقاسم الزنجاني، وأبوعمر ابن عبد البر، وأبومحمد بن حزم، وأمثال هؤلاء، فإن بسط هذه الأمور له موضع آخر.

518 – ولم يذكر من لا يروي بإسناد – مثل كتاب وسيلة المتعبدين لعمر الملا الموصلي، وكتاب الفردوس لشهريار الديلمي، وأمثال ذلك – فإن هؤلاء دون هؤلاء الطبقات، وفيما يذكرونه من الأكاذيب أمر كبير.

519 – والمقصود هنا، أنه ليس في هذا الباب حديث واحد مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه في مسألة شرعية، باتفاق أهل المعرفة بحديثه، بل المروي في ذلك إنما يعرف أهل المعرفة بالحديث أنه من الموضوعات؛ إما تعمداً من واضعه، وإما غلطاً / منه.

وفي الباب آثار عن السلف أكثرها ضعيفة:

520 – فمنها حديث الأربعة الذين اجتمعوا عند الكعبة وسألوا، وهم عبد الله ومصعب ابنا الزبير، وعبد الله بن عمر وعبد الملك بن مروان.

ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعاء.

ورواه من طريق إسماعيل بن أبان الغنوي، عن سفيان الثوري، عن طارق بن عبد العزيز، عن الشعبي، أنه قال: «لقد رأيت عجباً‍ كنا بفناء الكعبة أنا، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، ومصعب بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم: ليقم كل رجل منكم، فليأخذ بالركن اليماني، وليسأل الله حاجته، فإنه يُعطى من سعة. ثم قالوا: قم ياعبد الله بن الزبير فإنك أول مولود في الإسلام بعد الهجرة. فقام، فأخذ بالركن اليماني ثم قال: اللهم إنك عظيم ترجى لكل عظيم، أسألك بحرمة وجهك، وحرمة عرشك، وحرمة نبيك، ألا تميتني من الدنيا حتى توليني الحجاز، ويسلم علي بالخلافة. ثم جاء فجلس.

ثم قام مصعب، فأخذ بالركن اليماني، ثم قال: اللهم إنك رب كل شيء، وإليك يصير كل شيء، أسألك بقدرتك على كل شيء، ألا تميتني من الدنيا حتى توليني العراق، وتزوجني بسُكينة بنت الحسين.

ثم قام عبد الملك بن مروان، فأخذ بالركن اليماني، ثم قال: اللهم رب السموات السبع، ورب الأرض ذات النبت بعد القفر، أسألك بما سألك به عبادك المطيعون لأمرك، وأسألك بحقك على خلقك وبحق الطائفين حول عرشك» إلى آخره.

521 – قلت: وإسماعيل بن أبان الذي روى هذا عن سفيان الثوري كذاب، قال أحمد بن حنبل: كتبت عنه، ثم حدث بأحاديث موضوعه فتركناه. وقال يحيى بن معين: وضع حديثاً على السابع من ولد العباس يلبس الخضرة (يعني المأمون). وقال البخاري، ومسلم، وأبوزرعة، والدارقطني: متروك. وقال الجوزجاني: ظهر منه على الكذب. وقال أبوحاتم: كذاب. وقال ابن حبان: يضع على الثقات.

وطارق بن عبد العزيز الذي ذكر أن الثوري روى عنه لا يعرف من هو، فإن طارق بن عبد العزيز المعروف الذي روى عنه ابن عجلان ليس من هذه الطبقة.

522 – وقد خولف فيها، فرواها أبونعيم عن الطبراني: حدثنا أحمد ابن زيد بن الجريش، حدثنا أبوحاتم السجستاني، حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: «اجتمع في الحجر مصعب وعروة وعبد الله بنو الزبير، وعبد الله بن عمر فقالوا: تمنوا فقال عبد الله بن الزبير أَمَّا أنا فأتمنى الخلافة، وقال عروة: أَمَّا أنا فأتمنى أن يوخذ عني العلم، وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسُكينة بنت الحسين، وقال عبد الله بن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة. قال: فنالوا كلهم ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غفر له».

523 - قلت: وهذا إسناد خير من ذاك الإسناد باتفاق أهل العلم، وليس فيه سؤال بالمخلوقات.

وفي الباب حكايات عن بعض الناس، أنه رأى مناماً قيل له فيه: ادع بكذا وبكذا، ومثل هذا لايجوز أن يكون دليلاً باتفاق العلماء.

وقد ذكر بعض هذه الحكايات من جمع في الأدعية.

524 – ورُُوي في ذلك أثر عن بعض السلف، مثل ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعاء، قال: حدثنا أبوهاشم، سمعت كثير ابن محمد ابن كثير بن رفاعة يقول: جاء رجل إلى عبد الملك بن سعيد ابن أبجر، فجس بطنه فقال: بك داء لا يبرأ. قال: ماهو؟ قال: الدُّبَيْلة. قال: فتحول الرجل فقال: الله الله، الله ربي، لا أشرك به شيئاً، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم تسليماً، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك وربي يرحمني مما بي. قال فجس بطنه فقال: قد برئت ما بك علة.

525 – قلت: فهذا الدعاء ونحوه قد روي أنه دعا به السلف، ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروذي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، ونهى به آخرون. فإن كان مقصود المتوسلين التوسل بالإيمان به وبمحبته وبموالاته وبطاعته، فلا نزاع بين الطائفتين، وإن كان مقصودهم التوسل بذاته فهو محل النزاع، وما تنازعوا فيه يرد إلى الله والرسول. وليس مجرد كون الدعاء حصل به المقصود مما يدل على أنه سائغ في الشريعة، فإن كثيراً من الناس يدعون من دون الله من الكواكب والمخلوقين، ويحصل ما يحصل من غرضه./

526 – وبعض الناس يقصد الدعاء عند الأوثان والكنائس وغير ذلك، ويدعو التماثيل التي في الكنائس، ويحصل ما يحصل من غرضه. وبعض الناس يدعو بأدعية محرمة باتفاق المسلمين، ويحصل ما يحصل من غرضه. فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته، وإن كان الغرض مباحاً، فإن ذلك الفعل قد يكون فيه مفسدة راجحة على مصلحته. والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فجميع المحرمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم قد يحصل لصاحبه به منافع ومقاصد، لكن لما كانت مفاسدها راجحة على مصالحها نهى الله ورسوله عنها.

527 – كما أن كثيراً من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرة، لكن لما كانت مصلحته راجحة على مفسدته أمر به الشارع. فهذا أصل يجب اعتباره، ولا يجوز أن يكون الشيء واجباً أو مستحباً إلا بدليل شرعي يقتضي إيجابه أو استحبابه. والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة، فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة. والدعاء لله تعالى عبادة إن كان المطلوب به أمراً مباحاً.

528 – وفي الجملة فقد نقل عن بعض السلف والعلماء به السؤال به، بخلاف دعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين، والاستغاثة بهم والشكوى إليهم، فهذا مما لم يفعله أحد من السلف، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا رخص فيه أحد من أئمة المسلمين.

529 – وحديث الأعمى الذي رواه الترمذي والنسائي هو من القسم الثاني من التوسل بدعائه، فإن الأعمى قد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بأن يرد الله عليه بصره. فقال له: «إن شئت صبرت وإن شئت دعوت». فقال: بل ادعه، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويقول: «اللهم إني أسألك بنبيك نبي الرحمة، يامحمد يارسول الله، إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه ليقضيها، اللهم فشفعه في». فهذا توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: وشفعه في، فسأل الله أن يقبل شفاعة رسوله فيه وهو دعاؤه.

وهذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب، وما أظهر الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنه صلى الله عليه وسلم ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره.

530 – وهذا الحديث – حديث الأعمى – قد رواه المصنفون في دلائل النبوة كالبيهقي وغيره:

رواه البيهقي من حديث عثمان بن عمر، عن شعبة، عن أبي جعفر الخطمي، قال: سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت، يحدث عن عثمان ابن حنيف، أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، فقال له: «إن شئت أخرت ذلك فهو خير لك، وإن شئت دعوت». قال: فادعُه، فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يامحمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فيقضيها لي، اللهم فشفعه في وشفعني فيه. قال: فقام وقد أبصر.

ومن هذا الطريق رواه الترمذي من حديث عثمان بن عمر.

ومنها رواه النسائي وابن ماجه أيضاً.

وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو غير الخطمي.

هكذا وقع في الترمذي وسائر العلماء قالوا هو أبوجعفر الخطمي وهو الصواب.

531 – وأيضاً فالترمذي ومن معه لم يستوعبوا لفظه كما استوعبه سائر العلماء بل رووه إلى قوله «اللهم شفعه فيَّ». قال الترمذي: حدثنا محمود ابن غيلان، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا شعبة، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادعُ الله أن يعافيني. قال: «إن شئت صبرت فهو خير لك». قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي، اللهم شفعه فيَّ.

532 – قال البيهقي: رويناه في كتاب الدعوات بإسناد صحيح، عن روح بن عبادة، عن شعبة، قال: ففعل الرجل فبرأ.

قال: وكذلك رواه حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي.

533 – قلت: ورواه الإمام أحمد في مسنده، عن روح / بن عبادة كما ذكره البيهقي. قال أحمد: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا شعبة، عن أبي جعفر المديني: سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت، يحدث عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يانبي الله ادع الله أن يعافيني، قال: «إن شئت أخرت ذلك فهو خير لآخرتك، وإن شئت دعوت لك». قال: لا بل ادع الله لي، فأمره أن يتوضأ، وأن يصلي ركعتين، وأن يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يامحمد إني أتوجه بك إلى الله في حاجتي هذه، فتقضي لي وتشفعني فيه وتشفعه في». قال: ففعل الرجل فبرئ.

534 – ورواه البيهقي أيضاً من حديث شبيب بن سعيد الحبطي، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المديني – وهو الخطمي – عن أبي أمامة [ابن] سهل بن حنيف، عن عثمان بن حنيف، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه رجل ضرير يشتكي إليه ذهاب بصره، فقال: يارسول الله ليس لي قائد، وقد شق علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي عن بصري، اللهم فشفعه في وشفعني في نفسي». قال عثمان بن حنيف: والله ما تفرقنا ولاطال الحديث بنا حتى دخل الرجل كأنه لم يكن به ضر قط.

535 – فرواية شبيب، عن روح، عن أبي جعفر الخطمي، خالفت رواية شعبة وحماد بن سلمة في الإسناد والمتن، فإن في تلك أنه رواه أبوجعفر، عن عمارة بن خزيمة، وفي هذه أنه رواه عن أبي أمامة [بن] سهل، وفي تلك الرواية أنه قال: فشفعه في وشفعني فيه، وفي هذه وشفعني في نفسي. لكن هذا الإسناد له شاهد آخر من رواية هشام الدستوائي عن أبي جعفر.

536 – ورواه البيهقي من هذه الطريق، وفيه قصة قد يحتج بها من توسل به بعد موته – إن كانت صحيحة – رواه من حديث إسماعيل ابن شبيب بن سعيد الحبطي، عن شبيب بن سعيد، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المدني، عن أبي أمامة [بن] سهل بن حنيف، أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، وكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي الرجل عثمان بن حنيف، فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: إئت الميضأة، فتوضأ، ثم إئت المسجد، فصل ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد، إني أتوجه بك إلى ربي، فيقضي لي حاجتي. ثم اذكر حاجتك ثم رح حتى أروح. قال فانطلق الرجل، فصنع ذلك، ثم أتى بعدُ عثمان بن عفان، فجاء البواب، فأخذ بيده، فأدخله على عثمان، فأجلسه معه على الطنفسة وقال: انظر ما كانت لك من حاجة، فذكر حاجته، فقضاها له، ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إليَّ حتى كلمته في. فقال عثمان بن حنيف: ما كلمته، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وجاءه ضرير، فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أو تصبر؟». فقال له: يارسول الله ليس لي قائد وقد شق عليّ، فقال: إئت الميضأة فتوضأ وصل ركعتين ثم قل: «اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يامحمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي لي عن بصري، اللهم فشفعه في، وشفعني في نفسي». قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا، وما طال بنا الحديث، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط.

537 – قال البيهقي: ورواه أحمد بن شبيب بن سعيد عن أبيه بطوله، وساقه من رواية يعقوب بن سفيان، عن أحمد بن شبيب بن سعيد، قال: ورواه أيضا هشام الدستوائي، عن أبي جعفر، عن أبي أمامة بن سهل، عن عمه – وهو عثمان بن حنيف – ولم يذكر إسناد هذه الطريق.

538 – قلت: وقد رواه النسائي في كتاب «عمل اليوم والليلة» من هذه الطريق، من حديث معاذ بن هشام، عن أبيه، عن أبي جعفر، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف.

ورواه أيضاً من حديث شعبة وحماد بن سلمة، كلاهما عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة، ولم يروه أحد من هؤلاء – لا الترمذي، ولا النسائي، ولا ابن ماجه – من تلك الطريق الغريبة، التي فيها الزيادة، طريق شبيب ابن سعيد، عن روح بن القاسم.

539 – لكن رواه الحاكم في مستدركه/ من الطريقين، فرواه من حديث عثمان بن عمر: حدثنا شعبة، عن أبي جعفر المدني، سمعت عمارة بن خزيمة يحدث، عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

أدع الله أن يعافيني فقال: «إن شئت أخرت ذلك فهو خير لك، وإن شئت دعوت». قال: فادعه. فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء:

«اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يامحمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه، اللهم فشفعه في وشفعني فيه». قال الحاكم: على شرطهما.

540 – ثم رواه من طريق شبيب بن سعيد الحبطي، وعون بن عمارة، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي المدني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره وقال: يارسول الله ليس لي قائد، وقد شق علي، فقال: «ائت الميضأة، فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل:

اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي، فيجلي لي عن بصري، اللهم فشفعه في وشفعني في نفسي». قال عثمان فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث، حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر قط. قال الحاكم: على شرط البخاري.

541 – وشبيب هذا صدوق، روى له البخاري، لكنه قد رُوي له عن روح بن الفرج أحاديث مناكير، رواها ابن وهب، وقد ظن أنه غلط عليه. ولكن قد يقال مثل هذا إذا انفرد عن الثقات – الذين هم أحفظ منه، مثل شعبة وحماد بن سلمة وهشام الدستوائي – بزيادة، كان ذلك عليه في الحديث، لا سيما وفي هذه الرواية أنه قال: «فشفعه في وشفني في نفسي». وأولئك قالوا: «فشفعه في وشفعني فيه». وبمعنى قوله: «وشفعني فيه» أي في دعائه، وسؤاله لي، فيطابق قوله: «وشفعه في».

542 – قال أبو أحمد بن عدي في كتابه المسمى «بالكامل في أسماء الرجال»، ولم يصنف في فنه مثله: شبيب بن سعيد الحبطي أبو سعيد البصري التميمي، حدث عنه ابن وهب بالمناكير، وحدث عن يونس، عن الزهري بنسخة الزهري أحاديث مستقيمة، وذكر عن علي ابن المديني أنه قال: هو بصري ثقة كان من أصحاب يونس، كان يختلف في تجارة إلى مصر، وجاء بكتاب صحيح.

قال: وقد كتبتها عن ابنه أحمد بن شبيب. وروى عن عدي حديثين عن ابن وهب، عن شبيب هذا عن روح ابن القاسم:

أحدهما: عن ابن عقيل، عن سابق بن ناجية، عن ابن سلام قال: مر بنا رجل فقالوا: إن هذا قد خدم النبي صلى الله عليه وسلم.

والثاني: عنه، عن روح بن القاسم، عن عبد الله بن الحسين، عن أمه فاطمة حديث دخول المسجد. قال ابن عدي: كذا قيل في الحديث عن عبد الله بن الحسين، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

543 – قال ابن عدي: ولشبيب بن سعيد نسخة الزهري عنده، عن يونس، عن الزهري، وهي أحاديث مستقيمة. حدث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير. و [إن] حديثي روح بن القاسم اللذين أمليتهما، يرويهما بن وهب عن شبيب. وكان شبيب بن سعيد إذا روى عنه ابنه أحمد بن شبيب – نسخة الزهري: ليس هو شبيب بن سعيد الذي يحدث عنه ابن وهب بالمناكير التي يرويها عنه، ولعل شبيباً بمصر في تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه فيغلط ويهم. – وأرجو أن لا يتعمد شبيب هذا الكذب.

544 – قلت: هذان الحديثان اللذان أنكرهما ابن عدي عليه، رواهما عن روح بن القاسم، وكذلك هذا الحديث، حديث الأعمى رواه عن روح بن القاسم. وهذا الحديث مما رواه عنه ابن وهب أيضاً، كما رواه عنه ابناه، لكنه لم يُتقن لفظه كما أتقنه ابناه، وهذا يصحح ما ذكره ابن عدي، فعلم أنه محفوظ عنه.

وابن عدي أحال الغلط عليه لا على ابن وهب، وهذا صحيح إن كان قد غلط، وإذا كان قد غلط على روح بن القاسم في ذينك الحديثين أمكن أن يكون غلط عليه في هذا الحديث.

545 – وروح بن القاسم ثقة مشهور، روى له الجماعة فلهذا لم يحيلوا الغلط عليه. والرجل قد يكون حافظاً لما يرويه عن شيخ، وغير حافظ لما يرويه عن آخر، مثل إسماعيل بن عياش فيما / يرويه عن الحجازيين، فإنه يغلط فيه، بخلاف ما يرويه عن الشاميين. ومثل سفيان بن حسين فيما يرويه عن الزهري. ومثل هذا كثير، فيحتمل أن يكون هذا يغلط فيما يرويه عن روح بن القاسم – إن كان الأمر كما قاله ابن عدي – وهذا محل نظر.

546 – وقد روى الطبراني هذا الحديث في المعجم، من حديث ابن وهب، عن شبيب بن سعيد. رواه من حديث أصبغ بن الفرج: حدثنا عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك عز وجل فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له.

ثم أتى باب عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له.

ثم قال له: ماذكرتُ حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا.

ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرًا ماكان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إلي حتى كلمته فيَّ. فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: افتصبر؟ فقال: يارسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق [علي]، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائت الميضأة، فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات». فقال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا، وطال بنا الحديث، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط.

قال الطبراني: روى هذا الحديث شعبة، عن أبي جعفر واسمه عمير بن يزيد، وهو ثقة، تفرد به عثمان بن عمر، عن شعبة، قال أبوعبد الله المقدسي: والحديث صحيح.

547 - قلت: والطبراني ذكر تفرده بمبلغ علمه، ولم تبلغه رواية روح بن عبادة، عن شعبة. وذلك إسناد صحيح، يبين أنه لم ينفرد به عثمان بن عمر.

وطريق ابن وهب هذه تؤيد ما ذكره ابن عدي، فإنه لم يحرر لفظ الرواية كما حررها ابناه، بل ذكر فيها أن الأعمى دعا بمثل ما ذكره عثمان بن حنيف، وليس كذلك بل في حديث الأعمى أنه قال: «اللهم فشفعه في وشفعني فيه - أو قال - في نفسي». وهذه لم يذكرها ابن وهب في روايته، فيشبه أن يكون حدث ابن وهب من حفظه كما قال ابن عدي، فلم يتقن الرواية.

548 - وقد روى أبوبكر بن أبي خيثمة في تاريخه حديث حماد ابن سلمة فقال:

حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حماد بن سلمة، نا أبوجعفر الخطمي، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت في بصري، فادع الله لي. قال: «اذهب فتوضأ، وصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أستشفع بك على ربي في رد بصري، اللهم فشفعني في نفسي، وشفع نبيي في رد بصري، وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك». فرد الله عليه بصره.

قال ابن أبي خيثمة: وأبوجعفر هذا - الذي حدث عنه حماد بن سلمة - اسمه عمير بن يزيد، وهو أبوجعفر، الذي يروي عنه شعبة.

ثم ذكر الحديث من طريق عثمان بن عمر، عن شعبة.

549 - قلت: وهذه الطريق فيها: «فشفعني في نفسي» مثل طريق روح بن القاسم، وفيها زيادة أخرى وهي قوله: «وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك - أو قال - فعل مثل ذلك».

وهذه قد يقال: إنها توافق قول عثمان بن حنيف، لكن شعبة وروح بن القاسم أحفظ من حماد بن سلمة، واختلاف الألفاظ يدل على أن مثل هذه الرواية قد تكون بالمعنى، وقوله: «وإن كانت حاجة فعل مثل ذلك». قد يكون مدرجاً من كلام عثمان، لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقل: «وإن كانت لك حاجة فعلت مثل ذلك» بل قال: «وإن كانت حاجة فعل مثل ذلك».

550 - وبالجملة فهذه الزيادة لو كانت ثابتة لم تكن فيها حجة، وإنما غايتها أن يكون عثمان / بن حنيف ظن أن الدعاء يدعى ببعضه دون بعض، فإنه لم يأمره بالدعاء المشروع بل ببعضه، وظن أن هذا مشروع بعد موته صلى الله عليه وسلم.

ولفظ الحديث يناقض ذلك، فإن في الحديث، أن الأعمى سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، وأنه علم الأعمى أن يدعو وأمره في الدعاء أن يقول: «اللهم فشفعه فيَّ». وإنما يدعى بهذا الدعاء إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم داعياً شافعاً له بخلاف من لم يكن كذلك، فهذا يناسب شفاعته ودعاءه للناس في محياه في الدنيا ويوم القيامة إذا شفع لهم.

551 - وفيه أيضاً أنه قال: «وشفعني فيه».

وليس المراد أن يشفع للنبي صلى الله عليه وسلم في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن كنا مأمورين بالصلاة والسلام عليه، وأمرنا أن نسأل الله له الوسيلة.

ففي صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال إذا سمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته. حلت له شفاعتي يوم القيامة».

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد. فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة».

552 - وسؤال الأمة له الوسيلة هو دعاء له، وهو معنى الشفاعة، ولهذا كان الجزاء من جنس العمل، فمن صلى عليه، صلى [عليه] الله، ومن سأل الله له الوسيلة المتضمنة لشفاعته، شفع له صلى الله عليه وسلم، كذلك الأعمى سأل منه الشفاعة، فأمره أن يدعو الله بقبول هذه الشفاعة، وهو كالشفاعة في الشفاعة. فلهذا قال: اللهم فشفعه في وشفعني فيه.

553 - وذلك أن قبول دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا هو من كرامة الرسول على ربه، ولهذا عد هذا من آياته ودلائل نبوته، فهو كشفاعته يوم القيامة في الخلق، ولهذا أمر طالب الدعاء أن يقول: «فشفعه في وشفعني فيه». بخلاف قوله: «وشفعني في نفسي». فإن هذا اللفظ لم يروه أحد إلا من هذا الطريق الغريب.

554 - وقوله: «وشفعني فيه». رواه عن شعبة رجلان جليلان: عثمان بن عمر، وروح بن عبادة. وشعبة أجل من روى هذا الحديث، ومن طريق عثمان بن عمر، عن شعبة رواه الثلاثة: الترمذي والنسائي وابن ماجه.

رواه الترمذي، عن محمود بن غيلان، عن عثمان بن عمر، عن شعبة.

ورواه ابن ماجه، عن أحمد بن يسار، عن عثمان بن عمر.

555 - وقد رواه أحمد في «المسند» عن روح بن عبادة، عن شعبة، فكان هؤلاء أحفظ للفظ الحديث. مع أن قوله: «وشفعني في نفسي»، إن كان محفوظاً مثل ماذكرناه، وهو أنه طلب أن يكون شفيعاً لنفسه، مع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يدع له النبي صلى الله عليه وسلم كان سائلاً مجرداً كسائر السائلين.

ولا يسمى مثل هذا شفاعة، وإنما تكون الشفاعة إذا كان هناك اثنان يطلبان أمراً فيكون أحدهما شفيعاً للآخر، بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره.

| حفظ | Download , استماع | Play |
 
من الآية ٣٤٠ إلى ٢٤٤ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ - تفسير سورة البقرة
المجلس 17 - أثر الاختلاف في القواعد الأصولية