تفسير الإمام ابن كثير سورة لقمان من آية ٢٠ إلى آخر السورة => تفسير ابن كثير ۞ الإستعداد للموت قبل نزوله خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تيسير العلام شرح عمدة الأحكام حديث ٣٣٣ إلى ٣٣٥ كتاب القصاص => تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ۞ القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ٣٦ => القواعد النورانية الفقهية ۞ فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ ثلاث مهلكات وثلات منجيات خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تيسير العلام شرح عمدة الأحكام حديث ٣٣٦ إلى ٣٣٩ كتاب القصاص => تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ۞ القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ٣٧ => القواعد النورانية الفقهية ۞ إجماع الأئمة الأربعة واختلافهم للوزير ابن هبيرة باب المضاربة من المسألة ١٤١٢ إلى ١٤١٨ => اجماع الأئمة الأربعة واختلافهم ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة السجدة من آية ١ إلى ١٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة السجدة من آية ١٨ إلى آخر السورة => تفسير ابن كثير ۞ فضائل عشر ذي الحجة ويوم عرفة خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ خطبة عيد الأضحى ١٤٤٤هـ للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي في ساحة مسجد دار الفاروق بمدينة بلومنتون ولاية مينيسوتا => خطب الجمعة ۞ وافعلوا الخير لعلكم تفلحون خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ إذا كَنَزَ الناسُ الذهَبَ والفِضَّةَ، فاكْنِزوا هؤلاء الكَلِماتِ خطبة الجمعة للشيخ د وليد المنيسي => خطب الجمعة ۞ من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ => تفسير سورة البقرة ۞ من الآية ٣٤٠ إلى ٢٤٤ => تفسير سورة البقرة ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير ابن كثير سورة البقرة من الآية ٢٤٠ إلى ٢٤٤ => تفسير ابن كثير ۞ شرح كتاب تفسير للإمام إبن كثير تفسير آية ١٠٠ من سورة الكهف => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ١ إلى ٦ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٧ إلى ١٣ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ١٤ إلى ٢٥ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٢٦ إلى ٢٩ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٣٠ إلى ٣٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب تابع تفسير الآيات من ٣٣ إلى ٣٥ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٣٦ و ٣٧ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٣٨ إلى ٤٠ => تفسير ابن كثير ۞ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٤١ إلى ٤٤ => تفسير ابن كثير ۞ كل نفس ذائقة الموت خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ المحاضرة الأولى عن الرجاء بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ المحاضرة الثانية عن قسوة القلب بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ المحاضرة الثالثة عن الصدق بالعربية مع الترجمة للإنجليزية => محاضرات بالعربية مع الترجمة للإنجليزية في مدينة سانتا كلارا في وادي السيليكون في كاليفورنيا ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب من آية ٤٥ إلى ٥٠ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب تابع آية ٥٠ و٥١ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٢ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٣و٥٤ => تفسير ابن كثير ۞ تفسير الإمام ابن كثير سورة الأحزاب آية ٥٥ و٥٦ => تفسير ابن كثير ۞ إنما المؤمنون إخوة خطبة الجمعة للشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => خطب الجمعة ۞ الدرس الأول من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الثاني من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الثالث من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الرابع من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس الخامس من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞ الدرس السادس والأخير من شرح نظم فتح العلام لناظمه الشيخ د وليد بن إدريس المنيسي => فتح العلام فى نظم مسائل الأسماء والأحكام ۞

RSS

Twitter

Facebook

Youtube

القائمة الرئيسية
المرئيات الأكثر زيارة
الكتب الأكثر زيارة

3- من قوله: (فنقول: لما قُتِل أمير المؤمنين) إلى قوله: (لما حصل في قلبها إذ ذاك من الإيمان، وأمثال ذلك كثير

3- من قوله: (فنقول: لما قُتِل أمير المؤمنين) إلى قوله: (لما حصل في قلبها إذ ذاك من الإيمان، وأمثال ذلك كثير
761 زائر
20-11-2015
صفحة جديدة 1

فنقول: لما قُتِل أمير المؤمنين عثمان بن عفان وسار علي بن أبي طالب إلى العراق وحصل بين الأمة من الفتنة والفُرقة يوم الجمل ثم يوم صِفّين ما هو مشهور: خرجت الخوارج المارقون على الطائفتين جميعاً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بهم وذكر حُكمهم..

قال الإمام أحمد: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه، وهذه العشرة أخرجها مسلم في صحيحه موافقةً لأحمد، وروى البخاري منها عدة أوجه، وروى أحاديثهم أهل السنن والمسانيد من وجوه أُخَر.

ومن أصح حديثهم حديث علي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري ففي الصحيحين، عن علي بن أبي طالب أنه قال: إذا حَدّثْتُكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فوالله لأن أَخِرَّ من السماء إلى الأرض أحبُّ إلي من أن أكذب عليه، وإن حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خُدعة، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قَتْلهم أجراً عند الله لِمَنْ قَتَلَهم يوم القيامة».

وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال: بعث علي بن أبي طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن بذُهَيْبة في أُدْم مقروض لم تُحَصَّل من ترابها، فقال: فَقَسَمَها بين أربعة نَفَر، فقال رجل من أصحابه: كنا أحق بهذا من هؤلاء، قال: (فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم) فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا تأمنوني وأنا أمين مَنْ في السماء؟! يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً» قال: فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كَثّ اللحية محلوق الرأس مُشَمِّر الإزار فقال: يا رسول الله! اتق الله، فقال: «ويلك أَوَلَسْتُ أحَقَّ أهل الأرض أن يتقي الله؟!» قال: ثم وَلّى الرجل، فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله! ألا أضرب عنقه؟ فقال: «لا: لعله أن يكون يصلي» قال خالد: وكم من مُصَلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه!، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لم أومر أن أُنَقِّب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم» قال: ثم نظر إليه وهو مُقَفٍّ، فقال: «إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» قال: أظنه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد». اللفظ لمسلم.

ولمسلم في بعض الطُّرُق عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم «ذكر قوماً يكونون في أُمّته يخرجون في فُرْقة من الناس سيماهم التحليق، ثم قال: شر الخلق (أو: من شر الخلق) يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق»، قال أبو سعيد: أنتم قتلتموهم يا أهل العراق وفي لفظ له: «تقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق»..

وهذا الحديث مع ما ثبت في الصحيح عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحسن بن علي: «إن ابني هذا سيد، وسيُصلِح الله به بين طائفتين عظيمتين من المؤمنين» فبَيّن أن كلا الطائفتين كانت مؤمنة، وأن اصطلاح الطائفتين كما فعله الحسن كان أحبَّ إلى الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم من اقتتالهما، وأن اقتتالهما- وإن لم يكن مأموراً به- فعلي بن أبي طالب وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه، وأن قتال الخوارج مما أَمَر به صلى الله عليه وسلم، ولذلك اتفق على قتالهم الصحابة والأئمة.

وهؤلاء الخوارج لهم أسماء:

يقال لهم (الحرورية) لأنهم خرجوا بمكان يقال له: (حروراء).

ويقال لهم (أهل النهروان) لأن علياً قاتلهم هناك.

ومن أصنافهم:

الإباضية أتباع عبد الله بن إباض.

والأزارقة أتباع نافع بن الأزرق.

والنجدات أصحاب نجدة الحروري.

وهُم أول مَنْ كَفَّرَ أهل القِبْلة بالذنوب، بل بما يرونه هم من الذنوب، واستحلوا دماء أهل القِبلة بذلك، فكانوا كما نعتهم النبي صلى الله عليه وسلم يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، وكَفّروا علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ومَنْ والاهما، وقتلوا علي بن أبي طالب مُسْتَحِلّين لقَتْله، قَتَلَه عبد الرحمن بن مُلْجِم المرادي منهم..

وكان هو وغيره من الخوارج مجتهدين في العبادة، لكن كانوا جُهّالاً فارقوا السُّنة والجماعة؛ فقال هؤلاء: ما الناس إلا مؤمن أو كافر؛ والمؤمن مَنْ فَعَل جميع الواجبات وتَرَك جميع المحرمات؛ فمَنْ لم يكن كذلك فهو كافر؛ مُخَلَّد في النار.

ثم جعلوا كل مَنْ خَاَلَف قولـهم كذلك..

فقالوا: إن عثمان وعلياً ونحوهما حَكَموا بغير ما أنزل الله وظلموا فصاروا كُفّاراً.

ومذهب هؤلاء باطل بدلائل كثيرة من الكتاب والسُّنة؛

فإن الله سبحانه أَمَر بِقَطْع يد السارق دون قَتْله، ولو كان كافراً مرتداً لوَجَب قَتْله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ بَدَّل دينه فاقتلوه»، وقال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كُفْر بعد إسلام، وزِنَى بعد إحصان، أو قَتْل نَفْسٍ يُقْتَل بها».

وأَمَرَ سبحانه أن يُجْلَد الزاني والزانية مائة جلدة، ولو كانا كافريْن لأَمَر بقتلهما.

وَأَمَرَ سبحانه بأن يُجْلَد قاذف المحصنة ثمانين جلدة، ولو كان كافراً لأَمَرَ بقَتْله.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلد شارب الخمر ولم يقتله، بل قد ثَبَت عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وغيره: «أن رجلاً كان يشرب الخمر، وكان اسمه عبد الله حماراً، وكان يُضْحِك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كلما أُتِيَ به إليه جَلَدَه، فأُتِيَ به إليه مرة فَلَعَنَه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله»؛ فَنَهَى عن لَعْنِه بعينه، وشَهِدَ له بِحُب الله ورسوله مع أنه قد لَعَن شارب الخمر عموماً.

وهذا من أجود ما يُحْتَجُّ به على أن الأمر بقَتْل الشارب في الثالثة أو الرابعة منسوخ؛ لأن هذا أُتِيَ به ثلاث مرار..

وقد أعيا الأئمة الكبار جواب هذا الحديث؛ ولكن نَسْخ الوجوب لا يمنع الجواز، فيجوز أن يقال: يجوز قَتْله إذا رأى الإمام المصلحة في ذلك، فإن ما بين الأربعين إلى الثمانين ليس حدّاً مُقَدَّراً في أصح قولي العلماء، كما هو مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، بل الزيادة على الأربعين إلى الثمانين ترجع إلى اجتهاد الإمام فيفعلها عند المصلحة كغيرها من أنواع التعزير، وكذلك صفة الضرب فإنه يجوز جَلْد الشارب بالجريد والنعال وأطراف الثياب بخلاف الزاني والقاذف، فيجوز أن يقال: قَتْله في الرابعة من هذا الباب.

وأيضاً فإن الله- سبحانه- قال: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[الحجرات:9] ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ[الحجرات:10]؛ فقد وَصَفَهم بالإيمان والأُخُوّة وَأَمَرَنا بالإصلاح بينهم..

فلمّا شاع في الأمة أَمْر الخوارج تكلمت الصحابة فيهم، ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث فيهم، وبَيَّنوا ما في القرآن من الرد عليهم، وظهرت بدعتهم في العامة..

فجاءت بعدهم المعتزلة- الذين اعتزلوا الجماعة بعد موت الحسن البصري وهُم: عمرو بن عُبَيْد، وواصل بن عطاء الغَزّال وأتباعهما- فقالوا: أهل الكبائر مُخَلَّدون في النار- كما قالت الخوارج-، ولا نُسميهم لا مؤمنين ولا كفاراً؛ بل فُسّاق نُنْزِلُهم منزلة بين منزلتين، وأنكروا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أُمّته، وأن يُخْرَج من النار بعد أن يدخلها، قالوا: ما الناس إلا رجلان؛ سعيد لا يُعَذَّب أو شَقِيّ لا يُنَعَّم، والشقي نوعان: كافر وفاسق، ولم يوافقوا الخوارج على تسميتهم كفاراً.

وهؤلاء يُرَدُّ عليهم بمثل ما ردوا به على الخوارج؛ فيقال لهم: كما أنهم قَسَموا الناس إلى مؤمن لا ذنب له، وكافر لا حسنة له؛ قَسَمْتُم الناس إلى مؤمن لا ذنب له، وإلى كافر وفاسق لا حسنة له، فلو كانت حسنات هذا كلها مُحْبَطَة وهو مُخَلَّد في النار لاستحق المعاداة المحضة بالقتل والاسترقاق كما يستحقها المرتد؛ فإن هذا قد أظهر دينه بخلاف المنافق..

وقد قال تعالى في كتابه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[النساء:48]؛ فَجَعَل ما دون ذلك الشرك مُعَلَّقَاً بمشيئته، ولا يجوز أن يُحْمَل هذا على التائب؛ فإن التائب لا فَرْق في حقه بين الشرك وغيره، كما قال سبحانه في الآية الأخرى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا[الزمر:53] فهنا عَمَّم وأَطْلَق لأن المراد به التائب، وهناك خَصَّص وعَلَّقَ..

وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ[فاطر:32] ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ[فاطر:33] ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ[فاطر:34] ﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ[فاطر:35]..

فَقَدْ قَسَم سبحانه الأُمّة التي أورثها الكتاب واصطفاها ثلاثة أصناف:

- ظالم لنفسه.

- ومقتصد.

- وسابق بالخيرات.

وهؤلاء الثلاثة ينطبقون على الطبقات الثلاث المذكورة في حديث جبريل: (الإسلام والإيمان والإحسان).. كما سنذكره إن شاء الله..

ومعلوم أن الظالم لنفسه إن أُرِيْدَ به مَنْ اجتنب الكبائر والتائب من جميع الذنوب فذلك مقتصد أو سابق، فإنه ليس أحد من بني آدم يخلو عن ذنب؛ لكن مَنْ تاب كان مقتصداً أو سابقاً؛ كذلك مَنْ اجتنب الكبائر كُفِّرَت عنه السيئات؛ كما قال تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ[النساء:31] فلا بد أن يكون هناك ظالم لنفسه موعود بالجنة ولو بعد عذاب يُطَهِّر من الخطايا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ: أن ما يصيب المؤمن من المصائب مما يُجْزى به ويُكَفَّر عنه خطاياه كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما يصيب المؤمن من وَصَبٍ ولا نَصَبٍ ولا هَمٍّ ولا حَزَن ولا غَمٍّ ولا أذى، حتى الشوكة يُشَاكَّها إلا كَفَّرَ الله بها من خطاياه»..

وفي المسند وغيره أنه: «لما نزلت هذه الآية: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ[النساء:123] قال أبو بكر: يا رسول الله! جاءت قاصمة الظهر، وأَيُّنا لم يعمل سوءاً؟! فقال: يا أبا بكر! ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ فذلك مما تُجْزَون به»..

وأيضاً فقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه يخرج أقوام من النار بعد ما دخلوها وأن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أقوام دخلوا النار..

وهذه الأحاديث حجة على الطائفتين:

- الوعيدية؛ الذين يقولون: مَنْ دَخَلَها من أهل التوحيد لم يُخْرَج منها.

- وعلى المرجئة الواقفة؛ الذين يقولون: لا ندري هل يدخل من أهل التوحيد النار أحد أم لا؟..

- كما يقول ذلك طوائف من الشيعة والأشعرية كالقاضي أبي بكر وغيره.

وأما ما يُذْكَر عن غلاة المرجئة أنهم قالوا: (لن يدخل النار من أهل التوحيد أحد) فلا نعرف قائلاً مشهوراً من المنسوبين إلى العلم يُذْكَر عنه هذا القول.

وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد شَهِد لشارب الخمر المجلود مرات بأنه يحب الله ورسوله ونهى عن لعنته، ومعلوم أن مَنْ أَحَبّ الله ورسوله أحبه الله ورسوله بقدر ذلك.

وأيضاً فإن الذين قذفوا عائشة أم المؤمنين كان فيهم مسطح بن أثاثة وكان من أهل بدر، وقد أنزل الله فيه لما حلف أبو بكر أن لا يَصِله: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ[النور:22]، وإن قيل: إن مُسطحاً وأمثاله تابوا لكن الله لم يشرط في الأمر بالعفو عنهم والصفح والإحسان إليهم التوبة.

وكذلك حاطب بن أبي بلتعة كاتَبَ المشركين بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم: فلما أراد عمر قَتْله قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه قد شَهِدَ بدراً، وما يدريك أن الله قد اطَّلَع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»..

وكذلك ثَبَتَ عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة»..

وهذه النصوص تقتضي: أن السيئات مغفورة بتلك الحسنات ولم يشترط مع ذلك توبة؛ وإلا فلا اختصاص لأولئك بهذا؛ والحديث يقتضي المغفرة بذلك العمل.

وإذا قيل: (إن هذا لأن أحداً من أولئك لم يكن له إلا صغائر) لم يكن ذلك من خصائصه أيضاً، وأن هذا يستلزم تجويز الكبيرة من هؤلاء المغفور لهم.

وأيضاً قد دَلّت نصوص الكتاب والسُّنة: على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب:

- أحدها: التوبة وهذا متفق عليه بين المسلمين..

قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[الزمر:53].

وقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[التوبة:104].

وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ[الشورى:25]..

وأمثال ذلك..

- السبب الثاني: الاستغفار كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أذنب عبد ذنباً فقال: أي رب! أذنبتُ ذنباً فاغفر لي، فقال: عَلِم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرتُ لعبدي، ثم أذنب ذنباً آخر فقال: أي رب! أذنبت ذنبا آخر فاغفره لي، فقال ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به؛ قد غفرتُ لعبدي، فليفعل ما شاء قال ذلك: في الثالثة أو الرابعة».

وفي صحيح مسلم عنه أنه قال: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وَلَجَاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم».

وقد يقال على هذا الوجه: (الاستغفار هو مع التوبة) كما جاء في حديث «ما أَصَرَّ مَنْ استغفر وإن عاد في اليوم مائة مرة».

وقد يقال: (بل الاستغفار بدون التوبة ممكن واقع) وبَسْطُ هذا له موضع آخر..

فإن هذا الاستغفار إذا كان مع التوبة مما يُحْكَم به عام في كل تائب، وإن لم يكن مع التوبة فيكون في حق بعض المستغفرين الذين قد يحصل لهم عند الاستغفار من الخشية والإنابة ما يمحو الذنوب؛

كما في حديث البطاقة بأن قول: (لا إله إلا الله) ثَقُلَت بتلك السيئات لمّا قالها بنوع من الصدق والإخلاص الذي يمحو السيئات.

وكما غُفِرَ للبَغِيّ بِسَقْي الكلب لمّا حصل في قلبها إذ ذاك من الإيمان..

وأمثال ذلك كثير.

| حفظ | Download , استماع | Play |
 
من الآية ٣٤٠ إلى ٢٤٤ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٨ إلى ٢٣٩ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٥ إلى ٢٣٧ - تفسير سورة البقرة
من الآية ٢٣٣ إلى ٢٣٤ - تفسير سورة البقرة
المجلس 17 - أثر الاختلاف في القواعد الأصولية