الرد على منكري علم تجويد القرآن
أدلة مشروعية قراءة القرآن مجودا باتباع قواعد علم التجويد كثيرة، منها :
1- أن الأسانيد المتواترة التي نقلت بها قراءات القرآن عن القراء العشرة وفيها أنهم رفعوا هذا أو نصبوه أو جروه أو قرؤوه بالتاء أو بالياء إلى آخره هي نفس الأسانيد التي فيها أنهم فخموا هذا أورققوه أو أدغموه أو مدوه إلى آخره ، وحيث إنه لا يجوز مخالفة الرواية في فتح أو ضم فلا يجوز مخالفتها في صفة النطق بالحرف وهي التجويد
2- من أحكام التجويد ما تؤدي مخالفته إلى تحريف معاني القرآن كمن قرأ مستورا بتفخيم التاء أو مسطورا بترقيق الطاء فإنه يلبس إحدى الكلمتين بالأخرى ، وكذلك من فخم محذورا أو رقق محظورا ، لايمكن لعاقل أن يقول بجواز هذا
3- كلام الفقهاء من المذاهب الأربعة في بطلان صلاة من ائتم بمن يلحن في الفاتحة وتمثيلهم للّحن بأشياء فيها إخلال بأحكام التجويد دليل على أنهم يقولون بوجوب قراءة القرآن مجودا أو على أقل تقدير أن من أحكام التجويد قدرا واجبا عندهم من أمثلة ذلك ما نقله الإمام النووي عن الجويني في التبصرة قال (شرط السين من البسملة وسائر الفاتحة أن تكون صافية غير مشوبة بغيرها لطيفة المخرج من بين الثنايا يعني وأطراف اللسان، فإن كان به لثغة تمنعه من إصفاء السين فجعلها مشوبة بالثاء ، فإن كانت لثغة فاحشة لم يجز للفصيح الاقتداء به ..)اهـ
4- أثر ابن مسعود رضي الله عنه وقد صححه الألباني وغيره وفيه أن ابن مسعود سمع قارئا يقرأ (إنما الصدقات للفقراء) فقصرها فقال ابن مسعود ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أقرأنيها هكذا فمد الفقراء
5- قوله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا)، روى الهذلي في كتاب الكامل عن علي رضي الله عنه قال في تفسير هذه الآية الكريمة (هو معرفة الوقوف وتجويد الحروف)
6- قول بعضهم ليس هناك حديث فيه ذكر الغنة أو الإدغام فنقول هذه مصطلحات حادثة لأشياء معروفة عندهم مثل مصطلحات سائر العلوم فلا يلزم من حدوث المصطلح حدوث مدلوله.
7- الإنسان عدو ما يجهل فلا يلزم من جهل الإنسان بعلم من العلوم أن يقلل من أهميته بل عليه أن يتعلم،
وقد قال مالك كل علم يسأل عنه أهله، و الذين أنكروا علم التجويد وأحكامه وقواعده ليسوا هم أهل القراءات حتى نسألهم كيف قرأ النبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الأئمة الأربعة تلقوا قراءتهم للقرآن عن أئمة القراءات فأبو حنيفة قرأ القرآن على كل من حمزة وعاصم،
ومالك قرأ على نافع، والشافعي قرأ على تلاميذ ابن كثير، وأحمد أخذ قراءة نافع وعاصم وأبي عمرو بسنده عنهم، ولم يستنكف الأئمة الأربعة وأقرانهم من الفقهاء المتبوعين من الجلوس مجلس التلميذ بين يدي السادة القراء يتلقون عنهم القرآن بما فيه من أحكام تجويدية.
فأعرف الناس بكيفية قراءة المصطفى صلى الله عليه وسلم هم علماء القراءات الذين يتناقلون صفة قراءته خلفا عن سلف، وكتب القراءات المسندة المؤلفة في القرون الثلاثة الأولى وما بعدها أسندت عن أئمة القراء العشرة الذين بعضهم من التابعين وبعضهم من أتباع التابعين أنهم مدوا كذا وقصروا كذا،
وأدغموا كذا وأظهروا كذا، وفخموا كذا ورققوا كذا، والقراء العشرة تواترت عنهم قراءتهم بما فيها من أصول (أحكام تجويدية ) وفرش حروف، وقد أخبروا _ وهم صادقون_ أنهم هكذا تلقوا قراءتهم عن شيوخهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أصلا وفرشا،
فادعاء بعض المعاصرين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأ القرآن مجودا قول على الله بلا علم، وقد جاء في صحيح البخاري أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعرفون متى يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة السرية من اضطراب لحيته من وراء ظهره ، وهذه الصفة لا تكون إلا ممن يقرأ القرآن مجودا.
ثم إن القرآن أنزل بلسان عربي مبين، وارجع إلى كتاب سيبويه الذي شافه العرب في البوادي زمن الاحتجاج بلغتهم، وانظر كيف نقل عنهم هذه الأحكام التجويدية، ولو اقتصر النقاش على كون التجويد واجبا أو مستحبا لهان الخطب، لأن المستحب يجب احترامه ويحرم الاستهزاء به والتقليل من شأنه، وشيخنا ابن باز وشيخنا ابن عثيمين رحمهما الله كانا يقولان إن التجويد مستحب، وأما استشهاد بعضهم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في إنكار الإفراط والغلو في القراءة فقد أنكر الإفراط قبله أئمة القراءات غاية الإنكار وألفوا في إنكاره الكتب، لكن ليس معنى كون الغلو في العبادة مذموما أن العبادة مذمومة، وكذلك كون الغلو في التجويد وسوسة مذمومة لا يعني أن التجويد مذموم، وعلماء القراءات هم الذين يحددون لنا ما هو هذا الحد المأذون فيه وما هو الغلو المذموم . |